بقلم : سكينة السادات
يا بنت بلدي لعل أشهر مثل تعرفه كل النساء العربيات والمصريات على وجه الخصوص هو المثل الذى يقول: «يا مآمنة للرجال.. يامآمنة للميه فى الغربال!» والماء فى الغربال يتسرب فورا من شقوقه ولا تبقى فيه قطرة واحدة ومن هنا كان معنى المثل العربى أى أنه لا أمان لأى رجل على وجه هذه البسيطة! لكن هذا لايمنع من وجود رجال أمناء وشرفاء فى هذا الكون, وعندما نقول ذلك يكون الرد لقد أصبح أولئك الأمناء الشرفاء عملة نادرة! وإلا فلماذا أصبحت نسبة الطلاق فى بلادنا قرابة نصف عمليات الزواج؟ والرد أنه كما أن هناك رجال غير أمناء هناك نساء أيضا غير أمينات, ولن نلقى تبعية ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر بتلك الصورة المخيفة والمحزنة على الرجال فقط! وهناك أيضا العديد من الأسباب ربما نذكر بعضها للتذكرة وهى عدم التوعية بطبيعة الحياة الزوجية وعدم التفاهم واختلاف الطباع وبخل الزوج أو الزوجة, وطمع أحدهما فى الآخر بمعنى أن يكون الطلاق لأسباب مادية, وأيضا إهمال الزوجة أحيانا, وكثير بسبب التدخلات بين الزوجين وأسباب كثيرة أخرى !
>
صاحبة حكاية اليوم سيدة مصرية فى الثامنة والثلاثين من العمر, موظفة فى إحدى الشركات المعروفة حاصلة على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، أم لثلاثة أولاد بنتين وولد, ومن ناحية الشكل فهى مقبولة وجها وقواما, وهى محجبة حجابا خفيفا لطيفا, وعموما هى إنسانة مريحة، متزنة، موضوعية فى حديثها, تسرد حكايتها بدقة وخفة ظل ولباقة !
قالت السيدة إيناس: حكايتى هى حكايةالخوف من الغدر أى عدم الأمان وقد تربينا على المثل المعروف الأمان للرجال مثل الماء فى الغربال, ومؤداه أنه لا أمان لأى رجل فى هذه الدنيا حتى ولو كان يبدو رجلا شريفا محترما, ولكى تكوني معى فى الصورة فسوف أحكى لك حكايتى منذ البداية وسوف أستمع إلى نصيحتك وأنفذها.
واستطردت إيناس.. نشأت فى أسرة متوسطة الحال والدى مهندس يعمل موظفا بأحد دواوين الحكومة, وأمى ربة بيت طيبة ومدبرة وتستطيع أن تقرأ وتكتب جيدا, وتقرأ الصحف والمجلات بانتظام ومنها مجلة (حواء) التى كانت ولاتزال تحرص على شرائها مع الجرائد اليومية كل يوم سبت مع الجرائد اليومية كل يوم سبت حتى الآن، وأنا الابنة الصغرى, ولى أخوان أكبر منى!
والدى من محافظة المنوفية, وكان قد ورث عن والده عدة أفدنة من أرض المنوفية الخصيبة التى تعطى ثلاثة أو أربعة محاصيل سنويا ومن هنا كانت حالتنا المادية جيدة ولم نشعر يوما بأية ضائقة مالية اللهم إلا فى المناسبات الاستثنائية مثل مصاريف المدارس الخاصة والجامعات، وبعد ذلك إذا لزم إجراء عملية جراحية لأحد من الأسرة وهكذا!
وتعلمنا أنا وإخوتى فى مدارس اللغات الباهظة المصاريف, وتخرج أخواى أحمد وكامل من كلية الهندسة مثل أبى, أما أنا فقد تخرجت فى كلية التجارة, وأبدأ لك حكايتى أنا وهو منذ أن كنت تقريبا فى سن الخامسة عشر وكنت قد بدأت دراستى الثانوية وكان هو قريبا لوالدى, بالضبط كان الولد الوحيد لابن عم والدى الذى يرعى له أرضه الزراعية فى المنوفية, وكان والدى بالطبع يدفع لوالده أجرة عن رعاية أرضه، باختصار شديد كنا نحن الملاك وهم الأجراء لكن والده المزارع المكافح تمكن من إلحاقه بكلية الزراعة حتى تخرج فيها مهندسا زراعياً يتباهى به والده بين أبناء القرية, وكنت حقيقة لا أدري لماذا كنت أفرح فرحا شديدا عندما يأتى مع والده محملين بكل مالذ وطاب من القرية, وكنا نعرف أن الفلوس (أى إيراد الأرض) قد وصلت عندما يصل هو ووالده, فيبدأ فى طلب الملابس والأحذية الجديدة ومصاريف النادى والرحلات, كنت أراه يرنو إلىّ على استحياء, وبعدما التحق بالجامعة وكنت أنا لا أزال فى الثانوي, فهو يكبرنى بثلاث سنوات فقط، أصبح يهمس إلى دون أن يسمع أحد بكلمات رقيقة لطيفة كان يقول: إيه الجمال ده؟ عامله إيه فى المدرسة؟ وباختصار كان أول من هفا إليه قلبى وخاصة بعد أن تخرج مهندسا زراعيا وأصبح يختار ملابسه بعناية ويتحدث بطريقة لطيفة, وتخرجت فى كلية التجارة وبدأ العرسان يتوافدون لخطبتى ثم كانت زيارة ابن عم والدى بمفرده لوالدى, وعرفت أن أيمن الباشمهندس قد تقدم لخطبتى وأنه آثر ألا يأتى مع والده خوفا من أن يرفض أبى.. وإلى الأسبوع القادم أكمل الحكاية.
ساحة النقاش