بقلـــم : د. داليا مجدي عبد الغني

 

كم كان قرار الرئيس السيسي بتعيين المرأة في النيابة العامة ومجلس الدولة من أعظم المكاسب والقرارات والحُقوق التي حصدتها المرأة على مدى القرن الماضي بأكمله، فهو بمثابة نقلة تاريخية في حياة كل امرأة، لأنه اعتراف صريح بما لا يدع مجالاً للشك بقُدراتها ومُقومات شخصيتها التي تُؤهلها لأن تكون قيادية في كل المجالات، فهي أصبحت تُناصف الرجل في كل الوظائف والمهن على التوازي.

ومن هنا أحب أن أنوه إلى أن المرأة ظل حقها مهضومًا على مر عُصور طويلة بسبب قناعات وثقافات وأعراف بالية، كانت هي وحدها التي تدفع ثمن ذلك الجهل الفكري، وتحصد نتائجه رغم أنها ليس لها يد فيه، ففكرة المُجتمع الذكوري كانت تقف لها بالمرصاد لتضعها دائمًا في مصاف الصفوف الأخيرة، وكأنها من التابعين أو الكُومبارس الذي لا مكان له بين نجوم الصف الأول، وهذه التصرفات كانت تنال منها، وتُهْدر كرامتها، وتُضعف شخصيتها حتى بين أقرب المُقربين منها.

والحقيقة التي لا يعلمها الكثيرون أن المرأة عملت في القضاء منذ العُصور القديمة، بل إنها تولت أعلى وأرفع المناصب القضائية في مصر القديمة، فأول قاضية في مصر كانت تدعى "نبت" وهي حماة الملك "تيتي" من أشهر مُلوك مصر الفرعونية، وله هرم في "سقارة"، وهي كانت أول وزيرة عدل عرفها العالم، وجاء عملها كقاضية تحقيقًا لأسطورة فرعونية شاعت حينذاك هي أسطورة الإلهة "ماعت"، وهي ربّة العدالة الأسطورية، ومن ضمن ألقابها "العدالة" و"النظام"، و"التوازن الكوني"، وهو ما يُشير إلى أن المصري القديم اعترف بأن وجود المرأة يُرادف توازن الكون وسيادة الأمن والسلام. فـ"نبت" كانت ترأس المحكمة وقراراتها كانت نافذة، وتصدر وفقًا لبنود "قانون العدالة" المعمول بها للفصل في المُنازعات والمُعاملات التجارية، ومنها قضايا التركة والميراث، والعقارات، والبيع، والشراء، وهذا يدل على مدى احترام مصر الفرعونية القديمة لدور المرأة ومكانتها وعقليتها.

أما إذا تطرقنا إلى الإسلام الذي يتذرع به البعض كذريعة لرفض عمل المرأة في القضاء أو بعض الهيئات القضائية، فهذا مردود عليه بأنه في عهد "الخليفة عمر بن الخطاب" تم تعيين أول قاضية في الإسلام، وهي "ليلى بنت عبد الله العدوية القُرشية"، التي لُقبت بـ"الشفاء" وقد لُقبت بهذا اللقب لأنها كانت تُداوي المرضى قبل الإسلام، وكانت من أوائل من اعتنقوا الإسلام، وكانت تخرج مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزواته لتُداوي الجرحى، لأنها تخصصت في مُعالجة الأبدان، وكان "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه يثق برأيها، حتى أنه ولاها على نظام الحسبة في السوق وجعلها تفصل في المُنازعات التجارية والمالية، أي بمثابة قاضي في الدوائر التجارية حاليًا.

أما على مستوى العالم العربي فإن "إنصاف البرعي" هي أول امرأة في العالم العربي تتقلد منصب قاضية، بعد أن تقدمت عام 1958م بطلب إلى مجلس القضاء الأعلى لتعيينها كقاضية في الجمهورية العربية المُتحدة، وقد وافق المجلس على تعيينها في محاكم الأحداث في سوريا في ذات العام.

وعليه، فمنصب القضاء ليس بجديد على المرأة، سواء المصرية أو العربية، ولكن بعض الأفكار المُظلمة هي التي تعاملت مع الأمر على أنه بِدْعة وخُرافة، ولكن أتى قرار فخامة الرئيس "عبد الفتاح السيسي" ليُزيح الستار عن قُدرات المرأة، ويُظهر صُمودها أمام العالم كله ليُعيد إليها كرامتها، ويُجلي صلابتها، ويرفع الظلم عنها بإصدار أعظم قرار في حياتها على الإطلاق.

المصدر: بقلـــم : د. داليا مجدي عبد الغني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 339 مشاهدة
نشرت فى 19 أغسطس 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,819,817

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز