كتبت : سمر عيد
على مدار سنوات بات التليفزيون مصدرا تستقى منه شريحة كبيرة معلوماتهم، ويتعرفون من خلاله على مستجدات الأحداث المحلية والعالمية، لكن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعى وانتشار وسائل الاتصال الحديثة تقلص دور التليفزيون وتنوع المحتوى المعروض عبر هذه الوسائل، فكيف يمكن الاستفادة مما تقدمه تلك الوسائل فى غرس القيم الإيجابية فى نفوس أبنائنا؟، وهل يمكن التحكم فى المحتوى الذى يتعرضون له؟، وهل ما يشاهدونه يتناسب مع أعمارهم وثقافتهم وأسلوب حياتهم؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير يجيبنا عليها متخصصون بالإعلام وعلم الاجتماع والنفس.
فى البداية تقول د. هويدا مصطفى، أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة: يتأثر الأبناء بما يشاهدونه عبر شاشة التليفزيون، لذا علينا أن نكون قدوة لهم ونوجههم إلى ما يشاهدونه وفقا لأعمارهم، لأن هناك قنوات تليفزيونية كثيرة تضر الأطفال أكثر ما تنفعهم عن طريق بث قيم دخيلة على مجتمعاتنا العربية والترويج لأفكار مرفوضة سواء على المستوى الأخلاقي أو الديني، والحقيقة أن المسئولية لا تقع علينا كآباء فقط؛ فمعدوا البرامج ومنتجوها ومقدموها عليهم مسئولية كبيرة في توجيه الجيل الجديد من خلال ما يقدمونه من محتوى برامجي، حيث يمكن تشجيع أبناؤنا على المشاركة في المسابقات التليفزيونية والتي تقدم معلومات مهمة عن البلاد سواء ثقافية أو اجتماعية أو تاريخية، وتقديم النماذج الوطنية الناجحة من خلال أفلام وثائقية أو مسلسلات تحكي قصص نجاح هذه الشخصيات.
وترى د. أمل جمال حسان، مدرس الإعلام بجامعة القاهرة أن التحدي الحقيقي بين التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى يكمن في كون المدة الزمنية التي يقدم المحتوى من خلالها على الأخيرة أقصر بكثير من مدة البرنامج على التليفزيون لذا يتجه الشباب إلى متابعة هذه الوسائل الحديثة.
وتقول: حتى نستقطب أبناؤنا لمشاهدة التليفزيون وما يقدمه من برامج وفقرات يمكنها غرس القيم المجتمعية والأخلاقية، وتحارب ما يبث من سموم عبر وسائل الاتصال الحديثة يجب تقديم نماذج ناجحة وملهمة في شكل معلومات سريعة؛ لأن الجيل الحديث لا يستطيع المكوث أمام التلفاز لساعة ليتابع مسيرة عالم أو أديب مصري، وعلي أن أنوه إلى مسألة خطيرة جدا قد تنفر جيل الشباب من متابعة برامج التليفزيون ألا وهي طول مدة الإعلانات بكل برنامج، فالإعلان وإن كان مفيدا ماديا لمنتج البرنامج وللقناة إلا أنه يتسبب في صرف عدد كبير من المشاهدين عن متابعة البرنامج، بينما يستطيع مشاهدو المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي تخطي الإعلان بثوان معدودة، لذا يجب حل هذه المشكلة من قبل صانعي المحتوى على الشاشة الفضية.
الفكرة والمحتوى
توجه د. نيرة شبايك، المدرس بإعلام القاهرة أنظارنا إلى أن الفكرة والمحتوى هما اللغز الحقيقي لمتابعة أي برنامج، وتقول: يشاهد أطفالنا برامج الأطفال التى هى مع الأسف أغلبية برامج الأطفال أصبحت تستهدف سرد حكايات وتقديم كرتون للتسلية بينما كنا نجد جمهورا عريضا من الأطفال يتابعون برامج من قبيل "ماما نجوى، عالم سمسم، بكار، بوجي وطمطم" وغيرها من البرامج التى صنعت جيلا مثقفا واعيا من الأطفال في الماضي، وبالنسبة للمراهقين والمراهقات فأغلبية ما يجذبهم الآن هي برامج الرياضة والبرامج الغنائية وبرامج المسابقات مع الأسف، ولا نجد الكثير من الشباب والمراهقين يتابعون برامج ثقافية تقدم معلومة أو ترسخ قيم ثابتة أصيلة في مجتمعنا ،لكن علينا توجيه هذا الجيل لمتابعة كل ما يحمل له قيما تفيده، ومن خلال التليفزيون يمكن أن يعرف الشاب المشاريع التي تقوم بها الدولة حتى يستطيع معرفة متطلبات سوق العمل، فيحدد أين سيذهب وإلى أية مدينة سيتجه وما المجال الدراسي الذي يمكن أن يلتحق به ويفتح له أبواب العمل، وأؤكد أن الإنتاج الجيد والإنفاق العالي على البرنامج لا يعني نجاحه، فهناك أفكار بسيطة ناجحة بامتياز نظرا لفكرتها ومحتواها، وخير دليل على ذلك برنامج "قطايف" الذي قدمه الفنان سامح حسين في رمضان وأعجب الجمهور وكرمه الرئيس عبدالفتاح السيسي بسبب محتواه الجيد، فالنجاح ليس بما ينفق على البرنامج بل بم يقدم من خلال البرنامج.
محاكمة صندوق الدنيا
تقول د. ريهام عبدالرحمن، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري: قبل تقييم برامج التليفزيون من حيث الإعداد والتقديم والإنتاج علينا أن نقيم المقاطع reels)) القصيرة على وسائل التواصل والتي ثبت مؤخرا، وقد تم تناولها عبر بحث نفسي أجرته جامعة "أوكسفورد)" والذى أكد أنها تتسبب في تعفن الدماغ، وتشتت الانتباه وضعف الذكاء العاطفي، والتواصل الاجتماعي، فعادة تركز وسائل التواصل الاجتماعي على الترفيه، لكن التليفزيون خاصة القنوات المحلية تقدم برامج مفيدة وبعمق أكثر؛ لأن الشخص لا يتذكر عادة المقاطع السريعة التي يشاهدها بل يتذكر برنامجا طويلا، ويمكننا إلقاء الضوء على كافة التضحيات التي قدمها جنودنا البواسل بالقوات المسلحة على مر التاريخ من أجل الحفاظ على سلامة هذا الوطن والتى من شأنها بث روح الأمل والتفاؤل في نفوس الشباب وتعميق روح الانتماء والوطنية لديهم.
أما د. نورة رشدي، أستاذ الخدمة الاجتماعية ووكيل معهد خدمة اجتماعية فتقول: بالرغم من أن إدانة القنوات التليفزيونية أو البرامج التى تعرض الفضائح والجرائم والشائعات أمر مسلم به إلا أن المشاهد من يمكنه اختيار ما يعرض عليه من بين مئات القنوات وآلاف البرامج، لذا على الآباء توجيه أبنائهم لما يشاهدونه عبر شاشه التليفزيون وكذا أى وسيلة حديثة يتعرضون لها، وذلك من خلال إشراكهم فى جلسة عائلية لمشاهدة بعض البرامج الوطنية أو المسلسلات التى تحكى بطولات قواتنا المسلحة وتضحيات رجال الشرطة والتى من شأنها تعزيز روح الانتماء لديهم، وتجنيبهم إضاعة الوقت عبر الشاشات الصغيرة وما توفره من وسائل للاتصال تهدر وقتهم وتفقدهم التركيز، لذا فإنني أحمل الأسرة المسئولية الأكبر فى تحديد ما يتعرض له الأبناء من محتوى مرئ أو مسموع سواء عبر التليفزيون أو وسائل التواصل الحديثة.
ساحة النقاش