حوار: أماني ربيع
في ظل الثورة الرقمية وتنوع المنصات الإعلامية، أصبح الإعلام شريكًا أساسيًّا في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء، إلى جانب الأسرة والمدرسة، حيث يساهم في غرس القيم الإيجابية، كالتعاون والتسامح، واحترام الآخرين عبر البرامج الهادفة، لكنه قد يعزز قيمًا سلبية مثل العنف أو الاستهلاكية عبر المحتوى الرديء غير الغير مسؤول، وقد يكون أداة تنوير أو أداة تدمير للقيم، ويتطلب تحقيق التوازن بين جذب الانتباه وغرس الوعي تعاونًا بين الأسر والحكومات ومنصات الإعلام لضمان بيئة إعلامية آمنة تُثري الأبناء.
في هذا الحوار نناقش د. حسن مكاوي، أستاذ الإذاعة والتليفزيون، والعميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة دور الإعلام في تشكيل وعي الأبناء، وأنواع المحتوى الواجب تعزيزها أو تجنبها، وقدرة الإعلام التقليدي على المنافسة.
كيف يساهم الإعلام الحديث - تقليدي ورقمي - في تشكيل قيم وسلوكيات النشء؟
من خلال الأشكال الفنية المختلفة للرسالة الإعلامية، سواء برامج أو دراما أو مقالات وفيديوهات تعليمية، حيث يتم تمرير التراث الاجتماعي والثقافي للدولة إلى الأجيال الجديدة، كما يمكن أيضا غرس السلوكيات الحميدة، مثل احترام الأكبر سنا، والمعلم والقاضي وغيرها من المهن النبيلة، وإدراك لغة الحوار كوسيلة للتفاهم وليس العنف، وكلها قيم تساهم في زيادة الوغي.
ما الآليات التي يمكن من خلالها تعزيز الوعي النقدي لدى الأبناء عبر المحتوى الإعلامي خاصة مع تنوع المصادر واختلاف مصداقيتها؟
يحتاج ذلك قدر من التعليم والتوعية، وقد أقرت منظمة اليونيسكو مادة أو مقرر باسم "التربية الإعلامية" وهي ليست موجهة لطلاب الإعلام، وإنما للطلاب عموما، وتهتم بكيفية التعامل مع المواد الإعلامية المختلفة، والمساعدة في تعزيز وعي المتلقي بحيث يكون ذو عقلية ناقدة لا يقبل كل ما يقدم إليه، ويتم تدريس هذه المادة في عدد كبير من الدول، وهي موجودة في مصر، لكن ليست معممة، كما أن دور التعليم مهم جدا في نشر التوعية حول ما يقدم في الإعلام بحيث لا يقبله المراهق أو الشاب في مقتبل العمر باعتباره حقيقة مطلقة لا تحتمل الكذب، بحيث يعتاد طوال حياته كمشاهد وقارئ ومستمع على أن يُعمل عقله فيما يقدم له من أخبار ومعلومات ويتعامل معها على أنها ليست حقائق مسلم بها حتى يبحث بنفسه عن حقيقتها.
ما الخصائص التي يجب أن تتوفر في المواد الإعلامية الموجهة للأطفال والمراهقين لتعزيز تنشئتهم بشكل إيجابي؟
المواد الإعلامية الهادفة، مثل: الأفلام الوثائقية المبسطة عن الاكتشافات العلمية أو برامج عن التراث الحضاري للبلاد المختلفة، والأشكال الفنية المختلفة من دراما وبرامج وإعلانات تنموية، وكذلك المسلسلات الكارتونية التي تعالج قضايا مهمة بصورة مبسطة وجذابة مثل التنمر وحماية البيئة، كما يجب أن تتناسب البرامج الحوارية مع طبيعة النشء وأفكاره وتجيب عن تساؤلاته وتهتم بمشكلاته، مع تجنب تقديم النصائح بصورة وعظ مباشر، بل بطريقة سلسة يستوعبها ويتقبلها ويستفيد منها، ومن المواد المهمة والهادفة أيضا البرامج القائمة على التعليم التفاعلي وإشراك المتلقي في المادة المقدمة إليه، لأننا كلما استمعنا لرأي النشء سنعرف اتجاهاته ونتمكن من مواكبتها، وبالتالي ستزداد درجة تقبله لما يقدم إليه من مواد، فالتعليم التفاعلي يجعل هناك نوعا من الأخذ والعطاء بين المرسل والمتلقي، خاصة وقد أصبح التعليم الذاتي سمة العصر الحالي، فالطالب أصبح له دور في العملية التعليمية.
ما أنواع المحتوى التي يجب الحد من تعرض النشء لها؟ وهل يمكن أن تذكر أمثلة على محتوى أظهرت الدراسات تأثيره الضار؟
كل ما يؤدي لتغييب العقل من محتوى يروج للعنف والسلوكيات السيئة أو دراما تعزز من النماذج السيئة في المجتمع، وتقدم ملابس مبتذلة أو عادات واردة من الخارج لا تتوافق مع قيم مجتمعنا، والإعلانات التي تروج لمنتجات ضارة بالصحة أو تُعزز ثقافة الاستهلاك المادي، أو المحتوى المضلل أو المُحرَّف الذي يتضمن أخبار كاذبة.
كيف يمكن موازنة عنصري "التسلية" و"التعليم" في إنتاج المحتوى الموجه للنشء دون إثارة مللهم؟
هناك مبدأ في الإعلام قائم على أنه لابد من التعرف على ما يحتاجه المتلقي وما يحبه، وإذا سألت المراهقين والأطفال ستجد أنهم يفضلون الأغاني والأفلام الخفيفة والمواد الترفيهية، في حين أنهم يحتاجون إلى توعية وثقافة وتنمية مهارات، لذا يجب أن نقدم إليهم ما يحتاجونه لكن في شكل يحبونه ويميلون إليه.
مع هيمنة المنصات الرقمية هل ما زال للإعلام التقليدي (كالتلفزيون والإذاعة) دور فاعل في جذب انتباه النشء؟
لا يزال التليفزيون والإذاعة مصدرًا رئيسيًّا للمحتوى التعليمي الموثوق، خاصة في المناطق محدودة الاتصال بالانترنت، لكنه بحاجة إلى استعادة عافيته والتمويل، وكذلك تدريب وتأهيل العاملين فيه على التقنيات الجديدة، ما يؤدي الى تحسين محتوى الرسالة المقدمة، وإيجاد تنافس حقيقي بين الإعلام التقليدي ونظيره الرقمي.
ما أبرز التحديات التي تواجه إنتاج محتوى هادف للنشء في ظل المنافسة مع المحتوى السريع وكيف يمكن تجاوزها؟
هناك تحديات خاصة بالموارد المالية وتوافر الإمكانات التكنولوجية التي لم تعد مواكبة لما هو موجود في العالم، وكذلك تأهيل العاملين على كل ما هو جديد في هذا المجال، لأن ضعف الإمكانيات المادية يؤدي إلى إنتاج محتوى رديء الجودة حتى لو كان يقدم رسالة جيدة، كما أن تأهيل العاملين والكوادر المدربة جيدا سيساعد على توصيل المعلومة أو الرسالة الإعلامية بشكل جذاب للمتلقي الذي اعتاد على المعلومة السريعة التي تقدم في سياق جذاب.
ما النصائح التي تقدمها للأهل والمربين لمراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأبناء، خاصة في ظل صعوبة السيطرة على المحتوى الرقمي؟
يمكن مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأبناء عبر أدوات الرقابة الأبوية، لكن دون علمهم، لكن الرقابة الصارمة ووضع محاذير قد يأتي بردود فعل عكسية، خاصة من الأجيال الجديدة لأنها تزيد من فضولهم ورغبتهم في معرفة أسباب هذا المنع، لذا فالأفضل من الرقابة هو التوعية، ومناقشة الأبناء حول ما يشاهدونه، وتحفيزهم على التساؤل والنقد دون خوف.
ساحة النقاش