كتبت فى الاسبوع الاسبق عن ضرورة قصر المراكز العادية على المؤمنين بمبادئ حياتنا الجديدة، حماية لمصالح الشعب من خطر وقوعها تحت رحمة من يريدون لمجتمعنا صورة تختلف عما اتفقت عليه سياسة الاصلاح و أقرته نهائيا...

    و لقد جاء ذلك فى مجال تعليقى على رسالة أتتنى من السيد/ (عبد الفتاح الرفاعى) عضو مجلس مدينة (شبين القناطر)،و فيها يشكو لى من أن الانسة (فاطمة دياب) اتهمته فى جلسة عامة بالخروج على مبادئ الميثاق بعد مناقشة جهر فيها بمعارضته الشديدة للمساواة بين الجنسين.

    و لم أكن بطبيعة الحال قد حضرت الجلسة المذكورة، أو علمت بما قبل الا من الرسالة التى كتبها سيادته بخط يده،و سجل فيها بصريح العبارة معارضته للمساواة، منها أنصار هذا المبدأ الاجتماعى النبيل بالسعى وراء الشهرة على حساب الدين و العرف و الطبيعة،و هى أهانة أفدح بكثير مما تصور أن النائبة رمته بها...

    و لقد توخبت الامانة فى الرد عليه،و كشفت بصراحة عما حال بذهنى من هواجس عند قراءة رسالته،و لكنى لم ألبث أن أستبعدت احتمال كونه قد اختارنى أنا بالذات فى خلافه مع (فاطمة دياب) بالذات، لغرض الاستعانة بى على الانتقام منها، متوهما أن النقد الذى وجهته لها ذات يوم بخصوص ثوبها الريفى، يدل على  أستعدادى دائما للترحيب بأى فرصة للهجوم عليها....

    و لم تكن كرامتى لتقبل فرض هذا الاحتمال الذى لايشرف صاحب الرسالة أو يشرفنى أيضا.. ذلك أننى لم أعتد أ، أكون أداة لغير الحق،و أنا أحمد الله أننى لم أخرج بنقدى يوما – فى أى موضوع كان – عن الاطار الموضوعى البحث الذى لا يتأثر مطلقا بشعورى الشخصى..و لو كنت قد احتكمت لشعورى الشخصى نحو (فاطمة دياب) ما كتبت واحدة فى نقد ثوبها الريفى، لاننى فى الواقع أقدرها كل الثقدير.. و أحتركها غاية الاحترام..و أفخر الى أبعد الحدود بما لمسته فيها من روح التقدمية الوطنية الاصيلة، هذه الصفة التى تقدمها فى اعتقادى على سيدات أخريات برزن فى مجال الاعمال العامة قبلها..

    و لعل تقديرى البالغ (لفاطمة دياب) هو الذى دفعنى الى الاشتداد فى نقد ثوبها الريفى، رغبة منى فى أن يصبح مظهرها كمخبرها مثلا لما نبتغيه لمواطنة صالحة مثلها.

    و لقد كنت واثقة بأن عضو مجلس مدينة (شبين القناطر) لا يمكن أن يفتقر الى القدرة على الفهم الصحيح،و لذلك أفترضت حسن النية فى رسالت،و حرصت من ناحيتى على علاج خلافه مع زميلته الانسة (فاطمة دياب) داخل الاطار الموضوعى البحت،و أكدت له أنها لم تهنه حين رمته بالخروج على الميثاق.. أنما قررت الواقع.. لان المساواة بين الجنسين تأتى من صميم الميثاق،و الميثاق ليس العوبة نأخذ منها ما يعجبنا و نترك مالا يعجبنا، بل الميثاق وحدة لا تقبل التجزئة،و كل بند فيه يكمل الآخر....

الرسالة الثانية

    و على أثر ظهور مقالى بمجلة (حواء)، جاءتنى من السيد/ (عبد الفتاح الرفاعى) رسالة ثانية يقول فيها بعد الديباجة الاولى: (...ساءنى أن تتصورى ولو للحظة واحدة أننى أرمى الى استغلال خلاف سابق بينك و بين النائبة..و لقد خالفتك فيما كتبته عن زيها،و نشرت رأيى فى صحيفة نداء الشرق التى تصدر بشبين القناطر..لا، يا أستاذتى معاذ الله أن أرضى لنفسى الوصول الى هذا المستوى.. مستوى  الضعيف الجبان..و أنا أومن معك ايمانا لاحد له، أن الهجوم على المساواة خروج حقيقى على الميثاق،و أن المراكز القيادية لابد أن تكون وقفا على المؤمنين بالمبادئ و من أجل ذلك رشحت نفسى،و على هذا الاساس أيدنى مواطنى، لاننى أومن أن الميثاق ليس كلاما يحفظ، أو أقوالا تردد، انما هو يتحول الى سلوك فى أعصاب النس، فيتصرفون فى حياتهم و يواجهون مشاكلهم طبقا للميثاق...

    و لقد ساءنى أن تفهم مناقشتى مع الاخت فاطمة دياب على أنها كانت حول المبادئ التى أقرها الميثاق و آمنا بها بل و تحولت الى سلوك فى أعصابنا،ولا أدل على ذلك من أننى أقولها بشرف و أعتزاز، أننى أحد أبناء المجتمع الذين أيدوا هذه المبادئ علنا،و كانت الاخت فاطمة دياب بنجاحها فى مجلس الامة، هى المظهر العملى لتأييد هذا المجتمع لمبادئ الميثاق.. من هذا يتضح لك أن نقاشى – أو كما تحبين أن تسميه خلافى مع الاخت فاطمة دياب – لم يكن حول المبادئ الاساسية التى نص عليها الميثاق، انما كان حول شريعة السماء التى يحترمها الميثاق،و استحالة تحويرها، فأنا لا أقصدأن يصدر تشريع يخالف منص عليه من أن تكون أمرأتان شاهدتان فى ساحة القضاء مقابل رجل واحد،و أنا أومن بأنه ليس من العدل أن نعتبر مواجهتنا بالحقائق أهانة لنا،و لكن هل ما قالته النائبة كان حقائق لا تقبل المناقشة؟ هل مخالفة الشرائع فى الاسلام يصح حقيقة؟ و هل التعالى على الناس،و المن عليهم بمجالتهم تواضعا،و التحدث اليهم تكرما؟ هل هذه هى الحقائق التى تؤمن بها المرأة؟ هل تغيير معانى الحوار للاساءة الى الناس،و استغلال العلاقات و الاتصالات للاضرار بالناس هى الحقائق التى تؤمن بها المرأة؟لا، يا أختاه.. أن رسالة المرأة أسمى من ذلك و أجل، أنها أمى التى غرست فى الاخلاق و المبادئ.. أننى أقدس رسالتها و أعتز بها..

    (أستاذتى.. مازلت أعلن أن هناك قلة من أولئك الذين لا يفهمون دعوة الاسلام و لم يفهموا تعاليمه.. هذه القلة هى التى تريد مساواة بلا حدود.. فخلطوا بين الحق و الواجب.. و خلطوا بين الاستقرار و الفوضى... فالاسرة لا تبنى على سيطرة جنس على آخر، انما  تبنى على الحب الذى يقوم على تقدير المسئولية و احترام حقوق الآخرين.. الخ)

    هذا هو مضمون الرسالة ماعدا التحيتين الاولى و الاخيرة،و ليس فى استبعادها مراعاة لضيق الحيز ما يمس المعنى من قريب أو بعيد...

    و الرسالة كما نرى طويلة،و لكنى أعطيتها حقها كاملا، رغبة فى أن أفسح له مجال الدفاع عن نفسه.

خلط فى خلط

     و لقد حاول أن يدافع عن نفسه بكل حرارة،و لكن كلامه جاء مليئا بأشياء لم يكن من الضرورى مطلقا لان يقحمها بهذه الصورة.. فهو الذى كتب بنفسه رسالته الاولى،و اعترف فيها خطه بيده ذكر و لو عابر لما أراد اليوم أن يبرئ نفسه منه من ضرورة أخذ المحاكم بشهادة امرأتين مقابل رجل واحد.... أ, الاباحية التى ينم عنها معنى قوله بأن بعضهم يريد مساواة بلا حدود الخ.. من الامور التى ملا بها رسالته بلا داع ولا معنى...

    و اسمحوا لى أن أقول: أنه خلط فى خلط..

    فمن الذى شكا اليه من ضيقنا بشهادة امرأتين مقابل رجل واحد؟

    و من أين أتى بأن البعض يريد مساواة بلا حدود ولا قيود؟ لا (فاطمة دياب) ولا أنا و أى أمرأة أخرى يمكن أن تفكر هذا التفكير المعوج.. ثم ما دخل التعالى على الناس،و التفضل بمجالستهم و التكرم بالحديث اليهم؟و أين مكان هذا كله من حقيقة واقعة، تتلخص فى أنه يعارض المساواة، أو كان يعارضها فى رسالته الاولى، الامر الذى قامت من أجله مناقشة عنيفة بينه و بين الآنسة (فاطمة دياب)...

    أنها محاولة ثانية لتجريح الآخرين بطعنهم فى ايمانهم و أخلافهم،و هو أسلوب غير مستحب، فالتجريح بهذه الصورة سلاح ذو حدين،و باستطاعته أن يقطع فى هذه الناحية مثلما يقطع فى تلك.. ثم أنه أسلوب لا فائدة منه، لان الناس عندنا لم تعد تخدعهم هذه الحيل المكشوفة،و باستطاعتهم أن يتلمسوا مواطن الخير مهما حيل بينهم و بينها...

    أن أى أنسان على قدر ولو بسيط من العقل – و المفروض أن يكون أصحاب المراكز القيادية على عقل و فهم – يتحتم عليه أن يفهم من تلقاء نفسه أن مساواة المرأة بالرجل من صميم الاسلام.. فقد ساوى الله بين  الذكر و الانثى فى الحقوق الجوهرية،و أعطى لكل منهما قدر ما أعطى الآخر من حق و واجب.. أعطى للمرأة ما أعطاه للرجل دينا و دنيا.. و أقر لها ما أقره له من حقوق التعلم و العمل و الاحترام الاجتماعى و الاستمتاع بالكارمة و الاستقرار و السلام...

    و من هذا المعنى الكريم استمد الميثاق قرته فى أعادة الاوضاع الاجتماعية الى أصولها الدينية الصحيحة، بازالة أسباب الظلم التى أوقعتها عهود التخلف و الجمود على النساء، فكانت العلة الرئيسية فى تخلف الشعب الاسلامى الى هذه الدرجة التى نراها بأعيننا واضحة أمامنا...

    و اذا كان كل ما يضشغل بال السيد عضو مجلس مدينة (شبين القناطر) هو قضية الشهادة أمام المحاكم، فليطمئن قلبه الى أننا أعمق بكثير من أن نشغل أذهاننا بمثل هذه الامور الثانوية..و ليتأكد أننا لا نرى أدنى فضاضة فى أن تشهد أمرأتان مقابل رجل واحد.. ولا مانع لدينا مطلقا من أن تشهد أربع بل عشر مثابل رجل واحد اذا اقتضى الحال،و كان فى ذلك تحقيق للمصالح العامة..و اذا كان فى قرارة نفسه يخاف أيضا على الميراث، فليطمئن قلبه مرة أخرى الى أن دعوتنا الى المساواة دينية أبية أخلاقية أجتماعية تستمد من قواعد الاسلام قوتها على التسامى فوق الاغراض المادية..و ليهدأ باله الى أننا لانطمع مطلقا فى سلب الرجل (مثل حظ الانثيين)،و أن أراد أكثر فأمامه الميراث كله نتنازل عنه بكل رضا و سماحة.. فالمسألة لا تزيد على كونها قضية أوضاع اجتماعية يجب أن تعدل حتى يستطيع الشعب الاسلامى أن يقف على قدميه،و يسترد بعض أمجاده الزائلة.. أما عن أشارته الى المطالبين بالمساواة الى أبعد حدودها،و ما يتضمنه معنى هذا الكلام من تلميح الى الاباحية، فأنا أرفض الرد عليه.. بل أرفض مجرد مناقشته لكى أوفر الجهد و الحيز من أن يضيعا فى أقوال ترد على نفسها بنفسها،و واضح أن الغرض منها تشويه الصورة الجميلة..

    كان يكفى أن يكتب سيادته الينا ليقول أه لم يحسن التعبير عن رأيه..

    و لسوف أعتبر أن الرسالة الثانية ترمى الى هذا الغرض،و أقفل الحديث نهائيا فى هذا الجدل الذى بدأ يأخذ أشكالا غير منطقية...

 

المصدر: أمينة السعيد - مجلة حواء
  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 1586 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,209,599

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز