ماذا تختارون

نعيش معا كأخوة أم نموت معا كالأغبياء

بقلم :أمل مبروك

هل يمكن أن تستمر هذه الحالة المزرية من العنف كثيرا ؟ هل توجد نتيجة إيجابية واحدة تحققت من ورائه ؟ حالات التحرش والاغتصاب الجماعى لم تصب فتاة أو امرأة بالخوف .. لم تجلس بسببها واحدة فى منزلها، بل زادت الجميع إصرارا وتحديا على الخروج والعمل والتظاهر ورفض هذا النوع من العنف المقزز، وكل المظاهرات التى تخرج للتعبير عن رفضها للأوضاع السياسية الحالية وتبدأ سلمية ثم تنتهى بالتراشق بين المتظاهرين والأمن بالمولوتوف والقنابل المسيلة للدموع .. كلها لم تنجح إلا فى زيادة أعداد الشهداء والمصابين، ومحاولات قطع السكك الحديدية ومترو الأنفاق وغلق مجمع التحرير .. أساءت إلى جبهات المعارضة وأفقدتها تعاطف الغالبية العظمى من الشعب الذى يرزح تحت ضغوط الحياة اليومية ولايجد من يشعر بمعاناته سواء من السلطة الحاكمة أو المعارضة التى تسعى فقط لتحقيق انتصارات سياسية وهمية أو النخبة التى تتحدث دائما عن شعارات بعيدة عن أرض الواقع !

أشكال جديدة من العنف

إذا كان الأمر كذلك فما هو الداعى إذن لكل هذا العنف الذى أصبح يسود معظم محافظاتنا ؟ سؤال أوجهه لكل من شارك وساهم فى زرع العنف بيننا، وكل من يعتمد عليه لمعالجة ما يواجهه من تحديات وأزمات .. إن هؤلاء يعملون وفق قاعدة :"إذا كنت ترغب في معالجة مشكلتك فاخلق أخرى أكبر منها"، ورغم أن الرفض والاحتجاج حق إنسانى أصيل تقره كافة المواثيق الانسانية إلا أن ما لا يتقبله العقل هو أن يتم قتل الأبرياء بلا ذنب لهم سوى أنهم يحتجون، ومثل هذا السلوك لايساعد في إيصال وجهات النظر ولا يجعل الإنسان يعترف بالآخر، بل هو يساعد فى تباعد الناس وتناحرهم، كما أنه يمنح الآخر- الذى تم الاعتداء عليه - المشروعية لأن يبادر بفعل مثل ذات الفعل الذى مورس ضده باعتبار أنه كان في حالة دفاع عن النفس.

يمكن القول إن الثورة وما رافقها من انفلاتات شتى قد أفرزت أشكالا جديدة من العنف وبفاعلين جدد، فهو عنف أفراد ومجموعات متجانسة ومهيكلة حينا وغير متجانسة بل ولقيطة أحيانا أخرى، ولعل ما يجعله خطيرا هو كثرة المبررات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمكن أن يحتمى بها دعاة العنف فى سبيل تحقيق طموحاتهم فى القيادة . ولعل قوة هذه الدوافع وتشابكها هو الذى يجعل هؤلاء الأشخاص يستعملون كل الوسائل قصد الوصول إلى مبتغاهم دون أن يفرقوا فى لحظة الشعور بنشوة الطموح بين الأدوات المشروعة وغير المشروعة .

ماكينة الفساد

إن أغرب ما فى الثورة هو أنها لم تفرز عنفا ثوريا موجها ضد رموز الفساد قصد استئصالها، وبخلاف ما كان ينتظره البعض بدأت سلسلة التشكيك والانتقادات ليصل الأمر إلى حد القذف العلنى والدعوة الصريحة للقتل . كما تزامنت هذه الممارسات بتكثيف الإشاعات وترويجها فى عدد من الساحات الإعلامية فى محاولة واضحة لتأجيج الرأى العام وتحريك الشارع والدفع نحو مزيد من الإضرابات والإعتصامات وحتى العصيان المدنى، ولعل ما يقلق فى هذا النوع من العنف الممنهج هو تعدد الأطراف المعنية بممارسته والتى تضم جزءً من المعارضة المعادية لتيار الإسلام السياسى وعدد لا يستهان به من القيادات النقابية المحسوبة على اليسار وبعض الناشطين فى المجتمع المدنى وإعلاميين ورجال أعمال فاسدين إضافة إلى بقايا الحزب الوطنى المنحل

إن ممارسة هذا الشكل من العنف بهذه الحدة وهذا الاسترسال لا يمكن رده إلى مقتضيات التدافع السياسي فحسب وإلا لكان اقتصر على الأطراف السياسية دون غيرها ولاعتبر عندئذ ظاهرة صحية في سياق التجاذبات المعروفة بين السلطة وبقية الأحزاب السياسية المكونة للمشهد السياسي ولكن أن يصطف هؤلاء لتصيد الزلات و اللعب على التناقضات وحرق المؤسسات والمدارس وغيرها، فإن ذلك يبعث على استمرار " ماكينة " الفساد فى الدوران ويبقى رموز الأمس من بارونات المافيا وسماسرة السياسة في مواقعهم دونما حسيب أو رقيب، والأخطر هو تبنى سياسة قلب الطاولة أو هدم المعبد على من فيه بمعنى إدخال البلاد في فوضى قد تكون "خلاقة " فى حسبانهم وتؤدي إلى إفراز لاعبين جدد ولا يهم إن تعطلت مرافق الدولة وأحرقت مؤسساتها وتراجعت مؤشراتها التنموية ونزول ترتيبها المالى والاقتصادى إلى الحضيض .. وفى هذه الحالة سيموت الجميع : سلطة ومعارضة ونخبة والشعب أيضا بالطبع ! فهل هذه هى النتيجة المرجوة ؟ لاأعتقد ذلك، ولذا أرجو أن يتذكر الجميع مقولة المناضل الأمريكى مارتن لوثر كينج : "علينا أن نتعلم العيش معاً كأخوة أو الموت معا كالأغبياء"، فأيهما تختارون؟

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 346 مشاهدة
نشرت فى 18 فبراير 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,886,128

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز