كتبت : سكينة السادات
صدق القول الكريم الذى ثبتت صحته كثيرا فى هذا الزمان! وقد سئل أحد الصحابيين الأجلاء عما يدعو متلقى الإحسان للحقد على من أحسن إليه, فقال الصحابى الجليل: ذلك لأنه يعرف فى قرارة نفسه أنه يدين بالفضل لصاحب الإحسان وأن له دين فى رقبته ومن هنا فقد يضمر له الشر! وقال السائل لكن هناك من يقابلون الإحسان بالشكر والامتنان والاعتراف بالفضل؟ قال الصحابى الجليل هؤلاء هم المسلمون من أصحاب المعدن الأصيل الذين يجازون خيرا هم ومن أحسن إليهم يوم القيامة!
صدق القول الكريم وفى حكايتنا اليوم ما يثبت صدقه وانطباقه على بعض الناس, لكن هناك أيضاً من يقول (اعمل الخير وألق به إلى البحر) أي لا تنتظر جزاء ولا شكورا.. وأقيل أقول الخير يجزى به صاحبه مهما كانت الظروف والأحوال!
•
قالت لى الطبيبة الدكتورة أمينة, 41سنة أخشى ما أخشاه يا سيدتى أن تدعونى الحكاية التى سوف أحكيها لك باختصار شديد إلى التردد فى أداء الخير الذى تعودت على أدائه طول عمرى دون لحظة تردد, فإنه فيما يبدو لى فقد فعلت الخير فيمن لا يستحقونه, وتربت أن ديننا الحنيف قد أمرنا بأن نتقى شر من نحسن إليه! قلت لها إن الخير يجازى به الله سبحانه وتعالى خيرا مهما كان من تلقاه!
استطردت الدكتورة أمينة سوف أحكى لك بإيجاز حتى تعرفي لماذا أنا حزينة ومتأثرة إلى هذا الحد!
•
قالت د. أمينة: نشأت فى أسرة ميسورة أصولها من الريف المصرى الأصيل وكنت الابنة الوحيدة لأسرة من أربعة أبناء ثلاثة من الذكور وأنا الابنة الوحيدة أكبرهم سنا, ووالدى كان طبيبا معروفا فى محافظتنا, ووالدتى ربة بيت وأسرتنا معروفة فى محافظتنا .
وباختصار يا سيدتى أراد لى أبى وأراد الله سبحانه وتعالى قبل أن أكون مثله طبيبة أعالج أهل بلدنا بكل إخلاص وحب وكذلك أشقائى الثلاثة أيضاً الذين عشقوا مهنة الطب عن والدنا وصاروا خير عون له فى المستشفى والعيادتين اللتين يقابل فيهما مرضاه, أما أنا فقد تزوجت من طبيب أيضاً يعمل فى القاهرة وانتقلت إلى القاهرة مع زوجى وبدأت عملى فى إحدى المستشفيات الحكومية بها.
فى محافظتنا متزوجى وبالطبع كان بيتنا مليئاً دائما بالأقارب والأحباب ومن بين قريباتنا كانت هناك فتاة تصغرنى بعدة سنوات قليلة من قريبات والدى تلازمنى دائماً, وكنت أعتبرها صديقتى وشجعتها على الدراسة حتى حصلت على دبلوم التجارة وكنت لا أبخل عليها بالمال ولا بالملابس أو أى شيء يلزمها ولا تستطيع شراءه, فقد كانت أسرتها فقيرة لكنها مستورة وعفيفة, وعندما انتقلت مع زوجى إلى القاهرة افتقدتها بشدة فقد كانت صديقتى ومرافقتى, فكان أن بحثت لها عن عمل فى القاهرة وفعلا وجدته لها والتحقت بالعمل وهى سعيدة, وأوجدت لها سكننا مع إحدى قريبات أمى, وكانت تسكن فى نفس الحى الذى انتقلت إليه فى القاهرة وصارت تقضى معى وقت فراغى بعد العمل وتساعدنى فى العيادة التى أعمل بها بعد المستشفى أو فى البيت فى أيام الإجازة وأعطيها أجرا يزيد على ما يدفع فى مثل تلك الأعمال حتى تستطيع أن تجهز نفسها للزواج, وهذا هو ما حدث بالفعل فقد تقدم لها شاب محترم ومؤهل عال من أسرة نعرفها تماما ولم أتأخر أبدا عنها وساهمت فى شراء مستلزمات زواجها وجهازها واستأجر زوجها شقة فى حى قريب منا وتم زواجها وحرصت على ألا ينقصها أى شيء وكانت غاية فى السعادة .
•
واستطردت الدكتورة أمينة.. وفى هذه الأثناء رزقت بابنى الأول, ورغم وجود شغالة فى المنزل إلا أننى كنت أعتمد عليها كثيرا فى رعاية طفلى خاصة خلال غيابى الاضطرارى فى المستشفى أما العيادة فقد اعتذرت عن العمل بها بعد أن جاء ابنى الأول, وبالطبع كانت قريبتى تعمل فى الوظيفة التى أوجدتها لها قبل زواجها وزوجى يعمل فى الشركة التى كان يعمل بها, وكنت كما أسلفت لا أبخل عليها بكل ما تطلبه لأن الأقربين أولى بالمعروف لأنها كانت تساعدنى فعلا, ربما تكون حالة راحة نفسية لوجودها فى البيت ورعاية ابنى فى غيابى حتى لاحظت مؤخرا كثرة اعتذارها عن المجيء إلي وعدم التزامها بالمواعيد رغم أن صحتها جيدة ولا شيء يعوقها عن التواجد إلى جانبى حتى كانت المفاجأة التى أوجعت قلبى وجعلتنى أقول حقا "اتق شر من أحسنت إليه", والأسبوع القادم أكمل لك الحكاية!
ساحة النقاش