التمييز بين الفتوة الشاذة والمألوفة

كتبت : أمل مبروك

الفضائيات الدينية وماأكثر من يتكلمون فيها ويظهرون على هذه الشاشات وغيرها فى البرامج وأيضا فى الصحف والمجلات .. يوجهون كلامهم لنا.. هذا سلفى وذاك إخوانى.. هذا وسطى وذاك متشدد، ووسط هذا وذاك تتطاير الفتاوى.. تتعارض وتتشابه، وأحيانا تشذ عن المألوف، فهل تعرفين ماهو المقصود بالشذوذ في الفتوى، أو ما هى الفتوى الشاذة؟ وهل الشذوذ مجرد خروج عن القواعد وليس مجرد انفراد عن آراء العلماء، فلو معه دليل مثلا لا يعد شذوذًا؟ وهل الفتوى التي ينظر إليها على أنها فتوى شاذة يمكن أن تتغير بتغير الحال، أو المكان،أو العرف، أو العادات؟ و هل الفتاوى الشاذة ترتبط بمن يتصدرون للفتوى بغير علم، أم أنها كذلك تصدر من إمام عالم أومجتهد ؟ 

الإجابة عن هذا السؤال المركب تأتينا من فضيلة د.على جمعة- مفتى الجمهورية - بأن المقصود بالشذوذ في الفتوى هو أن يصدر المفتي فتوى لاتقوم على أصل، أو لا تقع موقعها، فلم تكن مدعومة بالدليل الصحيح الذي يدل على الحكم الذي يريده، فتكون بذلك: شذت أي انفردت بطريق وحدها، وليست سائرة على النهج المستقيم الذي يسلكه العلماء، فهذا نسميه شذوذا ، مثل : "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، أي التي تشرد لوحدها عن القطيع .

ثانيا : هل يكون الانفراد المدعوم بالدليل شذوذا ؟

هناك من العلماء من انفرد بآراء لم يقلها العلماء الآخرون، ومن بينهم بعض الصحابة مثل ابن عباس الذى انفرد بآراء لم تصدر إلا منه، وكذلك ابن مسعود، ولما جاء الإمام مالك وكلفه أبو جعفر المنصور بتأليف "الموطأ، قال له: تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، وحتى الصحابة يمكن أن يشذ أحدهم برأي. والإمام أحمد له آراء انفرد بها، سموها المفردات، وهذا لم يضرالإمام أحمد؛ لأنه له أدلته التي يعتمد عليها.

ثالثا : هل الشذوذ أمر نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان؟

نعم، وهذا يحدث فعلاً، وفي التاريخ رأينا أقوالاً تعتبر في زمانها شاذة ، لأنها سبقت عصرها، ثم جاء زمن آخر فأقرها ومن أشهر الفتاوى التي اعتبرت شاذة في عصرها، ثم تم ترجيحها بعد ذلك فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، حول قضايا الأسرة والطلاق، مثل الطلاق الذي يراد به الحمل على شيء أو المنع منه، والطلاق الذي يراد به اليمين، والطلاق المعلق،والطلاق الثلاث بلفظة واحدة، والطلاق البدعي، وطلاق المرأة الحائض، أو المرأة التي مسها زوجها في هذا الطهر.

وهذه الفتاوى حوكم من أجلها ابن تيمية،وخالفه علماء عصره، واعتبروا أنه خرق الإجماع، ودخل من أجلها السجن، ومات في السجن بسببها ، لكن هذا القول الذي اعتبر شاذًا تبناه أكثرالعلماء في عصرنا، وتبنته لجان الفتوى، وتبنته قوانين الأحوال الشخصية في أكثر من بلد، واعتبر هو سبيل الإنقاذ، أو سفينة الإنقاذ للأسرة المسلمة؛ لأنه أحيانًا يعيش شخص مع أسرته في انسجام ومودة، لكن قد يغضب من زميل فى العمل أو ماشابه، فيصيح وهو فى حالة ثورة وهياج ويحلف بـ"الطلاق بالثلاثة" أنه سيعمل كذا أو كذا، فهل يرجع بيته ليجد امرأته قد طلقت منه بالثلاث ؟ أي طلاقًا بائنًا بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجًاغيره ؟ فجاء ابن تيمية ورفض هذا.

رابعا : هل الفتاوى الشاذة ترتبط بمن يتصدرون للفتوى بغير علم، أم أنها كذلك تصدر من إمام عالم أومجتهد؟

يمكن أن تصدر فتاوى شاذة من عالم مجتهد، لأن العالم المجتهد ليس معصومًا، ولكن هذه لا تسقط منزلة العالم، وابن تيمية قال إن العالم المكثر للفتاوى يمكن أن يقع في خطأ في فتويين أو أكثر وهذا مغمورٌ في بحر علمه، فإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث، ولكن بالنسبة للعالم المتمكن الذى يثق به الناس، لا نحكم عليه بالشذوذ بسهولة، فلابد أن نتأنى ونتوقف حينما نحكم على فتواه بالشذوذ {

 

المصدر: مجلة حواء- أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,698,562

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز