بين الفتور و الحماس

مشاعر المصريين على المرجيحة

كتبت :مروة لطفي

في الميادين ..هناك الكثير من المعارضين يعربون عن مواقفهم السياسية بالتظاهرات تارة و الاعتصامات تارةً أخرى

في الشوارع .. كبار و صغار يجوبون المقاهي و المحال التجارية بحثاً عن وسيلة ترفيه ... و بينهما ,.. رجال و نساء من مختلف الأعمار سئموا الأحداث الجارية فانتابتهم حالة غير مفهومة من التناقضات النفسية .. فلا هم قادرون على التفاعل مع التظاهرات .. و لا استطاعوا محوها من أجندة اهتمامهم .. و النتيجة إصابتهم بما يسمى " اللامبالاة"!... حواء رصدت مشاعر كل هؤلاء و تساءلت عن آثارها على مستقبل مصر ..

فكانت تلك السطور

بدايتنا كانت من ميدان التحرير حيث التقينا بمجموعة من الشباب و هم أحمد عيد "طالب بكلية التجارة" ,وهيثم صبرى " طالب بكلية الحقوق" , وعماد جرجس " طالب بكلية الهندسة " تحدثوا جميعاً بحماس شديد مؤكدين على استمرارية الثورة حتى تتحقق المطالب التى قامت من أجلها . و أضاف "هيثم" أن مشاعر الثوار المشتعلة لن يستطيع أحد إخمادها مهما طال الوقت أو صعب طريق الوصول إليها ..

وتتفق "داليا البدرى" طالبة بكلية التجارة- مع الآراء السابقة و تضيف.. أن ما تعرضت لهن البنات من عنف و تحرشات فى الميدان جعلهن أكثر إصراراً على استكمال المشوار .

بعيداً عن السياسة

وإذا كان البعض لا يزال محتفظاً بحماسه الثورى .. فهناك من فقده تماماً منهم "عبير عبد المحسن" موظفة حيث تقول : حتى وقت قريب كنت متوقفة تماماً عن التفكير في أى شيء بعيداً عن الشأن العام لكن مع بقاء الأحوال على ما هى عليه و عدم شعورى بأى تغير طرأ على البلد فقدت حماسى تدريجياً و أصبحت أقضى وقت فراغى فى المتنزهات أو مشاهدة أية قناة تلفزيونية بعيدة عن السياسة !

"إذا زادت المظاهرات عن حدها انقلبت إلى ضدها" .. بهذه العبارة بدأت "نهى أحمد"ربة منزل حديثها و أضافت ..أن كثرة المليونيات التى أصبحت كل يوم جمعة تقريباً أفقدتها قيمتها , كما أن ما صلح فعله مع نظام سابق لا يشترط نجاحه فى حالة تكراره . لذا أرى عدم الجدوى مما يحدث وقد أصبحت أشعر بنوع من اللامبالاة تجاهه !

تناقضات نفسية

ولأن مشاعر الناس باتت تتأرجح بين الفتور و الحماس فكان من الضرورى معرفة انعكاسها على الشأن العام و هو التساؤل الذى وجهناه لعدد من المثقفين منهم الكاتب الصحفى الكبير د. "لويس جريس" فقال : ما يحدث يعد من الأمور الطبيعية .. فعندما أشاهد تكرار يومى للأحداث دون جديد فمن الطبيعى أن أنصرف عنها .. فحتى فترة الانتخابات الرئاسية كان الجميع مهتم بكل كبيرة و صغيرة حوله بصرف النظر عن اتجاهه لكن بقاء الحال على ما هو عليه أثر على الحالة المعنوية للكثيرين مما انعكس على درجة اهتمامهم بالأحداث

و يضيف جريس أنه على الرغم مما يحدث على الساحة السياسية و ما صاحبه من تناقضات نفسية لمشاعر المصريين إلا أنه متفائل بل و يعتبره مؤشرا إيجابيا لرؤية الناس و اختياراتهم في الانتخابات القادمة .. فمصر معروفة بالصمود و الصبر لكنها تنتفض وقت اللزوم و كما يقول المثل " دوام الحال من المحال".

وتتفق الناقدة الأدبية الدكتورة "عزة هيكل" عضو المجلس القومى للمرأة مع الرأى السابق و تضيف ..أن حالة الإحباط التى أصابت البعض تعتبر مؤشرا سلبيا لكنه خاص بكبار السن ، على عكس الشباب فهم مازالوا محتفظين بحماسهم مما يؤكد على حتمية التغيير للأفضل . و الدليل على ذلك ما يحدث من تحركات شعبية في بعض المحافظات , و ما تنظمه النساء من وقفات و احتجاجات .. فقد لا يشعر البعض بأهميتها لكنها أكثر عمقاً في رأيي و يرجع ذلك لتفهمنا أكثر لأصول الديمقراطية و قواعدها .. فسقوط نظام لا يكفي لإحداث التغيير إنما الأهم تغير الأسلوب الذى تدار على أساسه الأمور.

و تعترف د.عزة هيكل بشعورها بخوف شديد يوم 11 فبراير 2011 حتى أنها كتبت يومها قصيدة بعنوان "فلتسقط كل الأشياء " و تفسر حالة الرعب التى انتابتها إلى قراءتها لتاريخ الشعوب و تضيف : ما حدث شبهنى بطالب ألتحق بالامتحان دون استذكار و نجح فاعتقد أنه يستطيع الحصول على الدراسات العليا بنفس الطريقة .. فقد نجح الشعب في إسقاط نظام بثورة سلمية فى 18 يوما فقط . و اعتقد أن سبب نجاحه يرجع لشيخوخة هذا النظام و هرمه لحد التعفن مما سهل القضاء عليه بهذه السرعة لكن تصور امكانية الوصول لأهدافنا بهذه السهولة هو الخطأ الذى أدى لإحباط البعض . لذا أناشدهم بالاحتفاظ بحماسهم فتكرار المليونيات قد لا يغير إنما يعد ورقة ضغط لعدم الخروج عن أهداف الثورة.. لهذا أشعر حالياً بسعادة غامرة لأن المصريين عرفوا أهمية صوتهم مما يؤكد على أننا نخطو نحو الطريق السليم .

المفاجأة القادمة

تشير الكاتبة الصحفية " فريدة النقاش" رئيسة تحرير جريدة الأهالي-إلى تناقض الوضع الحالي بين الإيجابية و السلبية و توضح قائلة : لاشك أن الثوار الذين خرجوا في يوم 25 يناير من العام قبل الماضي استمروا بنفس الروح المرتفعة و الإصرار على مطالبهم و هذا شيء إيجابي ,بينما انتاب الجمهور الذى أنضم للثوار يوم التنحي السأم من انعدام الأمن ,و تدهور التعليم , و الخدمات الصحية فضلاً عن سوء الأحوال الاقتصادية مما أدى لشعورهم باليأس و الإحباط و هو أمر سلبي قطعاً. لكني على يقين أن هذا التناقض في المشاعر سوف يأتي بمزيد من الاحتجاجات التى تحرك المياه الراكدة لتحمل إلينا مفاجأة لا استطيع تحديد ماهيتها حالياً لكني أتوقع أنها في صالح الوطن .

إيجابي لا محالة

هذا عن آراء المثقفين , فماذا عن موقف أساتذة الاجتماع و علم النفس مما طرأ من متناقضات على مشاعر المصريين ؟ و هل حالتهم النفسية سوف تصب فى الصالح العام أم العكس ؟!

يقول د."على ليلة" أستاذ علم الاجتماع السياسي : لاشك أنه لا يوجد ثورة في العالم اجتمع الجميع عليها .. فهناك دائماً كتلة خاملة و أخرى متحركة . و عادة ما تنشط الكتلة الخاملة عند بداية نجاح أية ثورة فينتابها الأمل الذى سرعان ما ينطفئ إذا تأخرت مطالبها وهو ما يكشف سر حالة الفتور التى أصابت البعض ،على عكس الكتلة المتحركة التى اعتادت على النضال فيصعب أن تنكسر بفعل اليأس .. و يضيف د."ليلة" أن ما يحدث هو شىء إيجابي بكافة المقاييس فيكفي أننا تخلصنا من كارثة التوريث التى لو كانت تمت لكنا دخلنا في ما لا يحمد عقباه . كما كشفت الثورة عن سياسات التيارات الدينية و المعارضة مما يجعل الشعب يعرف بالضبط الأساس الذى يجب أن يتبعه فيما بعد لذا أرى أننا أمام ثورة ثانية لكنها أكثر تنظيماً .

و جدير بالذكر أن ما نشهده حالياً من أحداث سياسية أمر طبيعى مصاحباً لكافة الثورات الشعبية السلمية و يرجع ذلك لعدم وجود قائد أو تنظيم لها ,على عكس الثورات الدموية مثل الثورة السوفيتية أو الثورات المنظمة كثورة 52 فغالباً ما يشعر الشعب بالتغير السريع .. أما الثورات السلمية فتحتاج لمدة لا تقل عن 4 سنوات حتى تنظم نفسها .

و يؤكد د.إسماعيل يوسف أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس على دور التكوين النفسي الذى يختلف من شخص لآخر و أثره في تحديد مشاعره . فهناك شخصية تهتم بالشأن العام مثل درجة التعصب الرياضي التى نجدها فى مشجعي كرة القدم .. و هؤلاء لا ينتابهم الملل أو الفتور مهما جابه الوطن من مصاعب فتبقى مشاعرهم بنفس درجة الاشتعال حتى يصلوا إلى أهدافهم , بينما تكمن المشكلة في الأشخاص الذين اهتموا حديثاً بمجريات الأمور عقب الثورة فعادة ما ينتمون إلى الشخصيات المحافظة و التى تخشى التغير فينتابها ذعر شديد من مواجهة كل جديد . و لأن الثورات السلمية تحتاج لمزيد من الوقت حتى تهدأ الأوضاع و تصل لأهدافها فيفقد هؤلاء تواصلهم مع الأحداث و تبدأ شكواهم من الانزعاج النفسي و الملل ..

و يضيف د. إسماعيل أنه بالرغم من سعي بعض التيارات لاستغلال سأم هؤلاء كي يصب في مصلحتهم أو إعادة أنظمة سابقة متهالكة إلا أن جميع محاولاتهم سوف تبوء بالفشل و يرجع ذلك إلى انكسار حاجز الخوف عند المصريين و استحالة قبولهم لأى نوع من الظلم ثانية . لهذا أرى أن كل ما يحدث إيجابي للغاية و سوف نحصد نتائجه قريباً . فقط علينا بمزيد من الصبر

المصدر: مجلة حواء -مروة لطفي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 706 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,469,360

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز