عملاق الفكر عباس محمود العقاد
فى أضخم تمثال
من البرونز بأسوان
كتبت :صلاح بيصار
يعدعام 1889 عاما تاريخياً بكل المقاييس فقد شهد مولد العديد من الكبار في الفكر والفن والسياسة والأدب في مصر والعالم العربي .. منهم الزعيم الهندي نهرو والألماني هتلر والممثل شارلي شابلن ومن مصر الكاتب الساخر ابراهيم عبدالقادر المازني وعميد الأدب العربي طه حسين والمؤرخ عبدالرحمن الرافعي ومع كل هؤلاء ولد عملاق الفكر الأديب والمفكر والشاعر والصحفي الكاتب عباس محمود العقاد في نفس العام وقد رحل عن عالمنا عام 1964 بعد أن ترك ثروة فكرية وأدبية مع الشعر والرواية ll
فهو صاحب العبقريات التى امتدت فى مئات الصفحات من عبقرية محمد وعبقرية المسيح وعبقرية عمر مع تراجم السير الأخرى مثل سعد زغلول زعيم الأمة وهو مبدع الرواية الشهيرة «سارة» كما أنه أسس بالتعاون مع ابراهيم المازنى وعبدالرحمن شكرى مدرسة الديوان وكان من أنصار التجديد فى الشعر والخروج على القالب التقليدى.
ولقيمة العقاد الكبرى والذى يعد من رواد التنوير فى الفكر المصرى الحديث جاء تمثاله الذى شكله الفنان المثال عبدالعزيز صعب.. وهو تمثال صرحى ضخم تمت اقامته فى مسقط رأسه .. مسقط رأس العقاد حيث ولد ونشأ فى طفولته الأولى .. والتمثال تم تنفيذه وسباكته بخبرة المثال د. السيد عبده سليم أستاذ النحت .. والذى يقول : هو أضخم تمثال تم تشكيله من خامة البرونز فى مصر بامتداد أقاليمها .. ويصل وزنه إلى ستة آلاف كيلوجرام ومكون من سبيكة من النحاس الأصفر ومعادن أخرى من الزنك والألمنيوم وتم تنفيذه فى تسعة أشهر وارتفاعه يمتد فى ستة أمتار بارتفاع أكثر من طابقين ومحيط قاعدته ستة امتار وقد تم نقله عن طريق تريللا ضخمة إلى أسوان .
بين صعب وسليم
والفنان عبدالعزيز صعب مثال درس فن النحت بإيطاليا وقام بالتدريس .. فدرس فن الميدالية والتمثال بكلية الفنون التطبيقية وله بصمة فى فن البورتريه «التماثيل الشخصية» والتى تمتد من التماثيل النصفية الى التماثيل الكاملة وتتميز أعماله باللمسة التأثيرية التى تبدو فيها الكتلة عبارة عن ضربات ولمسات قصيرة مسكونة بثراء المستويات البارزة والغائرة .. مما يجعل الضوء يتجاوب ويتحاور فيها فتبدو مشتعلة بالضوء تكاد تتحرك على ثقلها من فرط الحيوية ولصعب العديد من الأعمال النحتية الشهيرة من بينها تمثاله لأديب نوبل نجيب محفوظ وهو تمثال كامل يبدو فيه جالسا .. بحياة تتوقد بالسحر والذى يكاد يقفز من فرط التوثب .. وأيضا تمثاله النصفى للفنانة فاتن حمامة والذى يبدو سابحاً فى النور والاشراق ورهافة شخصية سيدة الشاشة العربية.. وتمثاله النصفى للموسيقار محمد عبدالوهاب والذى جسده فى شبابه يذكرنا بفيلم «انتصار الشباب».. كما جسد تمثالاً للأديب د. يوسف ادريس بملامحه التى تشع بقوة الشخصية وحكمة الأدب والفكر.
