ابتـسام أشـرف

في الوقت الذى يتحدث فيه الجميع عن مخاطر استخدام السوشيال ميديا وما يقدم عبر صفحاتها ومواقعها من محتويات تتنافى مع الأداب العامة يبرز إلينا بصيص من الأمل وشعاع من النور، شباب يقدمون محتويات هادفة يروجون من خلالها للأماكن السياحي ويقدمون فقرات توعوية مختلفة ليشكلوا قدوة على التيك توك وغيره من مواقع الفيديو..

الترويج للسياحة الداخلية أصبح بالنسبة لمدونة السفر منى عبدالرحيم، رسالة وليس مجرد هواية، فهي تستغل منصات التواصل الاجتماعي في عرض أماكن سياحية داخل مصر لا يعرفها كثير من الناس، مثل شواطئ مرسى مطروح النقية وواحات سيوه الهادئة، الصور والفيديوهات التي تنشرها تثير الدهشة وتفتح شهية المتابعين لاستكشاف بلدهم، وفي نفس الوقت تدعم المجتمعات المحلية من خلال تشجيع السياحة الاقتصادية والطبيعية.

أما التعلم عن بعد فيمثل فرصة ذهبية بالنسبة لأحمد مصطفى، معلم اللغة الإنجليزية عبر الانترنت، حيث وفرت له السوشيال ميديا مساحة للوصول إلى طلاب من مختلف الدول وهو في مكتبه بالمنزل، يقدم حصصًا تفاعلية مدعومة بفيديوهات وألعاب تعليمية تجعل التعلم ممتعًا وسلسًا، ما يساعده على كسر حاجز المسافة وتوفير الوقت والمجهود، وخلق جسر تواصل حقيقي بينه وبين المتعلمين في أي مكان.

بينما شكل المحتوى الثقافي شغفا لسارة يوسف، التي تستخدم السوشيال ميديا لنشر معلومات تاريخية وقصص عن شخصيات عربية ملهمة بأسلوب بسيط وألوان جذابة تشجع الناس على المتابعة، رسائل المتابعين التي تعبر عن تغير نظرتهم للتاريخ وتحولهم من الملل إلى الشغف هي أكبر دافع لها للاستمرار وتطوير المحتوى، مما يؤكد أن الثقافة إذا قُدمت بأسلوب معاصر تصل إلى قلوب الناس.

أما محمد رأفت فقد اتخذ من التصوير السياحي وسيلة لفتح أعين الناس على جمال الطبيعة المصرية، حيث ينشر صورًا لأماكن اقتصادية وخلابة بمصر مثل بحيرات الفيوم وقرى النوبة، ما يجعل المتابعين يكتشفون كنوزًا سياحية قريبة منهم، فهو يؤمن أن الصورة القوية على وسائل التواصل يمكن أن تكون إعلانًا غير مباشر يدعم السياحة الداخلية بشكل أكبر من الحملات التقليدية.

كما يمثل المحتوى التوعوي هدفا للصيدلانية دينا فؤاد، صانعة المحتوى التي تخصصت في تقديم فيديوهات قصيرة عن الإسعافات الأولية وصحة الأسرة بأسلوب عملي واضح، تفرح كثيرًا حين تسمع من متابعيها أنهم طبقوا ما شاهدوه في مواقف طارئة، وأن هذه المعلومات ساعدت في إنقاذ حياة شخص، الأمر الذى يجعلها مقتنعة أن المحتوى الهادف قد يكون له تأثير مباشر وملموس على المجتمع.

"فقاعات التصفية" خطر يجب الحذر منه 

توضح د. عزة فتحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن محركات البحث على الانترنت وخوارزمياتها أصبحت تشكل ما يعرف بـ"فقاعات التصفية"، وهي حالة يحصل فيها المستخدم بشكل متزايد على معلومات تؤكد معتقداته السابقة فقط، هذه الخوارزميات تعتمد على كم هائل من البيانات الشخصية، مثل سجل البحث والتصفح، والموقع الجغرافي، وعادات المشاهدة، وحتى اهتمامات شبكتك الاجتماعية، لتخصيص النتائج التي تراها عند البحث.

وتشير د. عزة إلى أن هذه العملية رغم أنها قد تبدو مفيدة في تقديم معلومات ذات صلة، إلا أنها تخلق دائرة مغلقة من المحتوى، حيث يصبح من الصعب على المستخدم الوصول إلى وجهات نظر أو معلومات مخالفة لما اعتاد عليه، و الأخطر أن هذه الفلاتر غير مرئية، ما يعني أن معظم الأشخاص لا يدركون أصلًا أن عملية التصفية قائمة، فضلًا عن صعوبة التحكم فيها بسبب تعقيد الخوارزميات.

وتضيف: سلوكك على الانترنت لا يؤثر فقط على نتائجك، بل أيضًا ميول واهتمامات من هم في دائرتك الاجتماعية، مما يعزز من تضييق نطاق المعلومات، هذا الأمر قد يكون مفيدًا في بعض الأحيان، لكنه يصبح خطيرًا إذا كانت التوجهات المفلترة تميل نحو معلومات مغلوطة أو مضللة.

وترى د. عزة أن هناك عقدًا اجتماعيًا بين الحكومة والمواطن يجعل على عاتق الحكومة مسئولية وضع حدود لحمايته، حتى من نفسه، ووضع إطار مجتمعي واضح، من خلال تبني الدولة لاستراتيجية فكرية أو أيديولوجية توزع رسائلها على جميع المؤسسات، بحيث تلتقي عند نقطة واحدة مع المواطن.

سلاح ذو حدين

تقول د. آمال إبراهيم، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية ورئيسة مجلس الأسرة العربية للتنمية: إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سلاحًا ذي حدين، فهي قادرة على فتح آفاق واسعة للتعلم وبناء الفرص، وفي الوقت نفسه قد تتحول إلى أداة تستنزف الوقت وتؤثر على المشاعر والصورة الذاتية للمستخدمين، فالمشكلة ليست في المنصة ذاتها، بل في طريقة الاستخدام، لذا من المهم أن يحدد الفرد هدفه قبل الدخول لأي تطبيق، سواء للتعلم أو الترفيه أو التواصل، حتى لا يجد نفسه يمرر الشاشة ساعات طويلة دون وعي، فالوقت هو رأس مال الإنسان ولا يجب أن يتبخر أمام شاشة لا تراه.

وتشير د. أمال إلى أن دراسات علم النفس، ومنها أبحاث جان توينج، تؤكد أن الاستخدام المفرط للسوشيال ميديا مرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين المراهقين والشباب، بسبب المقارنة المستمرة بالآخرين والسعي وراء القبول عبر الإعجابات والتعليقات، مؤكدة أن ما يُعرض على هذه المنصات ليس الواقع، بل نسخة منتقاة ومفلترة من حياة الآخرين.

وشددت على أهمية الانتباه للمحتوى الذي يتم متابعته، بحيث يكون محفزًا وملهمًا ويضيف للقيم والمهارات، مع تجنب الحسابات التي تبث طاقة سلبية أو تدفع للمقارنة المرهقة، فضلًا عن ضرورة حماية الخصوصية وعدم نشر الموقع الجغرافي أو مشاركة البيانات الشخصية إلا للضرورة القصوى، تجنبًا لأي استغلال محتمل.

المصدر: ابتسام أشرف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 26 أغسطس 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

27,098,216

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز