الاعتصامات وسط غياب ثقافتها وشروطها

مراهقة ثورية أم انتهازية فئوية؟!

كتبت :مروة لطفي

  فى وسائل المواصلات ..إضرابات السائقين تعطل أشغال المواطنينأمام مجلس الشورى ..احتجاجات ومطالبات تغلق الشوارع وتعطل حركة المروروالنتيجة عرقلة عجلة الإنتاج ومزيد من الخسائر الاقتصادية .. فإلى أين تأخذنا الاعتصامات الفئوية ؟!

نبدأ حديثنا مع الكاتب الصحفى صلاح عيسى الذى تحدث قائلاً : لاشك أن تراكم المظالم وطول أمد انتظار أصحابها دون أن يستجيب لهم أحد مع شعورهم الكامن بعدم الاستجابة لمطالبهم دون الضغط للحصول عليها أدى لزيادة الاعتصامات الفئوية .. ومشكلة هذه الاعتصامات تنحصر فى عدم وجود قانون ينظمها ، ويضع شروطا لحق الإضراب ويحدد طرق التفاوض والجهات المنوط بها اجراؤها ، ومن ثم تأتى الاعتصامات بشكل جزئى مما يضعف تأثيرها و يضفى عليها نوعا من الفوضى.

وجدير بالذكر أن الإضرابات العمالية والاعتصامات عرفتها مصر ما بين فترتى "1919 و 1952" فكان للعاملين المصريين خبرة فى الأسلوب السليم الذى تتم من خلاله الاعتصامات ,.. بعدها انقطعت تلك الاعتصامات على مدار 60 عاماً أو أقل لتظهر بشكل طفيف أو بمعنى أدق "جنيني" فى عهد السادات ثم مبارك .

ولأن حق الإضراب السلمي الذى لا يؤثر على عجلة الإنتاج مرتبط بالعمل النقابى فنحن بحاجة لتحرير النقابات وتشريع قانون لممارسة حق الإضراب وتحديد جهات للتفاوض، ومهلة زمنية لتنفيذ ما أسفر عنه ذلك التفاوض يعقبها درجات تصعيدية قبل الوصول للإضراب التام ... فإذا حدث ذلك يمكن تلافى السلبيات الناجمة عن الاعتصامات وتنفيذ مطالب الفئات المختلفة قبل تفاقمها .

ثمن الديمقراطية

- ويضيف صلاح عيسى أنه رغم عرقلة عجلة الإنتاج بسبب الاعتصامات الفئوية إلا أن الحرية قادرة على تنظيم نفسها بنفسها تدريجياً .. فتلك الاعتصامات تخل بالاستقرار الذى نصبو إليه لكنها على المدى البعيد سوف تعرف طريقها الصحيح , وهو ما يعد ثمناً للديمقراطية الحقيقية والتى تحتاج 10 سنوات تقريباً وفقاً لتاريخ الشعوب التى سبقتنا فى الوصول لممارستها الفعلية.

احتجاجات اجتماعية

بينما ترفض الكاتبة الصحفية فريدة النقاش- رئيس تحرير جريدة الأهالى- لفظ اعتصامات فئوية بل تراها احتجاجات اجتماعية نتيجة عدم تحقيق مطالب الثورة المنحصرة فى عيش .. حرية ..كرامة.. عدالة اجتماعية .. و لأن الأسعار لاتزال فى ارتفاع مستمر رغم الثورة فكانت النتيجة استمرارية تلك الاحتجاجات .. لذا نؤكد على ضرورة إعادة النظر فى السياسات التى وضعها مبارك وحكومته التى أدت للأزمات التى مازلنا نعانى منها حتى الآن حتى يتسنى لنا القضاء على الخلل الذى صنعه النظام السابق و أفرز التفاوت الشاسع بين الأغنياء والفقراء، وحتى يحدث ذلك يجب التفاوض مع المحتجين بشرط أن تتسم المفاوضات بالصراحة والوضوح حتى يعرف كل طرف الإمكانيات التى على أساسها يمكن الوصول للحد الادنى من مطالبه.

محاسبة المخطئين

ويؤكد كاتبنا الكبير د. لويس جريس على ضرورة استدعاء المسئولين فى مواقع العمل التى تحدث بها اعتصامات فئوية والتعرف منهم عن سبب وصول الأمر لتلك الإضرابات باعتبارهم المسئولين عما يحدث من جراء سوء إدارتهم وعدم مصارحتهم للعاملين بمواقعهم عن الإمكانيات الحقيقية للجهة التى يعملون بها مما أدى لمطالبات فوق إمكانيات تلك الجهة .

لهذا أرى أن الحل فى التعامل مع الاعتصامات الفئوية لا يتأتى بالمنع لكن بمحاسبة المسؤلين عن تدنى أوضاعهم المعيشية وتعيين قيادة مسئولة فى تلك المواقع تصارح العاملين بحقيقة وضع الجهة التى يعملون بها وتضع خطة زمنية يشارك فيها الجميع للنهوض بالجهة التى يعملون بها.

أزمة ثقافية

و إذا كانت الاعتصامات أصبحت وسيلة يستخدمها البعض للتعبير عن مطالبهم .. فما الأبعاد الاجتماعية والنفسية التى أدت لزيادتها بعد الثورة, وماذا عن الأساليب السليمة للاعتصام حتى لا نعطل مصالح الآخرين ونعرقل عجلة الإنتاج فيفقد الاعتصام الهدف منه ؟!.. تقول د. سامية خضر- أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس- : رغم الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها الآن إلا أن الأخطر منها الأزمة الثقافية فى التعبير عن مطالبنا ليتحول السلوك إلى الأخذ فقط قبل التفكير فى العطاء .. فالجميع يريد تحسين معيشته وهو مطلب مشروع وطبيعى لكن أن يتحول إلى وسيلة توقف عجلة الإنتاج فهنا يكمن الخطر لأنه ببساطة لن نجد دخلا، ومن ثم يتوقف العائد الذى تتوزع من خلاله الأرباح .. لذا أرى ضرورة الشفافية و المصارحة من قبل المسؤلين بالدولة بحقيقة الوضع الاقتصادى حتى يتكاتف الشعب بجميع أطيافه للخروج من عنق الزجاجة بدلاً من تلك التطلعات اللانهائية التى أنفجرت عقب الثورة، ومن ثم أصبح الكل يريد التحقيق الفورى لمطالبه وكأن المسئولين يملكون مفتاحا سحريا للإصلاح .

وأذكر رائد الاقتصاد طلعت حرب حين تبنى مشروعاً لنهضة مصر تحت مسمى "مشروع القرش" حيث تبرع كل مواطن بقرش صاغ من راتبه للنهوض بمصر ... كذلك لا ننسى موقف المصريين الذين تبرعوا بأجزاء من راتبهم للمجهود الحربى بعد النكسة .. فكل هذه النماذج وغيرها تكشف عن موقف المصريين المشرف فى مجابهة الأزمات .. ولأننا نمر حالياً بأزمة اقتصادية طاحنة، فضلاً عن استهداف أمن واستقرار بلدنا من قبل الكثيرين فعلينا أن نتكاتف ونتخلى قليلاً عن مطالبنا حتى نصل بمصرنا الحبيبة لبر الأمان.

وتضيف د. سامية: إن الاعتصامات والإضرابات معروفة فى جميع بلدان العالم المتقدمة لكنها تنظم بشكل لا يعرقل الإنتاج، بمعنى تحديد مدة معينة لها بعدها يتم تدارك ما فات فى تلك الفترة بحيث لا يؤثر الاعتصام على العائد الكلى للإنتاج، وهى ثقافة سلوكية تحتاج لتدريب . حاجز الخوف ويؤكد د. إسماعيل يوسف- أستاذ الطب النفسى بجامعة قناة السويس- أن انكسار حاجز الخوف الذى أعقب الثورة وراء تزايد الاعتصامات وهو ما يعد أمرا طبيعيا مصاحب لأى ثورة .. فعندما يخرج الصامت من قمم القمع الذى سكنه على مدار سنوات لا يمكن لأحد إخماده إلا بالعدل .. لذا علينا أن نحتمل هذه الفترة حتى يأتى العدل الذى حلمنا به جميعاً فكانت ثورة 25 يناير. وجدير بالذكر أن نشر ثقافة الاعتصام الإيجابى يحتاج لبعض الوقت حتى تهدأ الأمور. لذلك علينا تحمل تلك الفترة لأنه من المؤكد أنها أولى الخطوات لمستقبل أفضل .

الصوت العالي

وتشير د. سهير صالح- مدرس إعلام تربوى بكلية تربية نوعية جامعة القاهرة- إلى أهمية التوعية بثقافة الاعتصام قائلة: من المؤسف أنه أصبحت الاعتصامات فى الفترة الأخيرة مستفزة، وتحول الصوت العالى إلى أسلوب لتحقيق المكاسب , الأمر الذى يؤثر على السلوك الحضارى ويهدد سير العمل والتطور .

ورغم أن ما يحدث قد يكون وضعا طبيعيا مصاحب لسنة أولى ديمقراطية إلا أننا بحاجة لتعلم ثقافة الاعتصام والكيفية السليمة للمطالبة بالحقوق. وعلينا البدء بأنفسنا أولاً حتى نكون قدوة لأبنائنا فنعلمهم الأسلوب الأمثل للوصول إلى مطالبهم دون تعطيل مصالح الآخرين.

فهناك عدة وسائل نستطيع من خلالها التعبير عن مطالبنا دون عرقلة الإنتاج أو إحداث ضرر بمصالح الناس، منها تقسيم الموظفين بحيث يؤدى بعضهم واجبه الوظيفى بينما يعبر الباقون عن مطالبهم نيابة عنهم ,.. كما يمكن تخصيص ساعات معينة للاعتصام و غيرهما من الأساليب السلمية التى لا تؤثر على دولاب العمل

وتضيف د. سهير أن نشر ثقافة الاعتصام الإيجابى يعتمد على تضافر عدة مؤسسات أولها الأسرة التى يلقى على عاتقها تعليم أبنائها من الصغر الأسلوب السلمى الهادئ عند المطالبة بعيداً عن الصوت العالى، ثم يأتى دور المدرسة فى تعريف الطالب بالوسائل المشروعة عند الشكوى من وضع يرفضه، بعدها يأتى دور الجامعة متمثلاً فى أساتذتها والذى يقع عليهم عبء توعية الطلبة بكيفية تنظيم الاعتصامات بأسلوب حضارى.

وأخيراً الإعلام فهو يلعب دورا رئيسيا فى نشر الثقافات المختلفة. لهذا أتمنى أن يتبنى المسئولون عنه خطة إعلامية من خلالها يتم نشر ثقافة الاعتصام الإيجابى حتى نحقق الأهداف التى من أجلها قامت ثورة 25 يناير

المصدر: مجلة حواء -مروة لطفي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,867,690

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز