تميز شهر رمضان خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى بالكثير من العادات التى جعلت من أجوائه وطقوسه ذكريات لا تنسى كتجمع الجيران وتبادل أطباق الحلوى فى صورة تعكس مدى التكافل والمحبة التى جمعت بينهم، ومع تطور الحياة وتسارع وتيرتها تقلصت تلك العادات واختفى بعضها ما جعل الكثير يتساءلون «فين أيام زمان ..» لمة الجيران أحد الطقوس الرمضانية التى لم يعد لها وجود فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى، فهل أثر اختفاؤها على العلاقات الاجتماعية التى كانت تشهد نشاطا خلال شهر رمضان؟
فى البداية أكدت نوال مهدى، مدرسة، على تمسكها وجيرانها بالكثير من العادات ومنها اشتراكهم فى الاستعداد لرمضان وتقول: ما زالت لمة الجيران موجودة حتى الآن وما زلنا نجتمع قبل رمضان ونحضر الزينة, حيث يتشارك الجميع فى شرائها وتعليق وتحضير الفوانيس في الشارع والمنازل، إلى جانب تبادل الزيارات بيننا.
ويفضل محمد الزينى: موظف قضاء شهر رمضان فى مسقط رأسه حيث يستمتع مع أهله وجيرانه بالأجواء الرمضانية خاصة السهرات القرآنية التى تقيمها العائلات بالقرية خلال الشهر الكريم بعد الإفطار وحتى السحور ليستمع خلالها إلى القرآن والأناشيد والابتهالات الدينية.
وتتذكر أم كرم كيف كانت تتبادل أطباق الطعام مع جيرانها فى اليوم الأول من رمضان وتقول: كنت أتبادل مع جيرانى الأطعمة حيث أرسل لهم طبقا مما أعددته على وجبة الإفطار ليعود طبقى ممتلئا بالطعام، وبعد الإفطار أذهب وجيرانى لصلاة التراويح التى ما أن ننتهى منها حتى نجلس معا لمشاهدة التليفزيون وتبادل الحديث, لكن فى الوقت الحالى اختفت تلك العادات وأنشغل كل إنسان بنفسه وأسرته حتى وصل الحال إلى أن الجيران لا يعرفون بعضهم البعض.
اللمة تجمعنا
تقول زينب مصطفى مدرسة: تسعدنى كثيرا الصداقة التى تجمعنى بجيرانى الأقباط الذين يحرصون على مشاركتنا فرحة رمضان وتبادل التهانى والأطباق بيننا، حيث تنتظر جارتى نجوى جرجس كل عام طبق الكنافة والقطايف الذى أرسله لها فى أول يوم من رمضان، كما تحرص على دعوتى وأسرتى على الإفطار لتعد أشهى الأطباق.
"أيام لن تنسى" هكذا بدأت إيمان خليل، ربة منزل حديثها وتقول: أشتاق لجيرانى فقد انتقلت للعيش فى شقة أخرى، وللأسف المنطقة الجديدة لا أحد يعرف الآخر ولا يشاركه أحزانه أو أفراحه، لذا أتمنى أن أقضى يوما من أيام رمضان التى كانت تجمعنى بجيرانى وأخواتى، حيث كنا نجتمع للإفطار كل يوم عند عائلة من الجيران ونتبادل العزومات.
ويقول سليم حمدى، محامى: كانت تحدثنى جدتى عن شهر رمضان ولمة الجيران وطقوس لم نفعلها اليوم ما جعلنى أتمنى لو عشت تلك الأيام، فلم يعد للشهر بهجة خاصة بعد اختفاء العادات القديمة التى جرفها روتين الحياة ووسائل التواصل الحديثة.
فرصة للتواصل
تعلق د. سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث على اختفاء العادات الاجتماعية التى ارتبطت بشهر رمضان وتقول: مع انتشار ثقافة العزلة والوحدة والانغلاق الأسرى والتفكير فى الذات والاهتمام بالمصلحة الشخصية اختفت بعض المظاهر المجتمعية فى رمضان نتيجة اختلاف الشخصيات والحياة والأجيال بالإضافة إلى متطلبات الحياة وانشغال العائلة بالعمل والدراسة، كما اختفت بعض مظاهر التكافل كتبادل الأطعمة فى الحى الواحد والتى أطلق عليها "الطبق الداير" وتبادل العزومات بين العائلة وجيرانها.
وتابعت: علينا الاستفادة من الشهر الكريم واستغلاله للتواصل واللمة والاستمتاع بالروحانيات الجميلة وفرصة لإعادة علاقتنا الاجتماعية الجميلة وجمع شمل العائلة المصرية, والجيران جزء من العائلة بل أحيان كثيرة الجار يشارك ويتفاعل أكثر من أفراد العائلة الواحدة, وتعد تجمعات الجيران وتبادل العزومات وسيلة مهمة لتجديد العلاقات وإنهاء الخلافات وزيادة التماسك الاجتماعى والمحبة.
القيم والعادات
تدعو د. نورا رشدى، أستاذة الأسرة والطفولة ووكيل معهد الخدمة الاجتماعية سابقا إلى غرس المفاهيم والقيم المجتمعية فى نفوس النشء من خلال ضمها في المناهج التعليمية، مؤكدة أن للمدرسة دورا كبيرا فى الاهتمام بتشكيل عقل أبنائنا وتشجعيهم على التواصل المجتمعى والاهتمام بصلة الأرحام والجيران، وتقول: لمة الجيران وتبادل العزومات لا يعنيان الإسراف الذى يعد السبب الرئيسى وراء عزوف البعض عن الاهتمام بجيرانه وأقاربه بسبب الأحوال المادية، بل نحن بحاجه إلى الترشيد والتوعية بالتوفير وعدم الإسراف والنظر للبعد الاجتماعى، وضبط النفقات وعدم المبالغة، والاهتمام بالعلاقات الاجتماعية لبناء مجتمع متماسك ومتحاب.
الإعلام والجيران
تقول د. نسرين حسام، أستاذ الإعلام بجامعة بنى سويف: يجب إعلاء قيمة التشارك مع الجيران فى الشهر العظيم والتغاضى عن السلبيات فى سبيل عودة اللمة حول مائدة رمضان، لافتة إلى أن للإعلام دورا كبيرا فى إلقاء الضوء على إيجابيات العادات الاجتماعية التى تمسك بها الآباء والأجداد والتى كانت سببا وراء شيوع المحبة بينهم.
وتضيف: اهتم الكثير من صناع الإعلام خلال الفترة الأخيرة بالعائلة المصرية وجيرانها وإظهار عاداتنا القديمة ولمتنا الحلوة خاصة فى رمضان ما شجع على تحسين علاقتنا الاجتماعية، كما أن تبادل العزومات بين الجيران أو ما سمى بـ "الطبق الداير" ما هو إلا رمز للود والترابط الذى يجمع بين الجيران, ويمكن استعادة هذه العادة بأسلوب عصرى من خلال تجميع أهل الحى الواحد والتشارك في إعداد إفطار جماعى لتنشر صورته عبر وسائل التواصل الاجتماعى لتعلن عن استمرارية طقوسنا وعاداتنا ولمتنا وتشجع الآخرين على التواصل والتقليد.
ساحة النقاش