حزب المتحولين
ضمائر تحت الطلب
كتبت :مروة لطفي
علي الساحة السياسية يتألقون لبراعتهم في الإشادة بالحكام وإلصاق الاتهامات بكل من يناوئهم في قطاعات العمل، يتميزون بقدرتهم الفائقة في الوصول لرؤسائهم وتنفيذ تعليماتهم بصرف النظر عن قناعتهم من عدمها .. بين نجوم المجتمع يتواجدون لمهارتهم العالية في اقتحام دهاليزهم، لذا يتم دعوتهم في جميع المناسبات الهامة .. وبجميع وسائل الإعلام يتحدثون ويحللون الأحداث وفقاً لما تمليه عليهم مصالحهم .. لأنهم ببساطة شديدة يكذبون .. يتلونون يتحولون، فهم حقا رجال لكل العصور!. وحولهم كانت تلك السطور
بدايتنا كانت مع تاريخ ظهورهم فى مصر، وهو ما يحدثنا عنه د. عبدالحليم نورالدين- رئيس الهيئة العامة للآثار السابق- قائلاً : من عهد المصريين القدماء.. كان هناك بعض المسئولين الذين نجحوا فى الاستمرار والتواجد على مدار أكثر من عصر، أبرزهم بعض القادة العسكريين الذين استمروا مع ملكين أو ثلاثة بحد أقصى.. كذلك بعض الوزراء ورجال الدولة وهو ما كشفت عنه سيرهم الذاتية المدونة على البرديات التى تحدثت عن شهرتهم بالكفاءة..
ورغم صعوبة المقارنة بين التاريخ القديم والمعاصر، فإن الفساد موجود فى كل زمان والاختيار فى مجتمعنا يعتمد منذ القدم على أهل الثقة أكثر من الكفاءة والخبرة، فإذا نظرنا فى التاريخ المعاصر نجد أن هناك 3% استمروا فى مناصبهم عبر العصور المختلفة لكفاءتهم، بينما الغالبية العظمى استمروا لنفاقهم فضلاً عن الوساطة التي لا تزال تتدخل فى الاختيار بدءاً من المناصب الدنيا حتى العليا بالدولة.. وقد بدأت الوساطة تظهر فى مصر منذ الفراعنة من خلال الكاهن الأكبر الذى يعين ابنه، إلا إنها لم تكن منتشرة ومستفحلة مثلما حدث فى مصر مؤخراً، ما دفع المصريين بجميع طوائفهم للثورة على الفساد ولكي يكتمل نجاحها يجب التخلص من كافة المتحولين ليبنى الاختيار على أساس الكفاءة والخبرة وتعطى الأولوية للشباب.
حكم الثورة
عندما نجحت ثورة 25 يناير فى إسقاط النظام، اعتقد معظمنا أن تلك الثورة هى بداية لنهاية المتلونين بكل العصور إلا أننا فوجئنا باستمراريتهم بل ووصل بعضهم لمناصب أعلى.
وتفسر الكاتبة الصحفية فريدة النقاش- رئيسة تحرير جريدة الأهالى- هذه الظاهرة قائلة: رغم أن النفاق موجود فى كل العصور، فإن صوره تفاقمت بعد الثورة، ويرجع ذلك إلى عدم وصول الثورة إلى الحكم حتى الآن.. فقد اقتصر نجاحها على إزاحة مبارك وبعض أعوانه، لكن بقى تلاميذهم الذين تخرجوا فى مدرسة نظامهم فى المواقع المختلفة حتى الآن بل بعضهم تقلد مناصب أعلى.. وربما لو حكمت الثورة لكنا تخلصنا منهم.
وتؤكد النقاش أنه فى حالة نجاح الثورة المضادة سنجد نفس هؤلاء يعودون لمسارهم القديم.
وللأسف أدت تلك النماذج الفاسدة لفقدان الثقة في الاعلام، لذلك أري الأمل الوحيد فى التخلص منهم هو انتصار الديمقراطية وتطبيق ميثاق الشرف الصحفى فضلاً عن ضرورة ازدراء كافة فئات المجتمع لهم.
النفاق
أما الكاتب مجدى صابر فيرى أن النفاق هو الإطار العام الذى تدور حوله شخصية هؤلاء فمن خلاله يتقربون إلى السلطة...
وللأسف أشهر هؤلاء المنافقون يتواجدون بين طبقة المثقفين من كتاب وصحفيين فضلاً عن بعض السياسيين، ولو تتبعنا تاريخ هؤلاء بدءاً من قيام ثورة يوليو 52 لوجدنا أن أعضاء الاتحاد الاشتراكى هم أنفسهم أعضاء حزب مصر ثم الوطنى، وقد توفي اشهرهم قبل ثورة 25 يناير بعدما لعب العديد من الأدوار التى أثرت على سياسة مصر.
ولا يختلف الوضع كثيراً علي الساحة الإعلامية، حيث يستغل بعض المتحولون تسامح الشعب المصرى من خلال تركيبتهم المتلونة، فيتلاعبون بالألفاظ حتى يؤثروا على الناس ليسامحوهم، فيظلوا متربعين على القمة عبر العصور المختلفة.. لهذا أرى أن أفضل وسيلة لمحاربتهم هي توعية المجتمع بأفعالهم حتى يواجهوا برفض شعبى يساعد على التخلص منهم..
مرحلة مرتبكة
تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لاتستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.. بهذه المقولة بدأت الناقدة ماجدة خيرالله حديثها وأضافت : إننا نمر بمرحلة مرتبكة لذلك لا أحد يحاسب، لكن عندما تستقر الأوضاع ويأتى وقت الحساب سوف يلقى هؤلاء المتحولين جزاءهم..
وهو ماكشفت عنه الدراما فى العديد من الأعمال أبرزها شخصية خالد صفوان فى فيلم «الكرنك» فرغم ما حققه من مكاسب إلا أنه أول من حوكم بعد سقوط النظام ؟! كذلك عبرت الدراما التليفزيونية عن العديد من هؤلاء أبرزهم شخصيات مسلسل «زينب والعرش»، وشخصية حلمى خليفة التى أداها الفنان سامح الصريطى فى مسلسل «ليالى الحلمية» حيث جسد الشخصية المتلونة التى حصدت المناصب القيادية بكتابة التقارير الأمنية فى عهد جمال عبدالناصر، واستمرت فى تلونها عبر عهد السادات ومبارك لتتقلد أعلى المناصب فى كافة العصور..
وترى خيرالله أنه رغم استخدام هذه الشخصية من قبل المسئولين إلا أن التخلص منهم ممكن فى حالة اكتشافهم، لكن بعضهم يتمتع بقدرة فائقة على التلون كالحرباء، ومن ثم يصعب القضاء عليه ولم تبق سوى وسائل التكنولوچيا الحديثة كالفيسبوك وتويتر لفضح أمرهم خاصة، بعد ما أكدت التجارب مدى تأثير تلك الأدوات ودورها فى تشكيل أفكار المتعاملين معها..
زوجي فهلوي
وإذا كانت الغالبية العظمى من الناس تعرف حقيقة هؤلاء المتلونين.. فكيف يراهم أهل بيئتهم ؟! سألت زوجة أحد أبرز المتحولين عن رأيها فى زوجها فقالت :
لاشك أن كل مايقال عن زوجى أبعد ما يكون عن الواقع.. فالناس تغار منه لما يتمتع به من مهارة.. فهو حقاً رجل فهلوى يستطيع النجاح فى كل العصور فلماذا كل هذه الانتقادات ؟!..
وعلى عكس الرأى السابق أكدت زوجة أخرى على مقتها لأسلوب زوجها لذلك ترفض الظهور معه فى أى من جلسات النفاق التى يتواجدون، وكثيرا ما فكرت فى الطلاق منه لكن حرصها على مستقبل أبنائها يمنعها..
معايير مفقودة
ونظراً للدور المؤثر فى كافة المناحى السياسية والعملية التي يلعبها بعض هؤلاء المتلونين، فكان من الضرورى التعرف على الأبعاد الاجتماعية والنفسية لهم ومعرفة الطريقة المثلى للتعامل معهم..
تقول د. سامية خضر -أستاذة الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس-: هناك أكثر من بعد اجتماعى أدى لظهور هؤلاء المتحولين فى مجتمعنا.. فكانت بداية تألقهم بعد قيام ثورة 23 يوليو، وإنشاء الحزب الاشتراكى والذى اعتمد تشكيله على العمال، الفلاحين، الموظفين باعتبارهم الفئة مهضومة الحقوق، ومن ثم سعى الحزب لتثقيفهم لمحاربة ما سمى آنذاك بالرأسمالية المتسلطة، فتم تدريبهم على القيادة ليتحكموا فيما بعد بزمام أمور الحكم فى الدولة.. ومن ثم أدى تعظيم بعض المنتمين للطبقة البسيطة إلى ميلهم لمن ينافقهم ويشيد بسياستهم.. من هنا بدأ المنافقون فى الظهور وازداد تلونهم نتيجة فقدان المعايير الإدارية والاعتماد على أهل الثقة عند الاختيار..
ولأن الشخصية المصرية تعتمد على الفهلوة أكثر من المهارة، نجح هؤلاء فى تحقيق العديد من المكاسب.. لذلك نحتاج لعدة خطوات حتى نقضى على هذه النماذج، منها البحث عن المهارة والخبرة كركيزة أساسية فى الاختيار، مع ضرورة تغليب الصالح العام على الصالح الشخصى.
ولكى نصل لذلك يجب البدء من النشأة الأولى بمعنى نشر أخلاقيات المهنة لدى الصغار أثناء الفترة المدرسية بالتدريب على التعاون والمشاركة لتكون الأفضلية للأكثر كفاءة.
قوة الإرادة
وعن السمات الشخصية للمتحولين تقول د. ليلى الموصلى - أستاذة الطب النفسى بجامعة الأزهر-: عادة مايتمتع هؤلاء بنسبة ذكاء تساعدهم على فهم الموقف حولهم لذلك يعرفون متى يظهرون والوقت الذى يجب فيه أن يتواروا، لذلك يختفون تماماً أثناء فترات التغيرات سواء على الساحة السياسية أو العملية حتى تتضح الرؤية فيسرعون بارتداء عباءة القوى الجديدة ليظهروا تضامنهم معها.
لهذا يلجأون للوسطية عند التعامل مع معارضيهم حتى يستطيعوا التراجع إذا لزم الأمر.. كذلك هم أبعد ما يكونون عن الانفعالية، فالبرود من سماتهم الأساسية بالإضافة لاستعدادهم للتنازل عن أخلاقياتهم مقابل الوصول لما يريدون.
فالتواجد والبقاء هما الأساسيان، لذلك يتميزون بقوة الإرادة للحفاظ على بقائهم.. ورغم معرفة الجميع بحقيقتهم إلا أن أصحاب السلطة يلجأون لهم ويرجع ذلك لاستخدامهم كأداة تحقق المصالح.. الأمر الذى يفسر استمرارية المتحولين فى العصور المختلفة.. وجدير بالذكر أن تجنبهم هو أفضل وسيلة للتعامل معهم لأن أى اصطدام بهم سوف يساعدهم على تحقيق مزيد من النجاحات وذلك لقدرتهم الفائقة فى استخدام معارضيهم «كديكور» يثبتون من خلاله ولاءهم لرؤسائهم ويبرزون قدرتهم الفائقة على التسامح مع من يسئ إليهم لذلك يعتبر الابتعاد عنهم الطريق الآمن للوقاية من شرورهم
ساحة النقاش