كتب :عمرو سهل
قالوا له «اتجوز ده الجواز نص الدين»، وعلشان هو راجل طيب صدقهم، لكن عرف إن الجواز إن كان له علاقة بالدين فلأنه ابتلاء من الله يصطفي به من يشاء من عباده دعوه إلي التفاؤل، قال لهم: أنا محتسب راجيا الله أن يجازيني علي قدر بلائي.
صاحبنا ده اكتسب حكمته من «موقعة الصحاب» وهي أزمة يروح ضحيتها عدد لا بأس به من الأزواج تطحن رحاها زوجاً طلعت روحه وريقه نشف من أجل تصريح بالخروج ساعتين في يوم إجازته
صديقى هذا يعمل خمسة أيام أسبوعيا، يغادر منزله مع أول ضوء ليعود إليه والديكة تحتسى شراب اليانسون الدافئ استعدادا لوصلة صياح الفجر.
.. كل هذا معقول ومقبول فى ظل الظروف السوداء التى تعيشها الأسرة اقتصاديا، فإذا كان بابا مش موجود يبقى على الأقل فلوسه تبقى موجودة وأهى حاجة بتشيل حاجة.
ويمر الأسبوع فى أمان على نفس المنوال فى توافق عجيب قد يفوق التوافق ما بين الحصان والعربة التى يجرها خلفه.. كل تمام التمام.
إلى أن يأتى يوم العطلة الذى كما ينتظره صديقى بلهفة تنتظره زوجته بخطة عمل مكثفة تشتمل على شراء مستلزمات الأسبوع، والزيارات العائلية المؤجلة وقائمة بالخسائر المنزلية المراد ترميمها و... و... وكأن صديقى يقضى آخر أيام حياته.
ويستعمل صديقى دهاءه وقدرته على الكذب للهروب من ذلك كله فيدعى تارة أن السيارة بعافية ولازم تروح للميكانيكى، وأخرى يهرب بدعوى تقديم واجب العزاء فى والدة صديق، وهلم جرا من أعذار تقبلها الزوجة على سبيل السلف والدين ليكون يوم الإجازة المقبل مصادراً بلا أى رحمة أو أعذار.
إلا أن ما سبق كوم وطلب صديقى الخروج إلى أصحابه كوم تانى. سلم يارب، تتحول الزوجة إلى كائن غامض يصعب على الرجل أن يتنبأ برد فعله لترتدى الزوجة الوجه الخشبى وتطيل الصمت، وهو بمثابة السكون الذى يسبق العاصفة لحديثى الزواج أو المقبلين عليه.
ليقطع الزوج هذا الصمت..شوبنظرات طويلة وردود أفعال بطيئة ومقتضبة ترد الزوجة.
- حتى يوم أجازتك هتسيبنا وتنزل ؟!
- وهنا يشعر الرجل بمدى خسته ونذالته فيحاول تلطيف الأجواء مذكرا زوجته بحقه فى سويعات يقمن مزاجه.
معلش يا حبيبتى إنتى عارفه إنى طول الأسبوع من المكتب للبيت وفى واحد صاحبى حبيبى مسافر وعايز أقعد معاه شوية.
وهنا يبدأ ترمومتر الغيظ فى تسجيل أعلى مستوياته ليسمع الزوج ضجيجا ناتجا عن تعامل خشن من الزوجة مع أثاث البيت، وهى الإشارة إلى الامتعاض وحرقة الدم التى تعيشها الزوجة فى هذه اللحظة.
ليبدأ الرجل بقدر كبير من العبط الفطرى مجاراة الزوجة فى بعض الاهتمامات التى لا يطيقها أو يعيرها اهتماما، فيناقشها فى أحداث المسلسل التركى الذى لا يتابعه أصلا قاصدا من وراء ذلك قياس ضغط دم زوجته ومحاولة استشراف إلى أى مدى يمكن أن يذهب غضبها.
وعندما لا يجد الرجل جدوى من الحديث عن الاهتمام المشترك ينتقل إلى خطة الطوارئ المتمثلة فى خطاب الحنية والمسكنة.
فيجلس إلى جوار زوجته مداعبا إياها متحسسا شعرها خافضا من نبرات صوته قائلا:
إتى عارفة يا حبيبتى إنك كل حاجة فى حياتى وإن صحابى لو كانوا ألف واحد لا يمكن يبعدونى عنك- إنتى عارفة ببقى قاعد معاهم وبأفكر فيكى إنتى، بس فلان عنده مشكلة ومش لاقى حد يفضفض معاه غيرى وأنا بأحاول أساعده.
لتبدأ إشارات البشاير بموافقة الزوجة.
- هو صاحبك ده مش هيجوز بقى ويريحنا، وبالطبع هى كلمة مدروسة تدرك الزوجة تماما تداعياتها القادرة على قطع حبل الصداقة المتين الذى يحول بينها وبين زوجها.
وهنا يكون على الزوج إعطاء دفعة إضافية من الأمل فى محلول الدحلبة والخبث الموصل بوريد زوجته حتى يقترب من تحقيق حلمه فى سهرة صباحى مع الشلة رفاق الطفولة.
> إنتى عارفة يا حبيبتى إن شاء الله الأسبوع اللى جاى لا أصحاب ولا غيره عايز نقضى اليوم كله مع بعض نخرج نتفسح نتغدى بره زى أيام خطوبتنا أيام ماكنا فاضيين لا عيال ولا مسئولية.
وهنا تسرح الزوجة وتشرد بعقلها خارج جدران البيت وعيناها تلمعان مرددة: كانت أجمل أيام عمرنا يا حبيبى وكنا قريبين من بعض قوى.
وهنا يدرك الزوج أن احتمالات حصوله على الخروج الآمن المشرف قد تجاوزت النسب المسجلة عالميا وهنا يبدأ فى البحث عن تليفونه المحمول ليبعث برسالة لأصدقائه يؤكد فيها تجاوزه مرحلة التفاوض بنجاح، وأن اللقاء فى نفس الموعد والمكان الذى تعودوا اللقاء فيه.
..وبعد لحظات تشعر الزوجة بالهزيمة بعد أن تعود إلى أرض الواقع بعد سفر قصير إلى أرض الأحلام، وتدرك أنها قدمت تنازلا بلا مقابل فتبادر الزوج وهو يتهيأ للخروج متمنية تعكير روقانه :
هتغيب ؟!
- وهنا يستشعر الزوج نبوبة فوقان مبكر من زوجته فيرد :
لا أبدا ساعة ساعتين ده أنا حتى تعبان ما إنتى شايفة دوختى طول الأسبوع.
- طيب ايه رأيك أروح لماما أقعد معاها وأنت راجع نرجع سوى.
لا مش هينفع إنتى عارفة ماما بتنام بدرى.
- أنت مش قولت ساعة ساعتين.
.. وهنا يدرك الزوج أنه لا ملجأ ولا منجى من هذا المزنق إلا خناقة أمريكانى على الماشى تضع حدا لمناورة الزوجة.
ويصيح الزوج : هو أنا كل ما قولك خارج مع صحابى يركبك عفريت حرام عليكى ده يوم فى الأسبوع أنا زهقت.
لتبدأ الزوجة وصلة بكاء مرددة : أنا اللى زهقت من العيشة بالطريقة ديه.
وهنا يغادر الزوج المنزل ومع أولى درجات السلم يبدأ عقله فى التفكير فى رحلة العودة التى بالتأكيد ستتطلب جهدا مضاعفا لإقناع الزوجة بأن فيها شيئاً لله فالخروجة اتقلبت نكد وعمل حادثة وهو راجع وصاحبه أصيب بالتسمم من مشروب القهوة وإن الفسحة اللى اتخانقوا عليها كانت زى الزفت وأنها لم تكن لتستحق كل هذه المناطحة معه وبالطبع هذا يسعد الزوجة ويؤكد لها مساندة السماء لمظلمتها بالانتقام من الزوج الماكر.
وبالفعل أثنيت على خطة صديقى الجهنمية ووعدنى بأنه سيأتى على يوم أستعمل فيه أساليبه كمرجع أكاديمى فى التزويغ الزوجى، مؤكدا لى انطلاء الحيلة على زوجته المسكينة ومن يوم لقائنا وأنا أحاول الاتصال به إلا أنه لا يجيب ولم تتبق لى إلا متابعة صفحات العزاء بالجرائد لعلنى أجد فيها ما يشير إلى فشل خطته وأنه اختار السماء الرحبة بديلا للأرض التى ضاقت به، فإلى جنة الخلد يا صديقى الشجاع
ساحة النقاش