كتب : محمد الحمامصي

الحزن يجتاح القلوب كالطوفان جراء ما وصل إليه حالنا، بعد أن تفشت الملوثات قولا وعملا وفعلا، شكلا ومضمونا، تخلط الدين بالسياسية وتتلاعب بالقلوب والعقول من أجل مصالح رخيصة بغيضة، ملوثات لم تترك مكانا إلا طالته على أرض المحروسة، كلام مسموم يدعو للفتنة والعنف، دعوات مشبوهة للإضراب والاحتجاج تدفع لشل حركة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تحريضات لزعزعة الأمن والتجرؤ على الأمن، أفعال ترتكب عمدا مع سبق الإصرار لبث الفتنة ونشر الفوضى والخوف والتوتر في أرجاء المجتمع.

أحداث ووقائع كثيرة وقعت خلال الأيام الماضية ترقى لمستوى الجريمة المنظمة ضد المجتمع المصري وتستهدف هدمه وإشاعة الارتباك والاضطراب فيه، في مقدمة هذه الأحداث ما وقع أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة ومحاولة اقتحامها واشتباك المتظاهرين مع قوات الأمن، لقد خرج المتظاهرون بناء على نداءات ودعوات تطالب بنصرة رسول الله، حتى إذا تحول التظاهر إلى عنف وخرج عن السيطرة فسقط الجرحى، خرج من يتهم هؤلاء المتظاهرون بالمجرمين، ألم يكن يدرك أصحاب الدعوات بداهة أن البلاد تعيش حالة من التوتر والقلق وعدم الاستقرار، وأن دعوات كالتي أطلقوها سوف يسرع إليها المغرضون الذين لا يريدون خيرا لهذه الأمة، وأنهم سوف يستغلون صدق بعض المتظاهرين ويجرونهم إلى إشعال الحرائق وممارسة العنف ضد أفراد الأمن الذين هم مواطنون أيضا ومسلمون يغيرون على رسول الله.

الحدث الثاني هو إضراب المعلمين، هذا الإضراب الذي تتعمد دعوات هيئات ونقابات المعلمين المستقلة أن يتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد، لتخلق الفوضى بين الطلاب وأولياء أمورهم وتترك آثارا نفسية بالغة السوء على القدرة التحصيلية، خاصة في ظل تردي النظام التعليمي وشيوع عدم كفاءة المعلم وسوء سمعته بسبب عدم شرح في الفصل وممارسته الضغوط النفسية على طلابه من أجل الدروس الخصوصية التي تستنزف الأسرة ولا تأتي بالعائد المرجو منها على الطالب.

يظن المعلمون أن هناك تعاطفا معهم، وهم أبعد ما يكون عن تعاطف البيت المصري الذي يعاني الأمرين جراء إهمالهم للشرح في الفصول وسيطرة لغة المال والدرس الخصوصي على علاقتهم مع الطلاب وأولياء أمورهم.

الحدث الثالث قرار سائقي أتوبيسات وكمسارية هيئة النقل العام والنقابة المستقلة للعاملين بالمترو وعمال الجراجات الدخول في إضراب عام، وما أدراكم ما تأثير ذلك على الموطنين الفقراء ومحدودي الدخل الذين يستخدمون وسائل النقل العام هذه في حركتهم، وبينهم مرضى وموظفين وباعة وعمال يعيشون على الكفاف ولا تحتمل ميزانياتهم التفريط في قرش صاغ زيادة.

الحدث الرابع وهو ليس بحدث كونه متصلا ومستمرا وهو التحرش الجنسي بالفتيات والسيدات، الأمر الذي يهدر كرامة المرأة ويدفعها مكرهة إلى الانزواء في منزلها والتنازل عن مكتسباتها وحقوقها في العمل والتعليم وغيره، ولعل حادثة فتاة أسيوط مثلت ذروة الإجرام الذي يرتكب ضد المرأة على مرأى ومسمع الجميع، حيث دفعت الفتاة إيمان مصطفى محمد بقرية الكابلات شرق النيل بأسيوط، ثمن قيامها بالدفاع عن نفسها ضد أحد المتحرشين الذي حاول لمس أجزاء حساسة من جسدها، وحاولت مقاومته فقام بقتلها ببندقية آلية.

الحدث الخامس والسادس والسابع وهلم جرا يتمثل في عمليات السطو والخطف والسرقة بالإكراه وتحت تهديد السلاح للممتلكات العامة والخاصة من سيارات وأموال، والتي لم يسلم منها المواطن العادي أثناء سيره في الشارع، والتي لم تجد رادعا حتى الآن رغم عودة الشرطة لأداء دورها الوطني في حفظ الأمن.

إنني حزين على وطني وأهلي أن يصل بهما الحال إلى ما وصل، حزين لغلبة صوت الهوى والنفس على صوت العقل والحكمة، حزين لغلبة صوت الجهل والعمى على صوت العلم والنور، حزين أن أرى القذى في العيون يقود إلى سوء الفهم واختلاط الأمور وعدم الوضوح وإلى قلب الحقائق.

وعلى الرغم من كل ما سبق يظل الأمل يحدوني أن نستفيق ونعي وندرك ونعالج ما نحن فيه بالحكمة والموعظة الحسنة والإخلاص في الحب لأنفسنا ولوطننا وأهلنا