بقلم : كريمة سويدان
أيام قليلة وتحل علينا ذكرى مرور "45" عاماً على خروج فكرة "عيد الحب المصرى" للنور، والذى يحييه المصريون – كل بطريقته الخاصة - فى الرابع من شهر نوفمبر من كل عام، وعلى مدى أكثر من أربعة عقود منذ أن أطلق الكاتب الصحفى مصطفى أمين فكرة تخصيص يوم فى مصر لعيد الحب، ولاقت الفكرة صدى فى المجتمع المصرى، رغم كل ما يعانيه الشعب المصرى الآن من حرب ضروس على الإرهاب، وحزن شديد على شهداء الوطن، وأزمات أخرى كثيرة طاحنة، إلا أنهم فى هذا اليوم بالذات يحاولون التمتع بروح التفاؤل، وأروع ما فى هذا اليوم أنه يذكرنا جميعاً بوجود عاطفة سامية جداً اسمها "الحب"، خاصة وأن الكثير منا يتخيل أن الحب لم يعد موجودا فى الواقع الذى نعيشه الآن، وأنه لا يوجد إلا فى الماضى، أيام الزمن الجميل، ولا أقصد بالحب هنا علاقة رجل وامرأة فقط وإنما أقصد جميع أنواع الحب الذى افتقدناه فى علاقات كثيرة، افتقدنا علاقة الأم بأبنائها، بعد أن تخلت عنهم وعن غريزة الأمومة لأى سبب ما، أيضاً علاقة الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، وما يشوبها من عقوق ونكران للجميل، وعلاقة الأشقاء بعضهم ببعض، والتى أضحت مبنية على المصالح لا العواطف والمحبة، وإذا كان المجتمع المصرى قد طرأ عليه بعض التغييرات السلبية بعد أحداث يناير "2011" ، إلا أن الحب قيمة عليا لا يدركها إلا ذوى العزم الأتقياء، وهو الملكة السماوية التى أمرنا الله بها، وزرعها فى قلوبنا، أما الكراهية فهى مرض قاتل ندعو الله عز وجل أن يعافينا منها، فالحب يوقف العداء والكراهية، وبالحب تتوقف الصراعات والكثير من القضايا فى المحاكم، مما يؤدى إلى تغير لون الحياة من اللون الأسود إلى اللون الوردى، ويعود من جديد التسامح والتراحم والعطاء بلا حدود، وعلى كل شخص أن يبدأ من نفسه دون انتظار الآخر بالتعبير عن الحب، مما يعيد الأخلاق، ويُظهر قوتنا الحقيقية، ونحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، إن عيد الحب ليس للمحبين فقط، وإنما هو عيد لجميع أفراد المجتمع، لذلك لا بد من تضافر المؤسسات المصرية المعنية - كالأزهر الشريف، والكنائس والنوادى - لانخراط الشباب داخل المجتمع، والبعد عن العنف والتطرف، إن الدولة المصرية من أقدم الدول تاريخياً، وأقدم حباً واحتراماً للمشاعر الإنسانية، لذلك لا بد من أن تنطلق رسالة الحب والإنسانية من مصر أولاً، خاصة وأن دول الغرب تُقٌدِر تاريخ المصريين، وتهتم اهتماماً كبيراً بكل ما يخص هذه الدولة، ولكننا وللأسف الشديد ليس لدينا القدرة الكافية لتسويق تاريخنا المصرى.. ويُحكى أن الملك الفارسى "أنوشيوان" قد أعلن عن جائزة قدرها "400" دينار لمن يقول كلمة طيبة، غير مسبوقة، ثم تجول فى أرجاء مملكته بصحبة حاشيته، فشاهد فلاحاً عجوزاً تخطى التسعين من عمره، يغرس شجرة زيتون، فسأله الملك متعجباً، هل تزرع شجرة لن تأكل منها، إذ تحتاج إلى عشرين عاماً حتى تُثمر، وأنت طاعن فى العمر، فقال الفلاح زرع السابقون وحصدنا، كذلك نزرع نحن ليحصد اللاحقون، فقال الملك هذه هى الكلمة الطيبة، وأمر له بأربعمائة دينار.. إن مصطفى أمين عندما أقر هذه الفكرة العظيمة، لم يكن يقصد الحب بين "الست والرجل"، ولكنه حث على الحب الإنسانى بين أفراد الأسرة، وحب الوطن، والوفاء للمدرس، فهو لم يكن يقصد عيد حب لتقديم الهدايا، ولكن عيد لتقديم هدية إنسانية للبشر.. وكل عيد حب ومصر كلها بخير..
ساحة النقاش