الإنهزامية الذاتية
كتبت :نبيلة حافظ
إلي كل نفس مهمومة ومتعبة تبحث عن ملجأ آمن لتلقي فيه بأدق أسرارها .. إلي من يبحث عن مكان للراحة والهدوء النفسي، يتوقف فيه ليتأمل ذاته ويراجع خطواته ويواجه أخطاءه .. نقدم استراحة نفسية لننفض عن النفس همومها ومتاعبها .. فإذا كانت لديك مشكلة نفسية تحيرك .. أرسليها لنا .. نحن في إنتظارك
من الصعب الاحاطة بكل خبايا النفس البشرية.. لأنها شديدة التعقيد فى بنائها وتكوينها.. شديدة الاعوجاج فى دهاليزها.. ظاهرها غير باطنها.. سطحها هو انعكاس خاطىء لقاعها.. وقاعها بعيد الأغوار مظلم معتم فى معظم جنباته يتوه فيه الباحث عن الحقيقة والمفتش عن الأسرار.
والغوص فى أغوار النفس البشرية يحتاج إلى مهارة الاحساس ورقة الشعور.. وأمام حالة مثل هذه التى نتناولها اليوم نقف حائرين عاجزين عن توصيفها.. ولكن لابد من فحصها ومحاولة فك طلاسمها!!
والإنسان الطبيعى بفطرته يتفادى كل صنوف الألم النفسى والجسدى ويتجه بتلقائية إلى كل ما هو محبب للنفس والجسد ليجلب لذاته المادية والمعنوية الراحة والنشوة والسعادة.
ولكن هناك من يمشون عكس الاتجاه.. بمعنى أنهم يبحثون عن الألم ويخلصون فى السعى من أجله.. والغريب أنهم يشعرون أن فى الألم مصدر نشوتهم وسرورهم.. هذه حقيقة مؤكدة تتضح فى بعض الحالات المرضية فى علم النفس.
وحالة اليوم لشاب فى العقد الثالث من عمره.. يصف حالته غير الطبيعية بميله الشديد إلى استفزاز الآخرين لكى يسيئوا معاملته وذلك عن طريق فعل أشياء سيئة شريرة تجعله يحقق أهدافه.. وإذا مرت الحياة عليه بسلام وهدوء فى علاقاته يساوره القلق والضجر.. والمشكلة تنعقد أكثر إذا صادف احتراما وتقديرا ممن حوله.. وقتها تتبرم نفسه ويحاول التشكيك فى صدق نوايا الآخرين ويحول الترحيب إلى سخرية والاستحسان إلى استهزاء عن طريق الصدام معهم وتصعيد الأمور حتى ينقلب عليه الآخرون ويوجهون له فعلا الإساءة وساعتها تهدأ نفسه ويشعر باللذة والسعادة.. وكذلك يصطنع المواقف التى تضعه فى موقف محرج ومهين لا يتناسب مع سنه أو مكانته أو ثقافته.!!
هكذا كان توصيف حالة اليوم.. ونحن نتساءل: أى مشكلة نفسية يعانى منها هذا الإنسان؟ ما سر هذا الاعوجاج الخطير الذى أصاب ذلك النفس؟ وما معنى أن يبحث الإنسان عن الذل والمهانة بدلا من الاحترام والرفعة؟!
- ونحن نقول أننا أمام سمات شخصية معينة تحمل عرض لمرض لم يظهر بعد ولم يتحرك إلى السطح.. وبالتالى تكون تلك المظاهر الغريبة.
علم النفس توقف أمام سمات هذه الشخصية وأسماها «الانهزامية الذاتية».. أى التى تسعى لهزيمة ذاتها وتهرب من كل فرصة تحقق منها سعادة أو نجاحا.. بل إنها تبحث عن المواقف والعلاقات التى تجلب لها عذابا وتعاسة.. وهذه الشخصية لها قدرات غريبة فى التأثير على المحيطين بها والمقربين إليها لكى يشعرون بالاحباط وأيضا بالغضب لأنه لا يبدى أى رضا أو سعادة بما يفعلونه من أجله لارضائه.. فهو لديه حالة سخط دائم للتقليل من جهد الآخرين واتهامهم بالتقصير.
وهذا الخلل النفسى مكتسب بفعل أحداث جليلة مرت على صاحبها فى طفولته وحفرت آثارها السلبية فى داخله وعطلت نموه ونضجه النفسى فظل ثابتا عند مراحل أولية فى النمو النفسى تتسم بارتباط الألم بالسعادة والمهانة بالرضا والقبول؟
إن طب النفس لم يقف حائرا فى علاج هذه الحالات.. وأوجد لها علاجات نفسية فى شكل مطمئنات يوصفها الطبيب النفسى وتأتى بنتائج جيدة بعد فترة قصيرة من العلاج!!
ساحة النقاش