استقيموا يرحمكم الله

كتب :محمد الحمامصي

 شاع الكذب وأصبح وباء يرعي بعفنه في ألسنة وأفئدة الكبار والصغار إلا من رحم وحفظ ربي، وذلك بفضل بعض ممن كنا نظن أنهم من أولي الأمر وأهل القدوة والأسوة الحسنة، لم يتورعوا من أجل منافعهم الدنيوية الزائلة وسعيهم الشهواني المقيت للسلطة والنفوذ ـ دون سند من برنامج أو رؤية واضحين ـ أن يكذبوا ويحلوا كذبهم مستغفلين ـ من الاستغفال ـ أو مستغبين ـ من الاستغباء ـ المواطنين البسطاء من أبناء مصر، فترتفع أصوات هؤلاء المواطنين هاتفة بالتأييد لهم في السرادقات والشوادر والشوارع وهلم جرا.

 يرتكب هؤلاء الأكاذيب واعين ومدركين تارة بالتزوير وتارة بالتلفيق وتارة بالإدعاء والتفخيم والتفاخر، يرتكبون ذلك مع سبق الإصرار والترصد، ويتلقى البسطاء منهم ذلك غير منتبهين أو ناسين أو "مطنشين" تحت وطأة فوضى وعبثية المتاجرة واللهو بمصائرهم وأرواحهم وأقواتهم ومعايشهم واستقرارهم والأخطار المحدقة بمستقبلهم، وهكذا تمضي الأمور، لكن الصمت والنفاق والهوى يدفع هؤلاء الكذابين إلى أن يصدقوا أكاذيبهم بل يعتبرونها آيات منزلة وتاريخا ينبغي أن يدرس، ويظلون على غيهم يبنون ويشيدون صروح الكذب والظلام والضلال إلى درجة الكبر والغرور والعمى، وما نشهده الآن على المسرح السياسي المصري خير دليل على ذلك.

 كيف يمكن للمرء أن يعيش تحت سقف وطن يعرف أن رئيسه القادم كاذب، يغير أقواله كما يغير ثيابه وأحذيته، كيف له أن يأمن على مستقبله ومستقبل أسرته ووطنه، يكفى ما عشناه من عمر حتى 11 فبراير 2011 لنطيح أول ما نطيح بزمرة من الكذابين الذين استمرءوا الكذب، فاستحلوا به كل شيء، كل شيء في هذا الوطن العزيز.

 يا لهول ما جرى ويجري في السباق الرئاسي على مدار الأشهر الماضية وحتى الآن، لو حللنا ما قاله كل مرشح محتمل لربما قررنا بمحض إرادتنا وعن طيب خاطر استدعاء مستشفى الأمراض النفسية والعصبية "الخانكة" وارتضينا بغرف فيها لمعالجة الخلل بل الفساد العقلي الذي أصابنا جراء ذلك، فنحن لن نجرؤ على مطالبة هذه النخب التي ترى في ذواتها تفوقا وقدرة وقدوة تليق بحكم مصر، أن تفعل هذا، لذا نضحي ونجن ونطالب بعزلنا كمجانين ليحكموا هم.

 لن نضرب أمثلة، فما أكثرها وأكثر تنوعها وثرائها، والحمد الله الذي وهبنا العقل الذي اخترع الانترنت ليسجل كل كبيرة وصغيرة يتم تداولها عليه سواء من خلال المواقع الالكترونية أو صفحات التواصل الاجتماعي أو المدونات وغير ذلك، ومن ثم يمكن الرجوع إلى كل ما قيل مكتوبا أو مرئيا أو مسموعا.

 إن مصابنا جلل، ويحمل أخطارا بدأت بوادرها تلوح في الأفق متمثلة في انقسامات ومصالح وأهواء تهدد بصدام بين المتناحرين على السلطة وما أكثرهم، يجني وسوف يجني عواقبه الوخيمة بسطاء هذا الشعب، باعتبارهم وقودا لأكاذيب هذا الفريق أو ذاك.

 أين موقع ومكانة مصر والخوف على مستقبلها من هذا الفريق أو ذاك؟ هل من أحد يراه؟ شخصيا لم أره، ففتن الكذب أصبحت كقطع الليل المظلمة، وليس معنى قول هذا أو ذاك أنه ترشح للرئاسة استجابة وتلبية لنداء مصر وشعبها إلا أكبر فتن الأكاذيب، يخرج هذا أو ذاك باسم مصر والوطنية والولاء، باسم مصلحة المصريين ومستقبلهم وهو لا يبحث إلا عن إرضاء غروره وكبريائه والحفاظ على ما في حوزته من مكاسب.

 لا نطعن لكن هذا ما نراه ونسمعه ونستشعره وتحمله نبرات ورسائل هذا وذاك.

 ما الحل إذن؟ الحل هو الحرية والحرية فقط لا غير .. أن يستفيق الشعب ويقف بحزم ضد استغفاله واستغبائه، وأن يطوي صفحة المرحلة الانتقالية بجرائمها واضراباتها واعتصاماتها وانفلاتاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، مستعيدا وعيه وأهدافه ومطالبه "العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية"، قابضا على رمح الحرية ومصرا على تحقيقها.

 أما مصدرو الأكاذيب فنقول لهم: لقد انكشفتم وبدت الأكاذيب من أفواهكم فلملموا شرورها .. استقيموا يرحمنا ويرحمكم الله حتى يرى الشعب حريته ويختار مستقبله

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1125 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,732,821

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز