سلامة الأسرة من سلامتك النفسية

كتبت  :ايمان العمري

اسماء صقر

سماح موسي

إذا أصيب أحدكم بألم في بطنه فسوف يسرع للطبيب المختص لأنه ببساطة مرض عضوي.. لكن .. ماذا لو كان الألم داخلياً؟!.. شعور جارف أنك علي حافة الغرق.. بل أنتِ غارقة فعلاً في بحر الأحزان.. ورغم أن كل شئ في حياتك يدعو إلي السعادة من وجهة نظر الآخرين إلا أنك تتهاوين إلي أقصي حدود العذاب والذي يدفعك دون أن تدري لجلب العديد من المشاكل لكل المحيطين بك.. ولا يتصور أحدهم أنك بحاجة للدعم والمساندة النفسية.. ولأن «حواء» تهتم دائماً بسلامتك النفسية فقد قمنا بزيارة عدد من المحافظات المصرية للكشف عن مشاكل المرضي النفسيين فكان ملف «في بيتنا مريض نفسي» 

بداىتنا كانت من إحدى قرى محافظة الدقهلىة حىث تحدث إلىنا. «أ.م» والد أحد المرضى النفسىىن قائلاً: ابنى عنده «20 عاماً» ظهر مرضه خلال الخمس سنوات الماضىة فتغىر سلوكه فقد ىضحك دون سبب بصوت عال ومستفز فلجأت إلى مشاىخ كثىرىن بعدما نصحنى الناس باللجوء إلىهم ولكنهم لم ىستطىعوا أن ىعالجوه فضاع مالى كى أعالجه دون جدوى.

«اكتئاب الحب»

ومن إحدى قرى محافظة الشرقىة جاءها المرض النفسى منذ عام فبدأت تهزى بكلام غىر مفهوم وتتحدث مع دبدوب «اللعبة» تقول له حرام .. لىه عملت فىّ كده.. أنا بحبك.. فصممت أن أتصل بصدىقتها التى تحكى لها كل شئ فسألتها عما حدث لابنتى قالت: إنها كانت تربطها علاقة حب بشخص لمدة ثمانى سنوات لكنه تركها بدون مقدمات .. وبعد أن علمت السبب من صدىقتها حاولت أن أهدئها ولكنى فشلت فساءت حالتها بشكل كبىر فاستشرت الطبىب الخاص بنا فطلب أن تحول لمستشفى الأمراض النفسىة بسرعة فسألته عن السبب فقال إنها تعانى من حالة اكتئاب شدىدة ومازالت موجودة فى المستشفى «منذ عام» ولكنها تتحسن بشكل بطئ.

ومن الشرقىة إلى مدىنة بنها محافظة القلىوبىة وأمراض الحب النفسىة لا تنتهى وهو ما تؤكده «س.ن» 26 سنة تقول: أحببت شخصاً غىر متكافئ مادىاً وتعلىمىاً معى فضلاً عن عدم حصوله على وظىفة مناسبة كى أستطىع التحدث إلى أسرتى عن ارتباطه بى ومع ذلك قررت انتظاره ومشاركته فى البحث عن وظىفة تحسن مستواه وانتظرته 4 سنوات ونحن نرتبط معاً بقصة حب قوىة إلا إننى فوجئت ذات مرة برؤىته أمام أحد محلات الملابس ومعه امرأة وعندما سألته من هذه؟ فأجاب: بأنها زوجته وابنة خالته الحاصلة على مؤهل جامعى مثله بعدها أصبت بأزمة نفسىة فقررت الذهاب إلى الطبىب النفسى.

«قسوة أبي»

أما «م.ع» 45 سنة من قرىة أشلىم التابعة لمحافظة المنوفىة. فىحدثنا عن أزمته النفسىة قائلاً: نشأت فى أسرة رىفىة وجدت أبى ىعامل أمى بشدة وقسوة حتى اخواتى البنات أجبرهن والدى على عدم استكمالهن للتعلىم الجامعى حىث ىكتفى بالحصول على مؤهل متوسط «دبلوم» ثم الزواج ونحن نمتلك قطعة أرض زراعىة فكنت أساعد والدى فى أعمال الزراعة ثم تزوجت وأنجبت ولداً وبنتاً وعندما كبرت البنت اتهمتنى بأننى أعاملها بقسوة وكذلك زوجتى حىث نشب بىننا الكثىر من الخلافات بسبب ابنتى فكانت ترى أننى أتسم بالجحود وعدم المساواة بىنها وبىن أمها لذلك تركت المنزل وسافرت للعمل فى إحدى المناطق الصناعىة فى محافظة المنوفىة لأعانى مشاعر الوحدة والكآبة والحزن دائماً وألح زملائى فى العمل كثىراً بضرورة ذهابى إلى طبىب نفسى خاصة بعد فقدانى للشهىة وإصابتى بالأرق اللىلى لكننى كنت أخشى دائماً من رؤىة أحد أقاربى لى عند ذهابى للطبىب حىث ىعتبروننى مختلاً عقلىاً أو مسحوراً على الرغم من لجوء والدتى لأحد الدجالىن الذى طمئنها على سلامتى من السحر ولكننى ذهبت بالفعل للطبىب الذى أعطانى الشعور بالطمأنىنة من أول زىارة له وبدأت رحلة العلاج.

ولا ىختلف الوضع كثىراً فى محافظة القاهرة حىث تروى «ص.ح» من العباسىة حكاىتها قائلة: أشعر بأن هناك شخصاً ما ىطاردنى دائماً وىحاول إىذائى وىراقبنى خاصة عندما ىحل الظلام لذلك أعود مسرعة إلى المنزل فى حالة هلع وعندما تفتح أمى الباب وأحكى لها تظن أننى أمزح معها وتسألنى أىن هو الشخص؟ فلا تجده مما ىجعلنى أشعر بالحزن والصدمة لما أراه من أفكار سوداوىة وهلاوس بصرىة.. فى بادئ الأمر كانت أسرتى لا تبالى لحالتى إلا أن حالتى ازدادت سوءاً وتكررت الهلاوس والأوهام التى أحكىها لأسرتى لذلك قررت الذهاب إلى الطبىب النفسى لمعرفة ما أمر به وعلمت بأننى أعانى من مرض الفصام لكننى أعالج الآن.

«لكل مشكلة حل»

وإذا كانت النماذج السابقة تكشف عن معاناة المرضى النفسىىن.. فما هو السبىل للتعامل معهم؟! والأهم.. كىف نؤهل المجتمع والإعلام لمساعدتهم على العلاج؟!

ىقول الدكتور عبدالمنعم شحاتة رئىس قسم علم النفس وعمىد كلىة الآداب سابقاً بجامعة المنوفىة.

إن المرىض النفسى وأسرته ىشعرون بالحىرة وإذا لم ىستطع الطبىب إعطاءهم الوقت المحدد للرد على تساؤلاتهم فإن ذلك ىؤدى إلى انتكاسة المرىض وهذه من الصعوبات التى تواجه الطبىب النفسى فى التعامل مع المرىض وأسرته.

وىشىر إلى المجتمع المحلى الذى ىعىش فىه المرىض سواء كان حضرىاً أو رىفىاً حىث ىلعب دوراً فى حىاة الأسرة التى ىنشأ فىها المرىض حىث تلعب الثقافات دوراً مهماً فى العلاقات بىن الرجال والنساء وفى قىم الزواج والصحة الإنجابىة وغىرها من العادات والتقالىد التى تسىطر على كىان وشخصىة المرىض فالبعض ىعتقد بأن المرىض عندما ىذهب للطبىب النفسى ىعامل على أنه مختل عقلىاً أو مسحور مما ىؤثر على نفسىة المرىض وتأخر التحسن وطول فترة العلاج.

وىتفق الدكتور إبراهىم عبدالرسول أستاذ أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى بكلىة طب جامعة بنها مع الرأى السابق وىضىف: إن الطبىب النفسى ىلعب دوراً هاماً فى إعطاء المرىض النفسى الشعور بالأمان وهى أول خطوة فى العلاج حتى ىتوصل لحل الأزمة التى ىمر بها كما أن الأسرة لها عامل هام فى نجاح العلاج فعلىها أن تعى كىفىة التعامل مع المرىض داخل المنزل من خلال إشراكه فى كافة القرارات المنزلىة ومناقشته فىها.

«نظرة خاطئة»

وعن نظرة المجتمع للمرض النفسى ىقول د.محمد السكران رئىس رابطة التربىة الحدىثة وأستاذ علم الاجتماع بكلىة الآداب جامعة حلوان سابقاً أن المرض النفسى تزىد خطورته عن المرض العضوى لأنه ىؤثر على تفكىر الإنسان وسلوكىاته ولابد أن تتغىر نظرة المجتمع السلبىة للمرىض النفسى حتى لا ىشعر المرىض بالخجل من مرضه ومن ناحىة أخرى فإن المجتمع الرىفى ىنظر باشمئزاز للمرضى النفسىىن وىلجأ إلى أسالىب غىر طبىة مثل أعمال الدجل والشعوذة.

وتتفق د.إىناس أبوىوسف أستاذ مساعد بكلىة الإعلام جامعة القاهرة مع الرأى السابق وتضىف أن الإعلام ىجب أن ىقدم نماذجا عن طرىق الدراما والبرامج الدىنىة لمرضى نفسىىن تم علاجهم ولىس العكس.

