كتبت: أسماء صقر
لا يمثل شهر رمضان الكريم وقتا للصوم والمغفرة وطلب الرحمة من الله فحسب لكنه بداية جديدة لإعادة أواصر المحبة والود وترميم علاقات أسرية تصدعت بسبب زحام الحياة، فالاجتماع على مائدة واحدة ومشاركة الطعام وتبادل الحديث وحدهما كفيلان على إذابة أي خلافات ودب الفرحة فى النفوس بقدوم الشهر الفضيل.
فرحة لمة العائلة وذكرياتها الجميلة نسترجعها مع عدد من ربات البيوت، ونسأل المختصين عن كيفية استعادة تلك العادة التى كادت أن تختفى مع زحام الحياة وانتشار وسائل التواصل الحديثة..
في البداية تقول دولت شاهين، موظفة: أول يوم في رمضان بالنسبة لي يعتبر يوما مميزا، حيث أقوم بعزومة أهل زوجي الأمر الذى يشعرنى بفرحة شديدة خاصة عندما نجتمع معا وننتظر سماع مدفع الإفطار، ونشاهد البرامج الترفيهية والمسلسلات، وأولادي أيضا ينتظرون شهر رمضان كي يفرحون بلمة العيلة ويسهرون طوال الليل حتى آذان الفجر يلعبون مع عمتهم الألعاب الإليكترونية على التابلت الخاص بهم ويشاهدون المواقف المضحكة على اليوتيوب والتيك توك.
وتقول نورا مصطفي، ربة منزل: يحرص زوجي على دعوة أسرتي وأسرته كل عام كي تجتمع الأسرتان معا ويسود الود والترابط بينهما، وعلى الرغم من كثرة عدد أفراد الأسرتين إلا أن مشاركة أخوتي وأخت زوجي لا تجعلني أشعر بالتعب والعناء أثناء تحضير الإفطار، ويكفى أن المنزل تعمه الفرحة بسبب اللمة، كما أن الأولاد يقومون بتشغيل الفوانيس وأغاني رمضان الجميلة مثل "وحوي يا وحوي" وغيرها، وبعد الإفطار نخرج سويا لصلاة العشاء والتراويح.
أما مها ناصر، ربة منزل فتقول: رمضان فرصة عظيمة للود والتسامح بين الإخوات وتقوية صلة الرحم بينهم، وعلى الرغم من أننى أتواصل مع إخوتي تليفونيا وعلى الواتساب طوال العام لكن شهر رمضان يعطينا فرصة لرؤية بعضنا من خلال اللمة على الإفطار والسحور، فوالدتي تدعونى وإخوتي وأسرهم كي نجتمع معا ونستمتع بروحانيات وشعائر الشهر الفضيل من خلال تحضير وجبات إطعام للفقراء والمساكين وأيضا عمل عزومات لأقاربنا الذين يعيشون في الريف بمشاركة إخوتي وأبنائهم في تحضير المائدة الرمضانية.
مظهر اجتماعي
يعلق د. حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس على تجمع الأسرة على مائدة رمضان وكيفية الحفاظ على هذه العادة قائلا: تعد اللمة والتجمع مع الأهل والأصدقاء في رمضان مظهرا اجتماعيا ودينيا وتربويا مهما ومرتبطا ببناء شخصية الأطفال والأبناء على قيم المساعدة والدعم المعنوي للآخرين، حيث يشارك الأطفال في تزيين المنازل بالزينة الورقية بين منازل الجيران وتجمع الشباب من الأهل والأقارب في القرية والسهر معا لتبادل الأحاديث والحوار في شتى المجالات الثقافية والدينية والروحانية والاجتماعية ولذلك يجب علينا استعادة لمة العيلة مع الأهل والأقارب خاصة وأننا أصبحنا نعيش في عالم افتراضي خلقته وسائل التواصل الحديثة، فالزيارات العائلية وتجمع أفراد العائلة في شهر رمضان فرصة مناسبة لإعادة التواصل وتجديد العلاقة بين الأقارب سواء كانت القرابة قريبة أو بعيدة.
وينصح د. حسن الوالدين بضرورة غرس القيم المجتمعية منذ الصغر داخل الأبناء ومعرفتهم للحقوق والواجبات وتنشئتهم على البر والإحسان وصلة أرحامهم لما لها من أثر نفسي كبير على الأبناء، فشعورهم بالاهتمام والحب من جانب ذوى أرحامهم يعطيهم طاقة إيجابية.
العمل الجماعي والتراحم
يقول د. شحاته زيان، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: تجمع العائلات في شهر رمضان ولمة العيلة في المناسبات هي من نتاج القيم المصرية الأصيلة والتي تؤدي للتماسك والترابط بين الأسر وخلق روح الانتماء للعائلة، فالحياة المصرية قائمة على التعاون والتراحم، "فلمة"العائلة وتناول الإفطار معا من الأمور المُحققة لصلة الرحم التي أمرنا الله عز وجل ورسوله بها، لذا يعد شهر رمضان بالنسبة للكثيرين فرصة مثالية للتجمع مع أهلهم وأقاربهم الذين باعدتهم مشاغل الحياة لشهور طويلة، وهى فرصة أيضا للتراحم، فمع لمة العائلة تسود قيم الود والمحبة وفعل الخير، وهو ما أخبر به الله عزو وجل فى قوله "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"، فضلا عن أن صلة الرحم تعمل على بناء المجتمعات المتكاتفة والمتماسكة ما يحقق التنمية المجتمعية ويساعد على الضبط الاجتماعي أثناء تنشئة الأبناء، ففي حالة غياب أحد الوالدين يجد الأبناء الخال والعم والعمة وغيرهم من الأقارب، ولمة العائلة في رمضان تُكسب الأبناء قيمة المشاركة والعمل الجماعي بين الأهل والأقارب وإصلاح ذات بينهم واحترام الكبير والعطف على الصغير وأيضا مساعدتهم ماديًّا ومعنويًّا.
وتنصح د. هانم سليم، أستاذ أصول التربية ورئيس قسم العلوم التربوية والنفسية بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق
الآباء باغتنام شهر رمضان لتدريب وتأهيل أطفالهم على اكتساب القيم التربوية والاجتماعية السليمة والسلوكيات الحميدة في تصرفاتهم وحياتهم اليومية، وتقول: لا يوجد أفضل من رؤية الأبناء لتجمع الصائمين معا من الأهل والأرحام لغرس السلوك الطيب في نفوسهم، كما أن الشهر الفضيل فرصة عظيمة للمة العائلة والتصالح مع النفس والتسامح مع الآخرين كالأصدقاء وغيرهم، لذا أنصح بضرورة تبادل الزيارات مع الأهل وتنظيم العزومات الرمضانية لزيادة التفاعل الاجتماعي ومعايشة الطفل لجو الصيام وقت الإفطار والسحور.
ساحة النقاش