نقودى
القليلة ! «1»
كتبت : سكينة السادات
مهما بلغ أولادنا سن النضج وأصبحوا يعتمدون على أنفسهم فى حياتهم الخاصة والعامة إلا أن الأم ماتزال وستظل دائما تشعر من داخلها بالقلق عليهم والرغبة الدفينة فى حمايتهم ورعايتهم حتى ولو كانوا غير محتاجين إلى تلك الحماية والرعاية!
إنه شعور الأم الأصيل والمتمكن بالحنين إلى الاستمرار فى احتضان أولادها والنأى بهم عن أى شىء يؤذيهم أو يضرهم !
ولكن .. وآه من لكن هناك من الأبناء والبنات من يستنكرون هذا الشعور حتى ولو كانوا هم أنفسهم قد أصبحوا أمهات وآباء ولا تسمع منهم سوى ..
- هو أنا صغير يا أمى تخافى علىّ؟ أنا بقيت كبير وحامل مسئولية .. ماتخافيش علىّ !!
وتضطر الأم أن تسكت وأن تدعو لأولادها آناء الليل وأطراف النهار بأن يقيهم الله سبحانه وتعالى من كل شر وأن يرزقهم من عنده وأن يهيىء لهم سبل الهداية والرشاد !!
تذكرت هذه الأمور بعد أن حكت لى قارئتى السيدة شفيقة حكايتها التى أثرت فى كيانى تأثيرا شديداوشعرت بما تعانيه فقد عاشت رحلة كفاح طويلة كللت بالنجاح .. ولكن !!
قالت قارئتى شفيقة (58 سنة)..
لن أخفى عليك أى شىء من حكايتى بما فيها من أخطاء ونجاحات فأنا أنتمى إلى أسرة ريفية فقيرة من محافظة البحيرة وأبى كان يعمل نجارا فى أحد محلات النجارة فى دمنهور ووالدتى - ابنة عمه - ربة بيت ولى من الأخوة والأخوات ثلاثة منهم أخت واحدة وشقيقان أصغر منى سنا .
وإحقاقا للحق أدخلتنى أمى المدرسة وعندما وجدتنى شغوفة بالدراسة بل أتفوق كل سنة استمرت فى الإنفاق علىّ حتى حصلت على شهادة الإعدادية ثم التحقت بمعهد التمريض وكنت أهوى الطب والتمريض حتى أننى كنت أحلم بأن أكون طبيبة فى يوم من الأيام ولكن ضيق ذات اليد وتطلعى للمستقبل جعلنى أقبل بمهنة الممرضة القريبة جداً من الطب والأطباء !
وتخرجت فى المعهد وتدربت فى المستشفى العام بدمنهور وأصبحت ألقب فى قريتنا الصغيرة (بالدكتورة) فقد كنت أعطى الحقن بالمجان لكل المرضى وأشرف على ولادة من تتعسر فى الولادة بعد أن تستنجد بى «الداية» (أى المولدة) وكنت أتصرف كما لو كنت دكتورة فعلاً على ألا أتخطى حدود مهنتى وفى معظم الأحوال كنت ألجأ للأطباء عندما أعجز عن الحل .
نظرت إليها وفهمت مقصدى وقالت .. سوف أدخل فى الموضوع الذى أتيت إليك من أجله وهو أننى بعد فترة التدريب عينت ممرضة خاصة فى قسم الأمراض الباطنة بالمستشفى الذى يرأسه أحد أشهر أطباء الأمراض الباطنة فى مصر والذى كان معروف على الصعيد الداخلى والخارجى وكان وفيا لمحافظته فظل يعمل فى المستشفى والعيادة بالمحافظة إلى جانب عيادته الشهيرة ، «يومين فى الأسبوع» فى القاهرة . باختصار يا سيدتى شعرت أن أستاذ القلب والباطنة الكبير يلوح لى بالحب - وكنت وقتها فى العشرين من عمرى ولا أقول أننى كنت جميلة جدا ، بل مقبولة لكن ما يميزنى كان النشاط والحركة والابتسامة التى لاتفارق وجهى ونظافة المظهر ورشاقة القوام ، هكذا كانوا يقولون عنى ، وأستاذى الدكتور العظيم كان فى الخمسين من عمره وكان ابنه الكبير وهو طبيب باطنى أيضا فى الخامسة والعشرين من عمره وكان يعيش فى القاهرة مع والدته وباقى الأسرة !
وتستطرد .. وبحكم تربيتى الريفية لم استجب لمغازلة الطبيب الكبير بل وهددته بترك العمل فى المستشفى والعيادة فماذا فعل النطاس الكبير ؟
هل غضب منها ؟ وهل تركت شفيقة العمل معه واعتكفت فى قريتها .
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية
ساحة النقاش