بقلم : إقبال بركة

قصة حياة كاتبتنا الراحلة الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ ١٩١٣ -١٩٩٨ )، كما سردتها فى مذكراتها تثير العجب .

كتبت د. عائشة: كان والدها أحد شيوخ المعهد الدينى فى دمياط وجدها أحد مشايخ الأزهر، ورغم ذلك رفض الوالد أن تذهب ابنته للمدرسة! أما الجد فكان يلقنها العلم ويحفظها القرآن الكريم فى البيت، ثم شجعها على استكمال دراستها حتى حصلت على شهادة كفاءة المعلمات ١٩٢٩ التى أهلتها للتعيين مدرسة بنفس المدرسة.  

هل أدرك ذلك الوالد الذى كان يعيق تعلم ابنته أنه كان يحجب نور شمس ستسطع على العالم العربى كله ?!

وكيف يكون الأب عالم دين ثم يغلق قلبه وأذنيه عن تضرع ابنته لاستكمال تعليمها، وهو الحافظ للقرآن والدارس للشريعة والفقه والسنة الشريفة؟! وقد أوكلت إليه الدولة تلقين النشأ أصول دينهم فى المعهد الدينى، فضلا عن امتلاكه مكتبة تضم أمهات الكتب?! كيف فعل ذلك وقد شاهد شغف ابنته الصغيرة بالتهام تلك الكتب، وهو الإمام لمسجد قريته والمعلم المتصوف الذى يلتف حوله طلاب علمه ومريدوه؟! كيف غاب عنه نبوغ ابنته وطاوعه قلبه أن يحرمها من متابعة دروسه، ويحجبها في البيت فى انتظار الزواج وهى بعد في العاشرة من عمرها?!!. كيف غفلت عيناه عن رؤية تفرد ابنته الذى لاحظه جدها وأمها ومعلماتها وكل من التقى بها  .?!

الحقيقة شغلتنى هذه الأسئلة أثناء قراءة كتاب "بنت الشاطئ" رحلة فى أمواج الحياة" للكاتبة الصحفية وفاء الغزالي عن سيرة الكاتبة الراحلة عائشة عبد الرحمن، لقد تبين للأب خطأه بعد أن وفقها الله وحصلت على الشهادة الابتدائية وانتصرت انتصارا باهرا فكان ترتيبها الأولى على القطر المصرى، ثم حازت نفس الجدارة فى امتحان الكفاءة، ثم ليسانس الآداب وأصبحت أستاذة في الجامعة، اضطرت الشابة النابهة عائشة إلى أن تراسل الصحف متخفية تحت لقب "بنت الشاطئ"، حتى لا تثير غضب والدها المتعصب، ووصل بها الأمر إلى أن عينت كاتبة في جريدة الأهرام، ولم تكتف عائشة بذلك، بل ألفت ونشرت العديد من الكتب، واشتبكت فى معارك أدبية مع كبار كتاب عصرها وأولهم العقاد والدكتور مصطفى محمود، بل تصدت للمستشرقين لتفند أخطائهم حول الإسلام، ونبهت لخطورة البهائية والماسونية، وغير ذلك من قضايا تشهد لمن يتابعها بنبوغ الكاتبة ووعيها وسطوع أفكارها.

الدليل الساطع على عدم رضاء الخالق عز وجل عن ذلك التعنت ضد الإناث والتسلط غير المبرر على حياتهن هو سيرة حياة كاتبتنا الفذة، فهى ما كادت تلتحق بالجامعة حتى خطت أولى خطواتها نحو السعادة والأمل، فقد رعاها الخالق وسدد خطاها لتلتقى برجل عظيم تعلقت به وأعجب بها، هو أستاذها الدكتور أمين الخولي الذى تزوجته وعاشت في كنفه وتحت رعايته وتمتعت بتشجيعه غير المشروط وأنجبا البنات والبنين، وتقول د. عائشة عن لقائهما الأول: "لقد انصرفت من درسه وأنا أحس أننى ولدت من جديد"، وهى لا تنسى تاريخ ذلك اليوم (السادس من نوفمبر عام ١٩٣٦)، الذى حفر فى ذاكرتها إلى آخر حياتها .

كنت أتمنى أن أقرأ المزيد عن تفاصيل العلاقة بين الأستاذ وتلميذته التى تحولت إلى علاقة بين زوجين و لكنها لم تفصح عنها .

إن سيرة حياة هذه الكاتبة الفذة ما هى إلا نموذج لمعاناة الفتاة المصرية في بداية القرن العشرين ومحاولاتها المستميتة لكى تلحق بما حظى به ذلك القرن من تقدم في كل المجالات، وينبغى على أبناء الجيل الحالى أن يتعرفوا إلى الجهود المضنية التى بذلتها جداتهم وأمهاتهم لكى يقطفوا هم فى نهاية الأمر ثمرات العلم والتقدم والحرية .

المصدر: بقلم : إقبال بركة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 612 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2020 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,873,596

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز