كتبت : سماح موسي

على الرغم مما تأصله الأمثال الشعبية التى تؤيد كثرة الأبناء فى ثقافتنا وعاداتنا المصرية إلا أن العلم الحديث يؤكد آثارها السلبية على صحة المرأة العضوية والنفسية وهو ما يكشفه أطباء النساء والتوليد والعظام وأساتذة علم النفس فى هذا التحقيق..

البداية مع أمنية أحمد ذات الأربعين عاما، وأم لخمسة أطفال والتى تزوجت وهى ابنة 12عاما وتقول: لم أجد من يقدم لى النصيحة فأنجبت ولدا ثم الثاني وهكذا حتى تدهورت صحتي ونفسيتي فتحولت من شخصية هادئة إلى عصبية، وأصبت بهشاشة عظام وخشونة في الظهر والحوض حتى وصل بى الحال إلى الاكتئاب الذى دخلت على إثره مستشفى لتلقي العلاج النفسي بسبب الضغط النفسي لتربية أبنائي وضغوط العمل ومتطلبات الأسرة.

وتقول حميدة راضي، مدرسة لغة عربية في إحدي المدارس الخاصة وأم لأربعة أولاد: لا أشعر بيومي منذ استيقاظي من النوم بسبب طلبات أبنائي التي لم تنته خاصة أنني أعاني مرض السكر الذى أصبت به بعد إنجاب ابني الرابع.

"انهكتني الخلفة" هذا ما بدأت به حورية إبراهيم، أم لستة أبناء, حديثها، وتقول: بعد إنجابي أبنائي الستة حدث لي نزيف رحمى استأصلت على إثره الرحم وأصبت بالأنيميا وهجرني زوجي بسبب طلبات أولادي وانشغالي عنه لأنه لم يجد منى أي اهتمام سوى لأولادي الستة.

حملات توعوية

بعد سرد معاناة العديد من الحالات بسبب كثرة الإنجاب توجهنا إلي خبراء النفس والنساء لمعرفة المشكلات العضوية والنفسية التي تواجهها المرأة بسبب كثرة الإنجاب.

تقول د. سها محمود عبدالدايم، رئيس الشعبة الطبية ومدير عام مركز التميز الطبي بالمركز القومي للبحوث: تتعرض الأم للإصابة بأمراض عديدة نتيجة الحمل المتكرر والتى تصيبها بالاكتئاب فى بعض الحالات وتنقل لأبنائها فى أحيان أخرى، لذا أدعو إلى تكثيف حملات التوعية بمخاطر كثرة الإنجاب وتنظيم الأسرة حتى تعي المرأة أنه يسبب الفقر ويحدث فجوة في العلاقة الزوجية ويسبب الطلاق.

وتقول د. غادة هديب، استشاري أمراض النسا والتوليد بالتأمين الصحي: تتعرض المرأة التي تنجب أكثر من طفل لمخاطر صحية كثيرة خاصة إذا زاد عدد الأطفال عن ثلاثة حيث يزيد  الحمل المتكرر من احتمالية إصابتها بالأنيميا ما يجعلها تشعر بالضعف وقصر النفس والعصبية وتساقط الشعر وشحوب الجلد، فضلا عن سقوط الرحم والتهابات عنقه، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بنزيف رحمى وتسمم الحمل وحمى النفاس، كما أن هناك علاقة طردية بين زيادة معدلات الحمل والولادة ووفيات الأمهات، بالإضافة إلى التأثير السلبى على صحة الطفل وتنشئته خاصة إذا كانت تعيش المرأة حياة اقتصادية صعبة تجعلها غير مهتمة بغذائها وأبنائها.

مخاطر صحية

يتفق د. كريم النحاس مدرس، استشاري أمراض النسا والتوليد بالمركز القومي للبحوث مع الرأي السابق ويقول: يمثل كثرة الإنجاب عبأ على صحة كل من الأم والجنين، حيث يفقدان العديد من العناصر الغذائية أهمها الحديد والكالسيوم ما يزيد احتمالية تعرضها للإصابة بالكثير من الأمراض كالسكر البولي واختلال تجلط الدم ومشاكل الانسداد التجلطي، بالإضافة إلى الضعف العام وارتفاع نسبة الإصابة بهبوط الرحم وتوسع المهبل ما يتسبب في صعوبة التبول وألم شديد أثناء العلاقة الزوجية، أما عن مخاطر كثرة الإنجاب على الجنين فيسبب مشاكل في المشيمة والتى تؤثر على نمو وصحة الجنين ويزيد من احتمالية حدوث ولادة مبكرة.

ويقول د. أسامة عزمي، أستاذ الصحة الإنجابية بالمركز القومي للبحوث: على الرغم من أن الأطفال نعمة من الله وزينة الحياة الدنيا لكن كثرة عددهم له ضرر كبير على المرأة والأسرة ككل، فالمرأة التي تنجب أكثر من ثلاثة أطفال تكون عرضة للإصابة بأمراض عدة أهمها ارتفاع سكر الدم "سكر الحمل" والذى يتسبب فى تضخم حجم الجنين داخل رحم الأم ما يؤدي أحيانا إلى وفاته داخل الرحم، وزيادة نسبة الولادة القيصرية المبكرة وما يتبعها من مخاطر كصعوبة تنفس الأم أثناء الولادة القيصرية والتصاق الأمعاء بجدار الرحم الخارجي، والمشيمة بالكامل داخل الرحم بمكان الجرح السابق والذى قد تتطلب استئصال الرحم نتيجة حدوث نزيف بعد الولادة، بالإضافة إلى تعرضها لنقص الأملاح والكالسيوم.

إضعاف المناعة

أما د. جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية فيقول: تتمثل المخاطر النفسية لكثرة الإنجاب فى سوء الحالة المزاجية للمرأة والتى تنتج عن الآلام المصاحبة للحمل والولادة وتضاعف المسئوليات الأسرية عليها، الأمر الذى يتسبب فى إضعاف مناعتها وجعلها عرضة للإصابة بالأمراض الفيروسية والمعدية، إلى جانب أن تربية أكثر من طفل يصيبها بإجهاد عصبي زائد، لذا أنصح المرأة بالاكتفاء بطفلين أو ثلاثة كحد أقصى، وأن تحافظ على صحتها وتراعى تغذيتها.

ويتابع: أؤكد على كلام "كولر" العالم النفسى بأن المناعة العاطفية النفسية تؤثر سلبا على عمر الإنسان، فالاكتئاب بسبب كثرة الحمل والضغط النفسي يقلل من مناعة المرأة بنسبة 80% عن غيرها، حيث تسبب بعض العوامل الداخلية كالإجهاد في إضعاف الجهاز المناعي فإثارة الجهاز العصبي اللا إرادي بشكل متكرر استجابة للضغوط المزمنة تضعف من قدرات جهاز المناعة.

مشكلات العظام

أما عن أمراض العظام المصاحبة لكثرة الإنجاب فتتحدث عنها د. سلوى عبدالنبي زكي، طبيب  روماتيزم قائلة: على الرغم من أن المرأة تتمتع ببنية سليمة وتمارس رياضة قبل الحمل إلا أنه لن تستعيد كامل صحتها بعده رغم محاولاتها المتكررة من ممارسة الرياضة واتباع نظام صحي للمحافظة على شكلها الخارجي، وقد تصل لمرحلة مرضية شكلا لكن تكوينيا تفقد مع كل حمل وولادة جزءا من البنية الصحيحة لجسدها، حيث يحدث تغيير في شكل الجسم ليواكب شكل جنينها والذى يفقد معه الجسم مركز جاذبيته، بالإضافة إلى تعرض الأم لآلام كثيرة في عظامها، ففي الحمل الأول تعاني من شد عضلى نتيجة تغير مركز جاذبية الجسم، ومع تكرار الحمل يتحول شد العضلات إلى خشونة الظهر "الديسك" وهشاشة العظام نتيجة فقد نسبة كبيرة من الكالسيوم المخزون الرئيسي للعظام.