أليس من حقى أن أعيش؟ «1»
كتبت :سكينة السادات
ألحت فى طلب مقابلتى، ورفضت أن يكون اللقاء عبر الهاتف، قالت إنها تود لى أن أراها وأسمعها معا، لأنه فى رؤيتى لها ردا على أمور كثيرة أثيرت حول مشكلتها!! وافقت وجاءت إلىّ بمكتبى بدار الهلال فى موعدها بالضبط!!
قارئتى مجيدة سيدة طويلة القامة خمرية اللون، سمحة الوجه، هادئة، لطيفة، قوية الشخصية، متحدثة لبقة!
قالت لى.. أنا أرملة فى الرابعة والخمسين من عمرى، أنتسب إلى أسرة متوسطة الحال لكنها مستورة ومحترمة فوالدى كان موظفا كبيرا فى وزارة الرى ووالدتى كانت ربة بيت طيبة وأنا ابنتهم الوحيدة مع اثنين من الإخوة الذكور يكبرانى بعدة أعوام.. تعلمت حتى حصلت على الثانوية العامة ثم التحقت بأحد المعاهد العليا لكننى لم أكمل تعليمى به إذ كنت قد بلغت الثامنة عشرة من عمرى وكان (العرسان) يتوافدون على بيتنا من الأهل والأقارب والجيران وغيرهم.
ولم أكن حريصة جدا على إتمام تعليمى فلم أكن أنوى العمل بعد الزواج بل كنت أوثر أن أكون مثل أمى، ربة بيت ناجحة، تربى أولادها الثلاثة وتقوم بكل الأعمال المنزلية بنفسها خاصة الطهى!
وتستطرد السيدة مجيدة..
كانت أمى رحمها الله ترفض أن نأكل من يد أى أحد سواها هى نفسها وكانت تقول.. إلا الأكل! لابد أن تكون نظافته مضمونة وإتقانه مضمون وهذا لايتأتى إلا بقيام ربة البيت بنفسها بإعداده لزوجها وأولادها.
المهم.. تقدم لى الكثيرون كما قلت ووقع اختيار أبى على ضابط مهندس بالجيش كان ابن صديق مقرب لأبى وكان وسيما لطيفا وبالطبع كانت أسرته مقربة لنا فلم يحدث ما يعطل الزيجة فكان أن تزوجنا خلال ثلاثة شهور فقط تم فيها إعداد شقة الزوجية والجهاز والملابس وكل شىء.. وكانت فرحة شديدة للأسرتين فقد كانت أمى رحمها الله تحب والدة عريسى حتى من قبل التقدم لخطبتى ووالدى كما قلت لك كان صديقا حميما.
وانتقلنا بعد الزواج وشهر العسل إلى شقتنا الجديدة فى إحدى الضواحى البعيدة عن القاهرة بعض الشىء.. ولا أنكر أننى سعدت ببيتى الجديد (وفرشى) الجديد بعد إحساسى بأننى صاحبة كل شىء أنا وزوجى الذى كان إنسانا مهذبا رقيقا بمعنى الكلمة!
وتستطرد السيدة مجيدة..
وانتظرنا مجىء الطفل الذى يكمل سعادتنا ويؤكد توفيقنا فى الحياة ومرت أول سنة بدون حمل ثم تعيّن علينا أن نذهب إلى عدة أطباء لاستشارتهم فى الأمر بعد أن كان كلامهم فى البداية.. كل شىء طبيعى مع ضعف بسيط فى التبويض بالنسبة لى وهذا يعالج ببساطة شديدة بتناول أقراص وقالوا إنه من المنتظر أن يتم العلاج فى أقل من ستة شهور! ومرت الستة شهور ومر العام الثانى ولا أنكر عليك أننى كنت حزينة فى قلبى من تأخر الحمل لكن تأكيد الأطباء وقولهم إنها (حاجة بسيطة) وليست مشكلة كانت تطمئننى وكان زوجى أيامها يطمئننى هو الآخر ويقول لى إنه ليس مستعجلا وأن الأولاد بييجوا براحتهم!
وحملت أخيرا وكانت فرحة أخرى فى العائلتين وأنجبت ولدا جميلا مثل (فلقة القمر) وسجدت لله شكرا وكانت عقيقته أكبر من ستة خراف جاءت لنا هدية ووزعناها كلها على الفقراء وعلى رواد المساجد بمدينة الشروق من المعوزين واحتفظنا بوجبة لحم واحدة أكلناها مع الفتة يوم العقيقة وأكلت منها الأسرتين.
ومرت الأيام وكبر محمد ابنى ودخل الحضانة وحاولت أن أحمل مرة أخرى لآتى له بأخ أو أخت لكن الله سبحانه وتعالى لم يأمر لنا سوى بمحمد فقط رغم استمرارى فى تناول الدواء لعل وعسى، وكنا سعداء به وكان ابنا صالحا متفوقا فى دراسته مهذبا كوالده تماما ولم يكن يطلب إلا الضروريات فقد قرر والده أن يربيه كما تربى هو وإخوته!
واجتاز محمد ابنى الثانوية العامة بتفوق وحصل على الدرجات التى تؤهله لدخول الكلية التى يريدها فاختار كلية الطب وتفوق بحمد الله وأمضى فترة الامتياز ثم سافر فى بعثة دراسية للخارج لنيل الزمالة فى (طب التخاطب) وكان جديدا فى مصر وهو علاج الذين لا يتكلمون أو لا يجيدون النطق.
وكانت الفرحة الثالثة يوم عودة محمد بشهادة الزمالة ثم اختياره لدكتورة زميلة له فى البعثة وزواجه منها ورغم أن البيت أصبح مقفرا ساكنا بدون ابنى إلا أننا أنا ووالده كنا نتمنى له السعادة والسلامة!
ثم فجأة حدثت أول مأساة فى حياتى وهى المأساة التى زلزلت حياتى وقلبتها رأسا على عقب!
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!
ساحة النقاش