يابنت بلدى عندما يكون القلب غضاً بريئاً أخضر، والدنيا فى العيون وردية جميلة، والآمال متاحة وقريبة المنال لأنها أحلاماً معقولة وليست مستحيلة وفجأة.. وبدون سبب ولا مقدمات ينقلب كل شىء رأساً على عقب، ويطعن القلب الغض البريء طعنة بجلاء وتتحطم الآمال بدون ذنب أو جريرة.. عندئذ تكون الصدمة التى لا تنسى طول العمر ومهما مرت الأيام وتغيرت الظروف والأحوال!

***

صاحبة حكاية اليوم سيدة جميلة جداً رغم أنها فى الثالثة والخمسين من عمرها! وعلاوة على جمال الوجه والقوام والأناقة البادية فهى صاحبة ابتسامة جميلة وروح هادئة ونظرات طيبة مطمئنة تبعث الراحة والصدق والأمان فى نفس من يحاورها!

قالت السيدة آمال.. أود أن أبدأ حكايتى منذ أن كنت طالبة فى مدرسة )الساكركير( أى القلب المقدس الفرنسية فى مصر الجديدة، ولا أكذب عليك وأقول إننى كنت الأولى على فصلى لكننى كنت بالتأكيد من العشر الأوائل، وكنت وأسرتى نسكن فى مساكن )الشركة(، وهى العمارات المتشابهة التى بنيت عند إنشاء حى هليوبوليس، وهى مساكن متسعة ومحترمة حتى اليوم رغم مرور كل تلك الأعوام على بنائها إلا أنها ما زالت متماسكة وقوية حتى اليوم!

كانوا يقولون عنى إننى جميلة، وكنت رقم ثلاثة بين إخوتى، كان لى شقيقان أكبر منى وأخت تصغرنى بعدة سنوات، وكان والدى موظفاً بالحكومة وأمى ربة بيت ترى بيتها وزوجها وأولادها الأربعة، وكانت أمى جميلة جداً، كنا أسرة سعيدة ومتحضرة فقد كنا وبعض جيراننا من الموسرين أعضاء فى نادى هليوبوليس الرياضى، وكان الاشتراك بسيطا ومتاحا للجميع خاصة لسكان مصر الجديدة، وكان يسكن فى نفس الدور الذى نسكنه أسرة صعيدية مكونة من الوالد الذى يملك أرضاً يزرعها فى المنيا وابنه الكبير الذى كان يدرس بالجامعة وابنتين تدرسان فى المدارس المصرية، وكانت الفتاتان فى غاية الذكاء، فقد كانتا فى نفس سنى لكنهما متفوقتان فى الدراسة، أما الأخ فقد كان إنسانا رائعا فى غاية الالتزام، وكان هو المسئول عن إخوته البنات لظروف وجود والده فى الصعيد من أجل الإشراف على زراعة الأرض، وربطتنى بالجارتين الشابتين صداقة ومحبة شديدة، فقد كانتا تساعدانى فى حفظ الدروس التى باللغة العربية، وكنت أساعدهما فى دروس الفرنسية.

***

واستطردت السيدة آمال كنت أستأذن من أخيهما وأصحبهما معى للنادى، وكان يشترط علينا أن )يطب( هو علينا فى أى وقت فلم تكن تقاليدهم الصعيدية تسمح بالاشتراك فى النوادى أو ذهاب البنات وحدهم إلى النادى، وأختصر لك القول فقد كانتا سمراوتين لهما ملامح صعيدية، وكانتا فى غاية الخشونة والجدية، بينما كنت بينهما الحمامة البيضاء الرقيقة التى لا تهش ولا تنش! وعندما كان يأتى )كرم( أخيهما إلى النادى ليصحبنا إلى البيت كان يهمس فى أذنى أحيانا بكلمات جميلة مثل.. فستانك الأخضر جميل يا آمال.. عاوزك تلبسى بكم طويل دايماً! وكنت أتأثر بكلامه فهو مثال الرجولة والخشونة رغم أن ملابسه لم تكن أنيقة دائما لكنه كان أول دفعته وكان يستعد لكى يكون معيداً فى الجامعة.

***

وتستطرد السيدة آمال.. وبدأ قلبى الأخضر الغض يتأثر بكلماته وبدأ يكثف اهتمامه بى، وبدأت أسرح وأستعيد كلماته ولا أنام إلا وصوته فى أذنى، واستمر ذلك الحال لمدة عامين كان هو قد وصل إلى السنة النهائية بالجامعة وتخرج وعين معيداً بالفعل، وكنا أنا وأختاه فى الثانوية العامة )الباشو( فى المدارس الفرنسية، وبدأت أفكر فيه وأنشغل به أكثر بل صار كل حياتى، وناهيك عن الحب الأول والرجل الأول فى حياة أية فتاة، حتى كان يوم طلبت من أختيه أن يذهبا معى إلى النادى كالمعتاد لكنهما اعتذرتا بشدة لانشغالهما، ولأول مرة لاحظت أنهما قد ذهبتا إلى الكوافير، ولما سألتهما عن السبب تمهلت الكبيرة وقالت: عندنا مناسبة سعيدة وكنا عاوزين نعزمك معانا إذا وافق والدك ووالدتك.. وكانت المفاجأة التى زلزلت كيانى.

الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!

المصدر: بقلم : سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 489 مشاهدة
نشرت فى 24 أكتوبر 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,804,223

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز