بقلم : إقبال بركة
عل الناس فى شتى بقاع الأرض لم يلجأوا للأديان ويستغيثوا بمقدساتهم كما يفعلون هذه الأيام، إنهم كمن لم يصلِ يوما فى حياته فلما واجه كارثة أسرع إلى سجادة الصلاة وطفق يبتهل ويتضرع، الشعوب كلها فى الشمال والجنوب والغرب والشرق يبتهلون إلى رب كريم أن يغيثهم فى هذه الأيام العصيبة وينقذ أرواحهم وأرواح ذويهم من الهلاك بوباء غير مرئى وغير معروف له علاج.
إنهم يواجهون شبحا لا يعرفون ملامحه ولكنهم يتلقون ضرباته القاتلة، لقد سبق وأن تغلبوا بالعلم على أوبئة أخرى عديدة مثل الطاعون والكوليرا وسارس.. إلخ أما هذا الكائن غير المرئى فقد تغلب عليهم جميعا، إنه لا يترك فئة ولا أرضا إلا ويغزوها بجيشه الجبار فيدمر مناعتها ويضمن عدم مقاومتها ويبعث ضحاياه إلى العالم الآخر، فلا يجرؤ أهله على وداعه أو تلقى العزاء فيه أو حضور دفنه، بل أن بعض القرى المصرية رفضوا دفن أبنائهم المصابين خوفا من تفشى العدوى وهو أمر شائن لم يسبق حدوثه من قبل، نسوا أن كل ما يحدث هو من أمر الله وأنهم وأبنائهم غير معصومين من العدوى وأن إكرام الميت دفنه! ما يحدث منذ نهاية العام الماضى أمور لم تحدث من قبل فى تاريخ البشرية جعلت البعض من كل جنسية وعرق وملة وطائفة ينسون خلافاتهم ويتقاربون مرعوبين يائسين، بينما البعض الآخر تملكته الأنانية والتمس النجاة منفردا كما يفعل غرقى السفينة، عشنا وشفنا أغنى دول العالم، يتلقون المعونات ويتلهفون على المساعدة من شعوب أخرى أدنى منهم، التقدم العلمى والثراء والأسلحة بكل أنواعها طأطأوا رءوسهم مخذولين يائسين أمام جبروت غير مرئى، كانوا
يتحدون الجميع بعلومهم المتقدمة واختراعاتهم ولكن هذه العلوم عجزت حتى اليوم عن تحدى القدر ثم راحوا يتبادلون الاتهامات.
وها هو الشهر الكريم، شهر رمضان المعظم، قد حضر، فلعل المسلمين يدركون أن كل مظاهر الحفاوة التى ابتدعوها منذ عهد الفاطميين لن تفيدهم هذا العام لا الياميش ولا قمر الدين ولا الحلويات الشرقية بكل أنواعها قادرة على أن تحميهم من مصير غير معلوم، لم يبق إلا الصلاة بكل صدق وإيمان والابتهال إلى الله خالق الكون ومدبره أن يحمينا من ذلك الوباء أو يحملنا إلى جناته ونعيمه ويغفر لنا ذنوبنا فهو الرحمن الرحيم.
ساحة النقاش