ويعد تمثال عبدالعزيز صعب «عباس العقاد» أجمل تماثيله وأكثرها شموخاً وجلالا فى تجسيد الشخصية .. يتميز بالصرحية وفيه يقف العقاد حاملا الكتاب والذى طالما ملأ سطوره بالفكر والابداع واقفا فى قوة بملامح من الليونة والصراحة تجمع بين الانسانية والحدة.. حدة الذكاء وحدة الشخصية من أجل الحق وقد جسده صعب فى انسيابية.. يرتدى ملابس مهيبة تناسب شخصيته من بالطو طويل وجاكيت وصديرى .
ولقد كان للفنان السيد عبده سليم دورا كبيرا فى اخراج هذا التمثال الضخم إلى النور بهذا الحجم وهذا الحيز الذى تقتحم فيه الكتلة الفراغ وتفرض سطوتها عليه بقوة الشخصية .. ومن هنا استغرق فترة طويلة فى الصب والسبك والصقل.. كل هذا مما يجعلنا نفتخر بالعقاد فى هذا التمثال الذى يوازى شخصيته فى الحياة ويتحاور معها وقد خلده مع الزمن .
النحت التعبيري
وسليم مع قدراته فى صب التماثيل العملاقة.. له عالمه الفريد فى النحت التعبيرى الذى جسد من خلاله مساحة خاصة تفيض بسحر الاسطورة المصرية وتعكس لآفاق كونية مما يجعل أعماله تتحاور مع الزمن وتلتقى بالحاضر والتاريخ وما أجمل منحوتته آدم وحواء التى يتوحد فيها ثنائى الانسانية فى كتلة تنم عن معنى التوحد ومعنى الخروج إلى الحياة وقد جعل فى تعبير كل منهما تساؤلا وحيرة ورغبة وتوجس وخوف .. تعكس لتلك الرحلة التى يعيشها الرجل والمرأة فى الزمن...
تحية إلى العقاد عملاقا فى الفكر والأدب والإنسانية وإلى اثنين من مثالينا جسدا شخصيته بلمسة الفن والخلود.o
سحر البيئة فى عالم الفنان عادل ثابت بمتحفه الخاص
سحر خاص تتميز به أعمال الفنان والناقد عادل ثابت .. سحر ينقلنا فيه دنيا من التعبير يستمد قوامها من روح جنوب مصر .. خاصة وهو ينتمى لمدينة اسيوط .. ففى أعماله التصويرية العديدة نلتقى مع التألق اللونى وحركة الحياة المسكونة بالروح الشعبية.. حيث نطالع عازف الربابة يغنى للنيل والنخيل والثورة على خلفية من المآذن ذات الطابع الزخرفى الموشاه بالنقوش والقمر فى هيئة هلال نحيف يتحاور مع تلك الاشكال القوسية من الآهلة والنجوم .
وتبدو لوحته «فتاتان وهرم» صورة يتحاور فيها الحاضر والماضى .. الجمال وأناقة التعبير الممثل فى حوار مع الهرم رمز الثبات والشموخ وقوة الحضارة الفرعونية.. كما تتنوع أعمال الفنان من الطبيعة الصامتة التى تتمد فى عناصر من البيئة المصرية مثل وابور الجاز والأوعية الفخارية والقلل الشعبية.. هذا مع صور البحر والمراكب الشراعية.. وحيوية الطبيعة المصرية .
والفنان الناقد يفتتح متحفه الخاص والذى يضم مجموعة من أعماله انتاج السنوات الثلاث الاخيرة حتى عامنا الحالى وذلك بقاعة شاديكور بمصر الجديدة.. حتى يتمكن الجمهور من محبى فنه من تذوق أعماله الحديثة.. والمتحف يفتتح فى مثل هذا الوقت من كل عام ويستمر لمدة أربعة أشهر «فصل الصيف» .. والزيارة مجانية.. وهو يضم ثلاثين لوحة تتنوع بين المساحات المتسعة الضخمة والمتوسطة والصغيرة منفذة بالألوان الزيتية .
تحية إلى لمسة تساهم فى تنمية الثقافة البصرية والارتقاء بالذوق والتذوق
ساحة النقاش