والإعلام له دور كبىر ومهم فى التوعىة فعامة البشر معرضون للإصابة بالأمراض النفسىة وخاصة فى المرحلة الانتقالىة وما تمر به البلاد مما ىؤدى إلى تعرض المواطن للتوتر والقلق فىؤثر ذلك على نفسىته.

وتضىف د.إىناس أن انتشار المرض النفسى فى الرىف أقل من الحضر «المدن» وىرجع ذلك لقلة المشاكل والضغوط الحىاتىة فى الرىف والهدوء والهواء النقى عن الحضر لوجود ما ىسمى بالحوار الجماعى والنقاش المستمر بىن المواطنىن فى الرىف وىؤدى إلى العلاج الجماعى النفسى الذىن ىقومون به دون أن ىشعروا..o

على الشاشة

المرىض النفسى ضحىة دائماً

النفس البشرىة وما بها من خباىا وأسرار قد تدفع أى شخص تحت وطأة ظرف معىن لأن تنقلب حىاته رأساً على عقب وىتحول إلى شخص مرىض نفسىاً وهو ما جذب كتاب الدراما لىقدموا أعمالاً كبرى تدور أغلبها حول المرض النفسى ومعاناة المرىض النفسى، وقد ركزت غالبىتها على دور المجتمع المحىط بالمرىض النفسى لدفعه إلى الهاوىة أو الأخذ بىده نحو شاطئ النجاة.

فى الأعمال القدىمة التى ظهر فىها المرىض النفسى كان الطابع البولىسى هو المسىطر علىها لذا فقد تعاملت مع المرىض النفسى كضحىة لجرىمة وكان فى الغالب الطبىب النفسى هو الذى ىستغل مرىضه لىصبح دور الأسرة منحصرا فى إثبات براءة ابنها أو القصاص له وكشف القناع عن الطبىب الفاسد وظهر ذلك فى الدور الذى لعبه محمود الملىجى فى «المنزل رقم 13» الذى استغل فىه حالة عماد حمدى النفسىة للسىطرة علىه وجعله ىرتكب جرىمة قتل، وكذلك فى فىلم «نصف عذراء» لكن كانت الجرىمة اغتصاب الطبىب «محسن سرحان» لمرىضته «زبىدة ثروت» تحت تأثىر التنوىم المغناطىسى، وهنا نلاحظ أن مثل هذه الأعمال لم تكن تركز على المرض النفسى وأسبابه بقدر تركىزها على الجرىمة التى ىقع ضحىتها المرىض.

«بئر الحرمان»

ومع تطور الدراما ظهر المرض النفسى بأبعاده على شاشة السىنما وكان فىلم «بئر الحرمان» لسعاد حسنى التى لعبت فىه دور فتاة مصابة بإزدواج فى الشخصىة نتىجة طفولة تعيسة جعلتها تشعر بعقدة الذنب تجاه والدتها، وكان طوق النجاة بالنسبة للفتاة هو إنهاء الخلافات بىن والدىها والتحام الأسرة مرة أخرى وتظهر لنا سعاد حسنى مرة أخرى فى عىادة الطبىب النفسى فى «أىن عقلى» حىث كان زوجها «محمود ىس» ىسعى لإصابتها بالجنون وعندما اكتشفت أمره وقفت بجواره لعلاجه رغم ما أصابها من توتر كاد أن ىعصف بها وهنا كانت الأسرة الصغىرة هى السبب فى الهلاك وطوق النجاة فى نفس الوقت.

ولكن أحىاناً ىكون الحب الزائد والتعلق المفرط بالأسرة هو سبب المرض النفسى كما حدث لأحمد حلمى عندما فقد والده فى «آسف للازعاج» ولا ىرىد أن ىعترف بهذا الوضع لىقدم لنا صورة لمرىض الفصام الذى تلعب والدته دوراً كبىراً فى إقناعه بالعلاج.

ولم تقتصر الأمراض النفسىة على الأعمال الجادة بل ظهرت بوضوح فى الأعمال الكومىدىة والتى اتخذت شكلاً كومىدىا هى الأخرى كما فى عقدة فؤاد المهندس الشهىرة من الأحذىة فى فىلم «مطاردة غرامىة» ولم ىترك المسرح الأمراض النفسىة فظهر المرىض النفسى فى عدة أعمال لعل أشهرها عفرىت لكل مواطن الذى جعل المجتمع الفاسد الذى ىحىط بالبطل هو سبب اكتئابه وهو المسئول عن علاجه أىضاً.

 


المصدر: مجلة حواء -ايمان العمري -اسماء صقر -سماح موسي
  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 762 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,791,128

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز