كتبت :سمر الدسوقي

 بالرغم من مرور ما يقرب من 35 عاماً علي تخصيص يوم الثامن من مارس، كيوم عيد عالمي للمرأة، منذ أن وافقت الأمم المتحدة علي تبني هذه المناسبة، كرمز لليوم الذي خرجت فيه آلاف السيدات في عام 1857 في شوارع نيويورك مطالبات بتحسين الظروف اللا إنسانية التي تجبرهن علي العمل تحت وطأتها، ورغم اتخاذه فيما بعد كيوم للاحتفال بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي حققتها النساء عربياً وعالمياً، فإن الكثيرات وفي هذه المناسبة قد بتن يشعرن أن ما جاهدن للحصول عليه من مكتسبات وحقوق في المحافل كافة قد بدأ يتراجع، بل إن جزءاً كبيراً منها لم ينفذ بشكل واقعى علي أرض الواقع، فما زالت مجرد اتفاقيات ليست أكثر ولا أقل، ومعهن حاولنا أن نعرف حقيقة هذا، ونبحث عن كيفية حصول المرأة العربية علي حقوقها هذه بل وتنميتها

 تقول الناشطة السياسية اللبنانية رويدا مروه - مديرة المركز الدولى للتنمية والتدريب وحل النزاعـات بلبنــان - مكاسب المرأة متفاوتة بشكل كبير وواضح بين دول عربية وأخرى، لذا نجد أن القوانين التى رعت هذه المكاسب الجديدة مازالت تصطدم بالقوانين الوضعية والدساتير داخل بعض البلدان وبالشريعة الإسلامية المطبقة فى بلدان أخرى بتزمت، إضافة إلى اصطدامها بالتحفظات التى تضعها أنظمة عربية كثيرة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مثلاً المادة السابعة من هذه الاتفاقية تنادى بالمساواة بين المرأة والرجل فى المجال السياسى ترشيحاً وانتخاباً ووظيفة وسلطة وصياغة سياسات، ورغم تطبيق هذه الاتفاقية والتصديق عليها من قبل بعض الدول، فإن الأمر لا ينفذ بهذه الصورة، فهناك تفاوت كبيراً بين الرجال والنساء فى الحقل السياسى، ونفس الأمر فى ما يتعلق بالمادة العاشرة والتى تنادى بالمساواة بين الجنسين فى مناهج التعليم وأنواعه وإدخال التعليم المختلط وإزالة المفاهيم النمطية عن دور المرأة فى الأسرة، ومع ذلك مازالت المناهج التعليمية فى الكثير من الدول العربية تحوى الكثير من المغالطات التى تتعلق بقيمة وكيان ودور المرأة فى المجتمع، وإذا رأينا هذا بشكل واقعى داخل المجتمعات العربية وبالأخص ما يتعلق بما نصت عليه الاتفاقية فى مادتها الحادية عشرة من ضمان حقوق المرأة فى اختيار المهنة، وضمان حقها فى فرص متساوية مع الرجل فى العمل والأجر والضمان الاجتماعى والوقاية الصحية، لوجدنا أن هناك وجوداً متدنىاً للنساء فى المجال السياسى وفى المجالس البرلمانية المنتخبة ببعض الدول وخاصة فى أعقاب الثورات العربية، والتى أدت إلى تراجع كبير فى مكتسبات المرأة، فألغيت «الكوتة» التى كانت مخصصة للنساء فى بعض هذه المجالس كما فى ليبيا، وفى المغرب نظمت الهيئات النسائية المغربية مؤخراً وقفة أمام البرلمان بعد أن تم تشكيل حكومة مغربية ضمت 31 وزيراً من بينهم امرأة واحدة، وهو ما برز أيضاً فى مصر مع ضعف التمثيل والتواجد النسائى بالمجالس المنتخبة وتهميش دور ومشاركة المرأة فى ثورتها وتحجيمها، وبالتالى فمكتسبات عديدة، مما سعت المرأة عربياً وعالمياً للحصول عليها على مدى مسيرتها منذ إعلان الاحتفال بيوم المرأة العالمى، قد تراجعت ومازالت تحتاج إلى جهد أكبر من قبل النساء العاديات والمعنيات بقضايا المرأة للحفاظ عليها وإرجاعها.

 نظرة التيار الإسلامي

 وهو نفس ما تؤكد عليه - نائبــة نقيــب الصحفيين الليبيين - زينب شاهين قائلة: للأسف مكتسبات عديدة مما حاربت النساء من أجلها على المستوى العالمى والعربى تراجعت أخيراً، وبالأخص فى الدول التى اندلعت بها ثورات الربيع العربى، ربما لأنها مازالت تتلمس طريقها حتى الآن، أو لبروز التيار الإسلامى بها والذى يحد ويحجم من وجود المرأة على الساحة السياسية والعملية بل ويضعها فى مكانة صغيرة ومحدودة نتيجة لنظرته لها، ففى ليبيا على الرغم مما تعرضت له المرأة من اغتصاب وقتل وما قامت به من تضحيات خلال الثورة سواء بنفسها أو بعائلتها، فإن أولى المكافآت التى حصلت عليها بعد نجاح الثورة كانت إلغاء الكوتة المخصصة لها فى البرلمان، فالحراك السياسى الليبى الرسمى بعد الثورة كان دون طموحات المرأة، بل كان محبطاً ومغفلاً لحقوق المرأة وأدوارها التاريخية، هذا بجانب ما ظهر من دعوات لإيقاف العمل بقانون الزواج والطلاق والذى كان يحد من تعدد الزوجات، بحجة أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا بالرغم من التعددية التى كانت مطلوبة بعد الثورة؛ تعددية سياسية وفكرية، وليست تعددية فى الزوجات والنساء!!

 تحجيم أم إلغاء؟


 وتشير الناشطة السياسية التونسية سهيلة بن سليم إلى أن هناك موجة من التحجيم للنساء العربيات ككل فى الآونة الأخيرة، وفى أعقاب ظهور المد والتيارات الإسلامية بالدول العربية مؤخراً، مما يمكن أن نشعر معه بأننا جميعاً فى الطريق للإلغاء، وتقول: فى تونس بدأت تظهر دعاوى لإعادة الختان، وصحيح تمت مواجهتها من قبل المنظمات النسائية ووزارة الصحة، إلا أن هذه الأمور والموضوعات لم تكن مثارة من قبل، فقد قطعنا خطوات واسعة نحو تحقيق طموحات سياسية وعملية كبرى للنساء، ومثل هذه الدعاوى تعد نوعاً من الردة حتى إن واجهناها. وفى دولة كالعراق مثلاً لو استعرضنا واقع المرأة هناك بعد نهاية الاحتلال الأمريكى، لوجدنا نسبة عالية من الأمية بين النساء، وعدداً كبير منهن يعيش تحت خط الفقر والكفاف، ولا يجدن ما ينفقن منه على ذويهن، هذا بجانب ما تعرضن له من عنف واغتصاب خلال فترات الاحتلال، ورغم وجود تمثيل بل ووزارة للمرأة بالجزائر على سبيل المثال، إلا أن أى مشروع تتقدم به الحكومة لزيادة نسبة التمثيل السياسى للنساء سواء فى ما يفرض على الأحزاب من نسب للنساء المرشحات على قوائمها فى الانتخابات أو نسبة الكوتة نفسها داخل المجالس البرلمانية، يواجه بثورة عارمة بل ورفض، وبالتالى فنحن مازلنا فى حاجة إلى تكاتف أكبر من قبل الجهات المعنية بالمرأة وبالأخص الجهات الأهلية فى كل دولة على حدة، بل فى حاجة إلى تكاتف هذه الجهات فى كافة الدول العربية، بما يشبه اللوبى الذى ينبغى أن يتم به مواجهة هذا التراجع فى مكتسبات النساء والنظرة الدونية لهن، بل وإلغاء الكثير من المكتسبات التى حصلن عليها، وإلا لاستمر وضع المرأة وكما هو مخطط له فى التراجع وبشكل أكبر.

 أحـوال شخصيـة


 ويبدو أن مكتسبات المرأة العربية لم تتراجع فقط على المستوى السياسى أو مستوى التمثيل فى العمل والمناصب الإدارية العليا، فالمحامية ميرفت أبوتيج - إحدى الناشطات فى مجال حقوق المرأة ورئيسة إحدى الجمعيات الأهلية - تشير إلى أن بعض من مكتسبات المرأة العربية، والتى كفلتها لها الاتفاقيات والمواثيق الدولية التى صدقت عليها العديد من الدول العربية، مازالت لم تنفذ فعلياً فى أرض الواقع، فهناك مشكلة منح المرأة العربية المتزوجة من أجنبى جنسيتها لابنها، وهذا الحق يعد حقاً مشروعاً فى ضوء ما تنص عليه دساتير هذه الدول من مساواة بين الرجل والمرأة، ولكنها غير قادرة على تنفيذه على أرض الواقع فى الأردن ولبنان والبحرين، وغيرها من الدول العربية سوى ببعض المكرمات السامية التى تصدر فى مناسبات خاصة وبين الحين والآخر ولا تحل المشكلة من جذورها، هذا بخلاف عدم توحيد قوانين الأحوال الشخصية وتعددها بالنسبة للنساء المنتميات لأكثر من هوية أو مذهب دينى فى حين ينتمين لبلد واحد، فالفلسطينيات واللبنانيات تتعدد لديهن قوانين الأحوال الشخصية، بالنسبة للأولى وفقاً لاختلاف الأماكن التى تقيم بها الفلسطينية داخل قطاع غزة وخارجه، وبالنسبة للثانية نتيجة لاختلاف المذاهب الدينية، وهو ما يشكل مشكلة كبرى فأحكام الزواج والطلاق والنفقة ورعاية الصغير تختلف بين النساء المنتميات إلى دولة واحدة، لذا فنحن مازلنا فى حاجة إلى زيادة تفعيل الكيانات والمنظمات المعنية بشئون النساء على المستوى العربى وتعاونها جميعاً لطرح هذه القضايا العالقة أمام المحافل الدولية، بحيث نستطيع الوصول إلى علاج فعلى ودولى وموثق يكون ملزماً لهذه الدول ويحسن أوضاع المرأة بل ويحافظ لها على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعملية.

 مـيــراث


 وهو نفس ما تؤكد عليه المحـاميـــــة رضــوى القاضى - إحدى الناشطات فى مجال العمل النسائى - قائلة: مازالت المرأة العربية لم تحصل على الكثير من حقوقها، بل وتمنح لها هذه الحقوق كمكتسبات من قبل بعض الحكومات، وفى كثير من الأحيان لا تنفذ على أرض الواقع، لذا نجد وجوداً ضعيفاً للنساء فى المجالس البرلمانية المنتخبة كما فى مصر والمغرب ولبنان وحتى الجزائر مؤخراً، وفى تشكيل الحكومات كوزيرات كما فى المغرب والعراق وحتى الجزائر، كذلك نجد مشكلات عديدة تواجههن فى ما يتعلق بقضايا الميراث والحق فى إرث الصغير، ففى سوريا مثلاً لا تورث النساء ممن يلدن الإناث ويوزع ميراث بناتهن بين أشقاء وأهل الزوج، وفى مصر نجد دعاوى كثيرة مع المحاولات العديدة التى تبذل للحد من مكتسبات المرأة من قبل القوى الإسلامية العديدة بعد الثورة لإلغاء قوانين، كالخلع وتعديل حقوق المرأة فيما يتعلق برؤية ورعاية أطفالها بعد الطلاق، ومما أراه، أجد أن ذلك يعود إلى زيادة المد الإسلامى فى بعض الدول بعد ثورات الربيع العربى ورغبة البعض فى تجربة ما تتبناه هذه التيارات من أفكار ربما تكون أفضل مما مضى عليهم من حكومات، هذا بجانب عدم دفاع النساء عن حقوقهن والنضال من أجلها، وتخاذل بعض الأحزاب عن نصرة ودعم المرأة، بل وضعف دور المنظمات المعنية بحقوق النساء مؤخراً وتركيزها على لعب أدوار فى السياسة العامة، ولذا فنحن فى حاجة إلى تكاتف النساء وعملهن فى الحصول على حقوقهن والحفاظ على مكتسباتهن، فلينزلن للطريق العام وليشاركن فى الثورات، وفى الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات ويمارسن كل فعل من شأنه أن يحمى أوضاعهن ولا يتركن ذلك للحكومات

المصدر: مجلة حواء -سمر الدسوقي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,800,128

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز