ثــــــورة سلمية

بقلم : كوثر عبدالدايم

كانت ليلة سعيدة، فرح فيها الجميع بزفاف العروسين المحبوبين من الأهل والأقارب..

فإذا ماغاص أحد المدعوين بداخل نفسه فتذكر شيئا يعكر عليه صفوه سرعان ما انتشله العريس أو العروس وقد بدت عليهما الفرحة ببداية حياة جديدة توافرت فيها أسباب السعادة .

ارتضى كل منهما بالآخر بعد تجربة خطوبة فاشلة لم تكتمل لكنهما وجدا النجاح والأمل فى علاقتهما الأخيرة .

أسهمت الأسرتان فى إقامة أسرة جديدة سعيدة فالشقة وفرها العريس بمساعدة أبيه وتم تأسيسها بمجهود الأسرتين . ويكفى أن تلقى نظرة على العروسين وهما يرقصان على أنغام الموسيقى المحببة إلى الجميع فيشجعان غيرهما على الرقص لتتأكد من قصة الحب التى بدأت بنظرة ثم ابتسامة ثم لقاء فخطوبة فزواج، كل ذلك تحت نظر الأسرتين التى تجمعهما صلة صداقة .

كلا العروسين حصل على اجازة شهر من عمله لقضاء شهر العسل وبعد الأكلة الدسمة والرقصة المرحة والتمنيات الطيبة .

ودع المدعوون العروسين إلى جناحهما بالفندق الكبير حيث قضيا ليلتهما طارا بعدها فى الصباح لقضاء شهر العسل بالساحل الشمالى وبدآ حياتهما الجديدة فى ذلك الشاليه الذى أعد لهما ورغم أن الوقت شتاء يناير غير أن ذلك لم يمنعهما من النزول الى البحر والتمتع بين موجاته تحت أشعة الشمس الدافئة .

اختصر شهر العسل فى أسبوع فقط فقد علم العريس أن جده فى حالة خطرة ورغم أنه يعلم ذلك مسبقا فقد كان الجد فى ليلة الزفاف تحت رعاية الأطباء والكل يدعو الا يحدث ما يعكر صفو الليلة .

واليوم أراد محمد أن يكون بجوار أمه وأبيه فى هذه الظروف عادا إلى مسكنهما بالسادس من أكتوبر فقضيا فيه يوما بليلة استمتعا فيه بالهدوء والنظافة التى بدت واضحة على تلك المدينة الحديثة .

أبدت العروس رغبتها فى الذهاب إلى أمها واخوتها خاصة أن أباها سافر عقب حفل الزفاف بالخارج وأسرتها فى حاجة الى رعاية واهتمام العريس بصفته ابناً حديثاً لهذه الأسرة .

وافق العريس على ذلك شرط أن يذهبا إلى الجد أولا.

قال الأب لابنه محمد :

- الخامس والعشرون من يناير اجازة عيد الشرطة.

قال محمد :

- نحن فى اجازة شهر العسل حتى نهاية الشهر.

قال الأب :

- لكنى علمت أن هناك شيئاًجللاً سوف يحدث فى هذا اليوم .

قالت العروس :

- نعم علمت من الانترنت أن هناك ثورة تدبر تبدأ فى هذا التاريخ وقد قالت صديقة لى أنهم ينادون بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

قال الأب :

- الثوار لم يطلبوا مطالب شخصية ولن تكون ثورة جياع كما توقع البعض . لكن القائمين بها اغلبهم من الأسر المتوسطة والمثقفة .

قال محمد :

- كلنا نعلم جيدا أن الفقراء كثيرون وانهم يزيدون فقرا بينما يزداد الاغنياء غني.

أومأت الأم تصديقا لما سمعت بينما نهض الجميع ليروا الجد وهو راقد فى حجرته.

الجد مسجى فى فراشه وقد علقت التحاليل إلى جواره لتنساب فى عروقه لتمنحه الحياة .. لكنها حياة مغيبة فهو لا يدرى ما يدور حوله.

تأمله محمد جيدا وتمتم.

- لك الله ياجدى العزيز

وغادر المكان قاصدا بيت أهل عروسه .

سرت المعلومات تباعا بين من يعلمون ومن لم يعلموا وسادت أوقات من الترقب الحذر المشمول بالأمل والمتابعة الدقيقة للأخبار حتى كان اليوم الخامس والعشرون فاصبح الجميع يقرأون الخبر من صوت الشارع القريب منهم.

صوت هادر .. سلمية .. سلمية .

ويدفعهم ذلك لفتح التليفزيون ومتابعة الأخبار على مختلف القنوات .

صار الخامس والعشرون من يناير عيدا لكل المصريين كل البيوت ترتفع فيها أصوات التيلفزيونات لتختلط بأصوات الشوارع المحيطة والأسر تتابع تارة مايحدث فى الشارع من حولهم وتارة ما يأتى به الخبر من التلفاز تتابع وتشجع وتعايش ميدان التحرير والميادين الأخرى بالاسكندرية والسويس والمنصورة والصعيد الكل ألغى من تفكيره أى مشكلة خاصة وصار اهتمامه الأول تلك الثورة الجديدة القوية السلمية بندائها القوى : حرية، ديمقراطية، عدالة اجتماعية .

وقام رجال الأمن بمقاومة تلك الثورة التى ظن البعض انها مجرد خروج على النظام يجب تأديبه .

واستشهد البعض فزاد الثوار اصرارا على النجاح ونادوا باسقاط النظام .

 

نجحت الثورة فى أول أهدافها باسقاط النظام وتنحى رئيس الجمهورية عن الحكم وتزامن ذلك مع اختفاء رجال الأمن من الشارع ومن أقسام البوليس التى تعرضت لتخريب الغوغاء وأصبح واجب كل مواطن أن يحافظ على حياته ساعده على ذلك فرض حظر التجوال فى أوقات معينة لكن ذلك لا يكفى لذلك انبرى الشباب من كل شارع وحى يدافعون عن أهاليهم وجيرانهم ونظموا أنفسهم جماعات تكفل وجود بعضهم طوال الليل فى الشارع وأمام البيوت وكل منهم يحمل شيئا يدافع به عن نفسه .

ووجد محمد العريس نفسه مضطرا للتواجد فى بيت عائلة العروس لغياب الأب بالخارج.

وسارت الأسر تتابع عن كثب مايحدث فى البلاد من خلال التلفاز بينما الشباب ومنهم محمد ينزل الى الشارع لمراقبة الطريق وعدم السماح للبلطجية والمجرمين أن يعتدوا على البيوت أو السيارات الواقفة أمامها .

واستطاع محمد وغيره من الجيران الامساك بمسلحين ونزع السلاح منهم وربطهم فى أعمدة الكهرباء وتسليمهم الى الوحدة العسكرية القريبة فى الصباح استمر ذلك عدة أسابيع قبل أن تنزل الشرطة الى الشوارع والميادين من جديد .. وانتهى شهر العسل ولحق به شهر آخر ظل الثوار يجددون فيه العهد بمواصلة الثورة ثم عاد العروسان إلى عملهما .

وكان عمل محمد بميدان التحرير .. وقف يتأمل المكان بعد أن غادره الثوار وبعد أن أزالوا آثار القمامة من الميدان وتأمل المتحف المصرى يقف حوله مركبات الجيش .. ومبنى الحزب الوطنى وقد أصبح اطلالا وهم بالدخول الى عمله فإذا به يجد تمثالا فرعونيا صغيرا ملقى على الأرض تحت الرصيف .

التقطه فى حذر وتأمله وهو لا يعلم حكايته لكنه قطعة المتحف المصرى وقد وقعت من السارق اذ القاها من الخوف.

أخذها وذهب بها إلى أقرب وحدة عسكرية فسلمها ثم انتظم فى عمله .

المصدر: مجلة حواء -كوثر عبدالدايم
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 650 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,859,947

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز