تقرير: محمد الشريف

منذ أن وهبها الله الحياة عرفت بقوتها وشجاعتها، فعبر العصور المختلفة تركت بصماتها المضيئة في العديد من المجالات، وكانت لشخصيتها الصلدة وإرادتها الصلبة دورهما البارز في المظاهرات التى خرجت فيها تطالب بحريتها والمساواة مع نصفها الآخر معلنة رفضها لمن يقلل من حقوقها أو يجعلها فى معزل عن الحياة لتكون عبر الأزمنة القوة الناعمة للثورات.

إنها المرأة المصرية التى نسترجع دورها أثناء ثورة الثلاثين من يونيو فى ذكراها الثامنة، وكيف بددت ظلمات الجماعة وأحبطت مكائدهم وأفسدت مخططاتهم لتسطر فى سجل التاريخ حكاية نضال ضد الإخوان..

تعمد اتباع الجماعة الإرهابية منذ يومهم الأول لحكم البلاد تقليص دور المرأة والتبرير لأشكال العنف ضدها فكمموا الأفواه وطمسوا التاريخ والهوية واغتالوا الحقوق، كما دعموا التحرش بدلا من التصدي له فحملوا المرأة مسئولية تعرضها للتعديات التى تمارس ضدها في الشوارع عندما تقدمت إحدى النائبات الإخوانيات طلبا بإلغاء بعض القوانين الخاصة بالتحرش الجنسي وإلقاء التهم على المرأة كونها الجاني والمسئول الأول عن إثارة الرجل واستفزازه لتتحول من مجني عليه إلى جاني.

ظهرت أشكال العنف ضد المرأة من قبل الجماعة فى العديد من المواقف التى جعلت منها "عورة.. متعة.. ودروع بشرية"، إلا أن عداوتهم لها تجلت خلال المسيرات السلمية التى قادتها لمناهضتهم والتي شهدت وقوع حالات تحرش جنسي جماعية ممنهجة بهدف إقصائها عن المشاركة في الحياة العامة وحرمانها من حقها في التظاهر السلمى، كما تعرضت كذلك لإسكات صوتها وخير شاهد على ذلك الواقعة المؤلمة التي حدثت ضد المناضلة الراحلة شاهندة مقلد خلال إحدى التظاهرات أمام قصر الاتحادية اعتراضا على الإعلان الدستورى عندما وقفت هاتفة "ليسقط الإعلان الدستورى" فقام أحد أتباع المعزول بشكل مخز بتكميم فمها.

"القومى للمرأة" بالمرصاد 

تعدد انتهاكات الجماعة لحقوق النساء دفع المجلس القومي للمرأة لإعداد مشروع قانون متكامل للتصدي لكل أشكال العنف ضدهن إلا أنه تم عرقلته من قبل الجماعة، فضلا عن إطلاق مؤسسة الرئاسة الإخوانية آنذاك مبادرة بعنوان "دعم حقوق وحريات المرأة المصرية" والتي استهدفت الانقضاض على دور المجلس القومى للمرأة وإنشاء كيان مواز له لمحو تاريخه النضالي والعمل على تشويهه، كما تعمدت الجماعة عرقلة وثيقة نبذ العنف الصادرة عن اجتماع الأمم المتحدة للجنة المرأة الدورة 57 والتى وقعت عليها السفيرة ميرفت التلاوى، رئيس المجلس آنذاك بادعاء أنها ضد الشريعة الإسلامية.

تهميش وإقصاء

كان تهميش المرأة في الجمعية التأسيسية لدستور 2012 الواقعة الأبرز التى انطلقت منها الحركات النسائية المصرية لمناهضة حكم الإخوان فمنذ بداية تشكيل الجمعيتين التأسيسيتين لوضع دستور البلاد، تم تمثيل 7 سيدات من إجمالي 100 عضوا، ليس ذلك فحسب بل تلاه خروج مشروع قانون الانتخاب خاليا من رغبة حقيقية في مشاركة المرأة في البرلمان وتعمد إقصائها عن الانتخابات، حيث أطلق على المنتسبات بالجماعة "الأخوات" ليقصر عملهن على الجانب الدعوي فقط، أما على الصعيد السياسي فليس للمرأة أي دور أو تمثيل فعال يذكر، وأصبحت ممثلة في البرلمان بعدد ضئيل لا يعكس طموحاتها ولا يتم مناقشة قضاياها التي تلبى طموحاتها.

طمس التاريخ واغتيال الحقوق

لم يقف تهميش الجماعة للمرأة عند هذا الحد بل استكملت خطتها فى اغتيال حقوقها من خلال التيارات التابعة لها داخل البرلمان والتي سعت لتعديل قوانين الأحوال الشخصية بصورة تنتقص من حقوقها التي حصلت عليها بعد كفاح دام لعقود طويلة، فيما يتعلق بالخلع، وخفض سن الحضانة من 15 إلى 7 سنوات، ومطالبات بخفض سن الزواج، كما ظهرت دعاوى لإجراء ختان الإناث بالمجان ببعض القرى.

حتى التاريخ الذي لا يستطيع أحد نكرانه استطاعت الجماعة تحريفه من خلال طمس تاريخ نضال المرأة المصرية من المناهج الدراسية، حيث قامت وزارة التربية والتعليم آنذاك بحذف دور الرؤساء السابقين من منهج الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادي (الفصل الدراسي الثاني) بالإضافة إلى عدم تدريس مراحل تطور الحياة الحزبية، ودور المرأة ومنظمات المجتمع المدني، وتكريس التمييز ضد المرأة في مناهج التعليم.

الشرارة الأولى

كل هذه التعديات والانتهاكات الصارخة كانت بمثابة الشرارة التى ألهبت نيران الثورة لتبدأ سلسلة من المسيرات والتظاهرات المنددة بحكم الإخوان، حيث نظمت الحركة النسائيّة المصرية وعدد من الأحزاب مظاهرات ضخمة أمام مجلس الشورى هتفن خلالها ضد المرشد محمد بديع، واستمرارا لرفضها تقليص دورها وطمس تاريخها والنيل من حقوقها كانت وقفة ميدان التحرير في 25 ديسمبر التى تظاهرت خلالها مجموعة من الفتيات والسيدات بعد قصهن أشعارهن.

وتحت شعار "ضد التحرش.. بنات مصر.. خط أحمر" انطلقت عدد من المبادرات لحماية المرأة من التحرش مطالبة بقانون يعاقب المتحرشين ويحمى المرأة من فتاوى شيوخ السلفية المتطرفة ضد غير المحجبة - المتبرجة حسب وصفهم-.

إرهاصات ما قبل الجلاء

بالتزامن مع ذكرى مرور عام على تولى الجماعة الحكم اشتدت ضراوة انتفاضة المرأة ضد انقضاض الجماعة على حقوقها واغتيال مكتسباتها، ففى الثامن والعشرين من يونيو لعام 2013 خرجت مسيرات نسائية كبيرة شملت العديد من المحافظات شاركت خلالها مئات النساء والتى كانت تمهيدا للإعلان عن "يوم جلاء" الجماعة عن عرش مصر، فمن منطقة شبرا الشعبية خرجت المسيرة النسائية التى أحاطها الشباب من جميع الجهات بالحبال منعا للتحرش بالمتظاهرات اللائى رفعن صور مرسي وهو مشطوب على وجهه بعلامة "إكس"، كما رفعن شعار "ارحل"، ومرت المسيرة بميدان أحمد حلمي ثم بشارعي رمسيس و26 يوليو لتنضم إلى مظاهرة ميدان التحرير الذي امتلأ عن آخره، وتصدرت العديد من مشاهد النساء القائدات للمسيرات والهتافات عناوين الصحف، فذكرت صحيفة الوطن فى صفحتها الأولى "نساء بورسعيد في ليالي العصيان"، "سنخرج مرسي كما أخرجنا الاستعمار".

ثورة غير كل الثورات

رغم أن ثورة الثلاثين من يونيو لم تكن الأولى التى تشارك فيها المرأة إلا أن عدة مشاهد تميزها عن غيرها وتجعلها من أعظم الثورات السلمية التى مرت على تاريخ مصر:

- الوطنية مش بالعمر: حيث شاركت المرأة بمختلف أعمارها بداية من الأطفال حتى الفتيات والشابات وكبار السن وذلك مقارنة بثورات أخرى اقتصرت على مشاركة الشابات، وخرجت النساء ليعلن أن الوطنية ليست بالعمر وأن كبر السن أو صغره ليس مقياسا للمشاركة.

 - فنانات وبسيطات: ارتبطت مشاركة الفنانات فى الثورة بأذهان البعض كإلهام شاهين ويسرا ودلال عبد العزيز ونادية الجندى وغيرهن، لكن كان هناك تمثيل لكل طبقات المجتمع وفئاته، حيث خرجت المرأة البسيطة مرتدية العباءة المصرية لتعلن رفضها لحكم الإخوان، كما خرجت أيضا الكاتبات والعاملات وسيدات الأعمال وغيرهن الكثيرات إلى ميدان التحرير ليعدن إلى الأذهان مشهد النساء فى ثورة 1919.

- حزب الكنبة: مصطلح إعلامى أطلق على النساء اللائى لم يستطعن الذهاب إلى الميادين إلا أن وطنيتهن دفعتهن للمشاركة فى الثورة من شرفات المنازل من خلال التلويح بالأعلام، كما اصطحبت الكثيرات "الكنبة" وجلسن عليها أمام البيوت ليعلن عن أنفسهن وحنقهن على حكم الإخوان.

 

 - حماية ذاتية: تعرضت الكثير من الفتيات والسيدات خلال المظاهرات التى انطلقت أثناء حكم الإخوان للمضايقات وبعض التحرش جعل المنظمات الحقوقية وقتها وبعض الحركات ومنها "أنا مش هسكت على التحرش" تهتم بحماية المشاركات في ثورة 30 يونيو حيث كونت تلك المنظمات مجموعات للحفاظ على الفتيات والنساء اللاتى شاركن فى المظاهرات من خلال عدة حملات نظموها فى بعض المحافظات للتوعية المجتمعية لمنع التحرش وكيفية حماية الفتاة لنفسها.

المصدر: تقرير: محمد الشريف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 298 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2023 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,832,528

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز