كتبت: سكينة السادات

من بعد الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينكر أحد فضل ذلك الرجل علينا، هو الذى ساندنا وأوجد لنا العمل وشجعنا على خوض عمار الحياة الشاقة فى البداية ومهد لنا طريق النجاح والحياة الرغدة الكريمة! لا يمكن أن يجحد فضله إلا ناكر للجميل قليل الأصل، لكننا بفضل الله سبحانه وتعالى وكما هو معلوم للقاصي والدانى نعترف بفضله علينا وعلى غيرنا من الذين يغمرهم برعايته وعطفه، ولكن ماذا إذا كانت هناك شائبة حرام أو عدم التزام أو نوع من أنواع التحايل فى بعض ما يقوم به من أعمال؟ هل نغمض عيوننا ونتذكر أحضنانه؟ أم ماذا ما نفعل بالضبط؟ وإليك الحكاية من أولها والله شهيد على ما أقول.

قالت السيدة عائشة (38سنة) ما زلنا فى محافظتنا بالصعيد (الجوانى) نحتفظ ونتمسك بصورة العائلة المتماسكة التى لها (كبير العائلة) الذى يتصرف فى كل أمورها بحكمة ومحبة ويحيط علما بكل صغيرة وكبيرة تحدث لأفراد العائلة، هكذا نشأنا أنا وعائلتى المكونة من أبى وأمى وأخوين وأختين، وكان عمنا الكبير شقيق والدى الأكبر هو كبير عائلتنا الذى نحترمه ونقدره، والذى كان ولا يزال إنسانا راقيا حكيما متواضعا ديموقراطيا فى كل ما يفعله، إذ كان لا يتخذ أى قرار إزاء أى شخص من الأسرة إلا بعد الدراسة والمراجعة والمناقشة والإقناع الهادئ غير المتجبر طويل المدى، ومن هنا كان عمى الكبير يعتبر كبير المنطقة كلها وكبير عائلات كثيرة قد لا تمت إلينا بصلة القربى من أهل البلدة والجيران والعاملين معه!

وعمى الأكبر هذا كان هو الذى يوزع الأعمال على جميع أهل القرية فقد كان يعمل عدة أعمال تجارية وصناعية وأعمال مقاولات ونقل وزراعة وبيع وشراء وكل ما يلزم القرية من حياة، وكان عمدة القرية رجلا كبير السن قريبا لنا يعتمد على عمى الكبير فى كل شىء حتى فى علاقته بالحكومة، فإذا كانت المدرسة (الإلزامية زمان) أى الابتدائية الآن فى حاجة إلى ترميم أو إصلاح فهو يطلب من الحاج عبدالجليل عمى الكبير أن يرسل له من يقدم بالعمل إذا اعترضته مشاكل فى الرى والزراعة أو النقل أو ما شابه، باختصار كان عمى هذا هو الكل فى الكل فى البلدة، ولكنه كان آية فى التواضع والتربية، فهو أول من يصل إلى جامع القرية لأداء صلاة الفجر كل يوم وبعد الصلاة يجتمع معه عمدة القرية وأهلها ويتبادلون الآراء والمصالح والتجارة والصناعة وغيرها!

واستطردت السيدة عائشة ووالدى كان أحد مساعديه المقربين، وعندما قرر هو وأبى وأمى أن نتم نحن الأربعة تعليمنا الجامعى شعرنا بالامتنان، وتفوقنا فى دراستنا حتى نكون جديرين بالقرار العظيم الذى اتخذته الأسرة فى حقنا، وتخرج أخواي الكبيران والتحقا بالعمل فى شركة المقاولات المملوكة لكبير الأسرة، وتخرجت أنا وأختى فى كلية التجارة، وأيضاً التحقنا بالعمل فى مكتب الاستيراد والتصدير التابع لكبير العائلة، وعندما رأى الوالدان وكبير العائلة أنه قد حان وقت زواج أختى الكبيرة وكان أبناء عمى الكبير قد تزوجوا وأنجبوا، إذ أن عمي يكبر أبى بسنوات كثيرة فهو أصغر إخواته، واختارت الأسرة لأختى أحد أقرباتنا من الشباب الصالحين وتمت الزيجة بنجاح، وبعد أن تخرجت فوجئت بعمى الكبير يطلب لقائى على انفراد وهو أمر لم يحدث لأى فرد من أسرتى من قبل، وقالت أمى وهى تحاول أن تبعث فى قلبى الطمأنينة: يمكن عاوزك تشتغلى معاه؟ يعنى حيكون إيه ؟ والمهم أننى فى الموعد المحدد مثل المغرب بقليل ذهبت إلى منزل عمى أو سرايا عمى كما كانوا يسمونها فى القرية وسلمت على أسرته وكنت أحبهم جدا، فزوجة عمى سيدة محترمة وكانت من أغنى أغنياء القرية قبل زواجها من عمى، إذ كان والدها من أثرياء الصعيد فضلا عن جمالها وتواضعها وتدينها وكرمها على جميع أهل القرية، وباختصار إنسانة محبوبة ومحترمة وصلت معها وفهمت أنها لا تعرف سبب استدعاء عمى لى، وبعد قليل استدعانى عمى إلى مكتبه واستقبلنى استقبالا لطيفا كعاته دائما، وفوجئت به يقول لى:

- يا عائشة.. أنت ابنتى قبل أن تكوني ابنة أخى الصغير.. تعرفين أننى أعرف معظم عائلات محافظتنا وأتعامل معهم فى مختلف الأعمال، وقد جاءنى منذ أيام والد أحد الشباب الذين كانوا يدرسون معك فى الجامعة وطلب منى الموافقة على خطبتك لابنه الذى تخرج قبلك فى الجامعة فما هو رأيك فى هذا الشاب وهل تعرفينه؟ أرجو ألا تتحرجى من أى شىء فأنا أتفهم أمور الشباب جيداً.

قلت له: نعم يا عمى أعرفه فهو زميل بجامعة أسيوط ولم يحدث بيننا سوى التحيات العابرة مثل أى زميل آخر، فهو ليس من أصل بلدتنا لكنه يبدو إنسانا محترما لم أسمع عنه  بشىء ما فى الجامعة!

قال عمى: يعنى ................ أرضى ضميرى وربى هل تقبلنيه زوجا؟ قلت له:

- يا عمى ليس قبل أو بعد رأيك أى رأى وما سوف تقرره سوف ألتزم به.

قال عمى لكن يا عائشة هل تعرفين أنه من أسرة فقيرة ولم يعمل حتى الآن رغم أنه تخرج منذ سنة؟ قلت له: هذه الأمور تعرف جيداً أنك يا عمى تستطيع أن تقررها وما سوف تقرره سألتزم به.

وتنفست الصعداء وعدت سعيدة مسرورة إلى أمى أطلب الطعام بعد أن امتنعت عنه خوف طول اليوم، وقلت لها إنه يسألنى عن عريس تقدم لخطبتى، ففرحت أمى وكادت تزغرد لولا أن منعتها قبل قرار عمى النهائى وقرار أبى، والأسبوع القادم أكمل لك الحكاية !

المصدر: كتبت: سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 557 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,860,546

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز