ضد العودة  إلى الوراء

 صرخة أنثى أناحرة

كتبت:نجلاء ابو زيد

 جاءتني باكية صارخة لاعنة، هذا المجتمع الذي يحترم مركزها ويقدرها يسلب في كل لحظة إحساسها بحريتها بتدخلاته المباشرة وغير المباشرة فى حياتها الشخصية لمجرد أنها مازالت آنسة!!.. وطلبت مني أن أعبر عن صرختها ورفضها وإعلانها لحريتها أياَ كان الثمن لأنها وغيرها كثيرات يرفضن الوصاية وصاية الأب والأخ والعم والخال - إلخ وأن تنحصر حياتهن ما بين الخوف عليهن من الناس والخوف من كلام الناس!.. ولصدق صرختها قررت إتاحة الفرصة لها ولغيرها ممن يعانين من نقص الإحساس بالحرية لعرض تجاربهن مع مجتمع يعلن احترامه للأنثي ثم يعاقبها في كل لحظة على عدم الزواج!!

lالبداية كانت مع فاطمة - مديرة مكتب محاسبة - حيث تحدثت قائلة: أنتمى لأسرة فقيرة كبيرة العدد، وبعد حصولى على دبلوم التجارة عملت بالمكاتب المختلفة ، وساهمت فى الإنفاق على أشقائى لاستكمال دراستهم وأثبت ذاتى فى العمل لدرجة أننى أصبحت مسئولة عن أحد مكاتب المحاسبة ، وذلك بعد اكمالى لتعليمى بالجامعة المفتوحة وحصولى على بكالوريوس التجارة ، وخلال هذه السنوات تزوج من تزوج وسافر من سافر ، ونسيت نفسى لأننى بالرغم من وجود والدى على قيد الحياة كنت المسئولة الأولى عن توفير الاحتياجات المالية لأسرتى ، ولم يكن هناك من يقبل أن يتزوجنى وأنا أنفق على الأشقاء والآن وقد بلغت الأربعين فجأة بدأ شقيقى الذى لم يتجاوز الـ 22 سنة يحاسبنى ويطالبنى بالعودة مبكراً ، لأن كلام الناس كثير وإذا قررت حضور أية مناسبة يجب أن آخذ رأيه ، وهل سيوافق على الذهاب معى كحارس أم يرفض وأحرم أنا من الخروج ووالدى الذى لم يتحمل منذ زمن مسئولياته تجاهنا، اكتشف فجأة أننى بنت ويجب أن أسمع كلام أخى أياً كان عمره. أشعر حالياً أننى أمر بأصعب أيام حياتى فهذه القيود لم تفرض علىَّ من 20 عاماً ، وفجأة تذكرنى الجميع ويتبارون فى إفقادى الشعور بحريتى وقدرتى على إدارة حياتى بعد أن نجحت لسنوات فى مساعدة أشقائى علي إدارة حياتهم الخاصة. وفكرت فى ترك البيت لكن خوفى على أمى المريضة التى لاتملك إلا دموعها يجعلنى أتحمل لكن لا أعرف لماذا ظلوا يستنزفوننى لسنوات دون قيود، وعندما لم يعودوا بحاجة لى قرروا وضع القيود على حياتى وللأسف أعرف كثرات يعانين مثلى فالزواج هو جواز المرور فى المجتمع ومن لن تحصل عليه تظل فى حاجة لضامن!.

 إهانة أخى وأمى

 تتفق معها قصة د. رحاب فى المعاناة وإن اختلفت فى التفاصيل وتحكى د. رحاب قصتها قائلة: أعمل حالياً مدرساً بإحدى كليات الطب ولى مكانة مرموقة وسط أهلى وجيرانى، لكن مشكلتى الأساسية أننى بعد وفاة زوجى عدت لبيت أسرتى ومعى ابنى الصغير لاستيلاء أهل زوجى على الشقة التى كنت أعيش فيها ، وبعودتى لبيت أسرتى اعتبرونى نفس الفتاة الصغيرة التى لم تترك البيت ، فشقيقى الذى يصغرنى بعشر سنوات يرفع يده على عندما تشاجر ووصل الحال أن كسر ذراعى فى إحدى مشاجراتنا وتركت البيت وذهبت بإبنى لأحد أقاربنا ، وبعد جلسة صلح عدت لبيت أسرتى لأننى لم غيره، وحالياً إذا تأخرت يعلو صوته وأمى تخبرنى أننى يجب أن أحترمه وأسمع كلامه لأنه رجل العائلة ، وأننى طالما أعيش بلا رجل فإننى مكسورة الجناح حتى لو شغلت أعلى المناصب، أشعر كثيراً أننى مقيدة فى كل شيء وإذا فكرت فى السفر مع ابنى يقابل طلبى بالرفض لأننى بدون رجل.

 فرض الوصاية

 أسماء لها تجربة مختلفة فقد استطاعت التأكيد على حريتها والحصول عليها رغم أنف الجميع وعن ذلك،

 تقول: بعد حصولى على بكالوريوس التجارة عملت لفترة كمحاسبة، ثم كمدرسة، وبعد ذلك لم أجد فرصة عمل مناسبة وبقيت فى البيت إلا أننى فوجئت بأشقائى الذكور كل منهم يحاول التحكم فى دخولى وخروجى من البيت حتى الجلوس على النت رفضوا أن يكون لى بريد الكترونى أو صفحة على الفيس بوك إلا إذا أعطيتهم الرقم السرى لفتح الصفحة، وأمام ذلك قررت الاضراب عن الطعام وإجبار والدى على أن يكون له موقف واضح مما يفعله أشقائى لأننى حرة وطالما لم أتجاوز فى تصرفاتى فمن حقى أن أعيش كإنسان طبيعي، فكرنى أننى مكسورة الجناح فهذا خطأ لم أتحمله.

 كانت هذه قصص بعض الفتيات من مستويات اجتماعية مختلفة، ومراحل عمرية مختلفة، وبعد الاستماع لهن طرحنا القضية على المتخصصين والمهتمين بحقوق المرأة وعن هذه المعاناة تحدثت أ. وفاء المصرى الناشطة الحقوقية قائلة:- يعانى المجتمع الشرقى من انفصام فى الشخصية فهو يستخدم كل الوسائل التكنولوجية المتطورة دون أن يكون له دور فى إبداعها مما أصابه بجمود فى الفكر وعدم قدرة على التطوير. مما دعم ثقافة الانفصام فى سلوكياتنا، فمن الخارج متقدمون وعصريون لكن بداخلنا مازلنا متمسكين بكل التراكمات ومنها النظرة القديمة جداً للمرأة من أنها كائن ضعيف يحتاج طول الوقت لحماية حتى القفزات التى تحققت لها مثل حصولها على منصب وزيرة أو قاضية لم تكن تطوراً فى ثقافة مجتمع، لكنه كان يتعامل معها على أنها اختيار سياسى مفروض عليه، لذا اعتاد المجتمع تهميش المرأة والتقليل من شأن أى نجاح حققته، فالقرآن يؤكد أن الذكر والأنثى متساويان فى الثواب والعقاب، والله عندما يوجه خطابا يوجهه للإنسان سواء رجلاً أو امرأة، فالوصاية على المرأة وصاية مجتمع لم تفرضها أية أديان. وبالرغم من أننى أفضل دائماً أن تظل المرأة منتمية لمجتمعها متواجدة بداخله مقاومة لسلبياته إلا أننى أرى أن الإنسان إذا اختار أن يعيش لوحده فيجب ألا يعاقب على ذلك، وأن يتعلم المجتمع يحترم خصوصياته سواء رجلاً أو امرأة طالما لم يتجاوز السلوكيات والقيم التى ارتضاها المجتمع ككل.

 المجتمع الذكوري

 تتفق مع الرأى السابق د. مديحة الصفتى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية قائلة: لكل مجتمع مجموعة من القيم والعادات التى تحكم السلوكيات المقبولة وغير المقبولة، وإذا اتفقنا على أن المجتمع المصرى والعربى عموماً مازال مجتمعاً ذكورياً يرى أن المرأة دائماً بحاجة لرجل يحميها فإن ذلك يفسر الكثير من أشكال المعاناة التى قد تقابل المرأة غير المتوزجة أياً كان عمرها أو مكانتها، لكن يجب التأكيد على أن هناك درجة من الوعى الحقيقى لدى بعض المجتمعات أعطت المرأة الفرصة كى تعبر عن نفسها، وتثبت ذاتها، لكنها هى الأقل وسط النسبة الأكبر للمجتمع المصري، فالمرأة خاصة عندما تتجاوز سن الزواج وإن كنت أرى أنه لاتوجد سن معينة للزواج» تزداد الضغوط والقيود المفروضة عليها، وتصبح حياتها محصورة بين الخوف عليها من الناس، ومن كلام الناس وهذه طبيعة المجتمع الشرقي، وختمت حديثها مؤكدة على أنه يجب تطوير المناهج الدراسية حتى تتحسن النظرة المجتمعية ككل للمرأة التى تعيش بمفردها أو وسط أفراد عائلتها على أساس أنها كائن مساو للرجل فى الحقوق والواجبات.

 ظلم واضح للمرأة

 د. ليلى الموصلى أستاذ الأمراض النفسية بطب الأزهر ترى أن المرأة تتعرض طيلة حياتها للكثير من الضغوط النفسية بسبب كونها أنثي، حيث يعاملها الآخرون على أنها كائن ناقص للضغط عليها نفسيا، وهذا ظلم واضح للمرأة لأن الدراسات النفسية أثبتت أن الأنثى قادرة على التعايش بمفردها أكثر من الرجل حيث تستطيع تلبية كل احتياجاتها الشخصية، فلا تشعر بأى نقص عكس الرجل لذا فإن الست عندما تترمل لا تتعجل الزواج عكس الرجل الذى لا يستطيع إدارة شئون حياته.

 وأضافت: إن مشكلة المرأة لا تكمن فيها لكنها مشكلة سببها المجتمع المحيط وتساؤلاته لماذا لم تتزوج؟ لماذا فشلت فى زواجها؟ هل ستعيش بدون رجل؟ كل هذا يدخل المرأة فى حالة الاكتئاب النفسى والوساوس كرد فعل لسلوك المجتمع تجاها، فالمجتمع المحيط بالمرأة هو الذى يشكل عبئاً نفسياً عليها، وكلما كانت تعيش وسط مجتمع واع مثقف، كلما كانت حالتها النفسية طبيعية بلا أى ضغوط، ويجب التأكيد على أن الضغوط النفسية التى تمارس على المرأة فى الريف أكبر من المدينة وفى الأوساط الشعبية أكثر من الطبقات المتوسطة

المصدر: مجلة حواء -نجلاء ابوزيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 804 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,621,370

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز