ll

الأصـــــالـــة العــــربيــــة

على مساحة 10 كيلو مترات

كتب :محمد الحمامصي

متابعة مهرجان الظفرة الذي تقيمه هيئة الثقافة والتراث بأبوظبي علي الأرض ومعايشته أمر آخر غير الصورة التليفزيونية أو الأخبار الصحفية، فمنذ اقترب الأتوبيس السياحي الذي استأجرته الهيئة ليصحب فريقا من الإعلاميين العرب والأجانب للمهرجان حتي تجلت اسطوريته، فعلي مساحة تقارب عشرة كيلومترات مربعة تناثرت الخيام مختلفة الألوان والأشكال والأحجام، والآلاف من عائلات أصحاب الإبل من الإماراتيين والخليجيين المشاركين، في مشهد يستحضر إلي الذهن الحياة العربية الأصيلة تلك التي تحضر في كتب المؤرخين العرب القدامي ورحلات الرحالة العرب والأجانب بمايلفت النظر أن جميع الصناعات التراثية يشارك فيها رجال ونساء وشباب، فخيام صناع الفخار نجد فيها الرجل ونجد فيها المرأة، بعض قطع الفخار التقليدية مستخدمة حتى اليوم مثل «الهيب» لتخزين وتبريد مياه الشرب، و«البرمة» لحفظ الحليب الطازج والشير» لحفظ التمور والسمك المجفف، ومن أكبر الأوانى وأكثرها تحديا من الناحية التقنية «الخروس» ، وهو عبارة عن وعاء قادر على احتواء أكثر من عشرين جالوناً من الماء، كما كان يتم صنع المباخر والمزهريات من الطين أيضا.

كذلك صناعة الخوص «حياكة سعف النخيل» حيث أدى توفر أشجار النخيل بغزارة حول الواحات إلى تطور صناعة متكاملة تعتمد على حياكة سعف النخيل لصناعة أدوات مثل السلال والمراوح والحصائر وأغطية الأرضيات، وقد عرض المشاركون على جانبى خيامهم ومدخلها المباخر والمبخرة وهى قاعدة مخروطية الشكل ذات أربع أرجل، كان يتم تعليق الملابس عليها لتعطيرها بالبخور المنطلق منها، والمكبة وكانت من الأدوات الأساسية فى البيت الإماراتى ، وهى عبارة عن غطاء هرمى الشكل كان يستخدم لتغطية الطعام، والسرود وهو حصيرة دائرية كانت توضع عليها أطباق الأكل. ويمكن جمع العديد منها لتكوين مكان فسيح يجتمع فيه الناس لتناول الطعام، والجفير : وهى سلة عريضة متدرجة إلى قاعدة دائرية كانت تستخدم لحمل الخضار والفواكه، والعريش: وهو نوع من البيوت البسيطة التى كانت تبنى من أغصان وسعف النخيل، حيث كانت توفر نوعاً من الخصوصية وكذلك الحماية من الحياة البرية مع برودتها نسبيا خلال أيام الحر .

على غرار الخوص تأتى صناعة السدو «الحياكة» كصوف الماعز المعالج ووبر الجمال . بعد غسله وغزله وصبغه باستعمال مستخلصات النباتات المحلية مثل الحناء والزعفران والصبار والنيلة، حيث يتم نسج الصوت وتحويله إلى منتجات عملية وزاهية الألوان مثل الملابس وزينة الجمال والخيم، كما أن صناعة السدو توفر الوسائد الأرضية للمجالس ومختلف أنواع الزينة المنزلية والسجاد والحصائر.

وهنا خيام صناعة التلى وهو نوع من التطريز يتم فيه استخدام خيوط ملونة يتم جدلها، ويستعمل لتزيين صدر وأكمام الثوب التقليدى الإماراتى .

ولا تزال إكسسوارات الشعر والأساور والخواتم والخلاخل الشعبية تلقى رواجا كبيرا، إلى جانب العديد من القلادات خاصة تلك التى تضم الطبلة وهى عبارة عن صندوق صغير مستطيل الشكل يحتوى على آيات قرانية .

وتشغل خيام المشغولات الجلدية فى السوق مساحة كبيرة فهى كبيرة فهى من اختصاص البدو الذين يعتمدون بشكل كبير على على جلود الماشية لصنع الأحذية ، والحقائب، والأثاث، والأدوات الموسيقية ومعدات الجمال . كما كان استعمال الجلود المدبوغة متداولا بشكل كبير لصنع الأوانى لحفظ اأكل والماء وقد كانت مثل هذه الأوانى تستعمل لخض الحليب وصنع الزبدة. ويتمتع البدو بمهارات عالية فى دباغة الجلود وكانوا يستخدمون أنواعاً كثيرة من الحبوب والمواد الطبيعية .

قرية الأطفال

وتشتمل قرية الأطفال - والتى تم الحاقها فى هذه الدورة بالسوق الشعبى - على تنظيم مسابقات ثقافية يومية ، منها مسابقات «تستاهل الناموس، الشداد، الحرف التراثية للبنات كالحناء والكاجوجة والخوص وإعداد القهوة، اليولة، الزى الإماراتى للبنات، الرسم الحر والقصة القصيرة»، وعروض موسيقية تراثية للفرقة الشعبية الإماراتية، بما يعكس سعى اللجنة التنظيمية فى العمل على تحقيق طموحات أكبر شريحة من هذه الفئة من خلال تعريفها بالعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، حتى يصبح المهرجان ملتقى لتعزيز الروابط الأسرية ومشاركة جميع شرائح المجتمع فى هذا الحدث التراثى المهم .

أزياء المرأة

وأثناء التجول فى السوق يمكن ببساطة أن نتعرف على زى المرأة الإماراتية التى كانت حاضرة سواء كزائرة للسوق أو مشاركة فيه، فهناك العباية - الثوب الخارجى الفضفاض الذى يلبس خارج البيت - والشيلة وهى عبارة عن قطعة عريضة من القماش الأسود يصل طولها الى مترين وتغطى رأس المرأة وجزءا من وجهها، وتلبسها عند خروجها من البيت، وهناك البرقع وهو عبارة عن قناع كانت تلبسه الفتيات عندما يبلغن سن البلوغ، أما اليوم فتلبسه السيدات كبيرات السن قط، ويتم ك الجهة الباطنية للبرقع بقوقعة المحار أو الحجر ويتم صبغها باللون النيلى الذى يعتقد بأن له مفعولاً مجملاً ومبيضاً على البشرة. أما الوان البرقع الأكثر شيوعا فهى الأحمر والذهبى .

وسط السوق قامت فرقة أبوظبى للفنون بتقديم رقصة، «العيالة» أو «العجالة» ، التى تجمع بين الغناء والرقص، وهى رقصة حربية فى الأصل ترمز إلى النصر بعد المعركة، وهى تؤدى الآن للترحيب بكبار الشخصيات التى تزور أبوظب يعتبر تجسيدا للقيم التاريخية والثقافية، فيها يتحرك صف قارعى الطبول نحو صف حملة السيوف فى حركات متناسقة وتعابير صوتية مصحوبة بإطلاق النار من البنادق والتلويح بالسيوف والخناجر، فى عرض يجسد الشجاعة الحسية والأدبية للحياة البدوية فى قلب الصحراء.

ميدان سباق الإبل

ميدان مسابقات سباقات الإبل ومزينتها ذكرنى بتلك الأفراح الشعبية لتى تقام فى مصر ، فبينما كانت الإبل تتسابق كان صيحات الأطفال والشباب والشيوخ تملأ المنصة المطلة على الميدان، وما أن تنتهى المسابقة ويعلن عن أسماء الفائزين حتى تتحول المنصة وساحتها إلى كرنفال شعبي، تتطاير فيها العقالات والشيلان فى الهواء، ويلتف الشباب حول هذا الفائز 'أو ذلك ليرفعوه على أكتافهم ويلقوه فى الهواء صعودا وهبوطا، الفرحة تجتاح الجميع وتتعالى صيحاته وتهليلاته لتطغى على كما عداها ، صورة حقيقية للأصالة للاعتزاز، وبعد هدوء ثورة الفرح تنطلق مواكب الفائزين يتقدم الموكب الجمل الفائز وخلفه عشرات الإبل.

عقب إعلان النتائج نزلنا إلى ساحة الإبل نتحدث إلى هذا وذلك من المشاركين، لنعرف أن الإعداد والتجهيز للمشاركة فى مسابقات المهرجان تبدأ قبل بدء فعالياته بستة أشهر، وأن الإبل المشاركة تلقى عناية خاصة فى تغذيتها ، تغذى باللبن والبلح والعسل والحشائش الخضراء ، حتى أدوات الزينة يتم صناعتها يدويا لتحمل فنون هذه المنطقة وتلك .

المهرجان إذن ليس مصطنعا ولا مفتعلا بل جزء من نسيج أصيل فى الحياة الإماراتية، فى أبو ظبى الإنسان والبيئة والحياة الاجتماعية، هذا الإنسان قدم بحياته ليقدمها ويقول من خلالها اننى متمسك بأصالتى ، بهويتى، بخصوصية وتراثى .

لقد لفت نظرى أن هذه الإبل التى تبلغ المئات والآلاف، لكل منها، لكل جمل اسمه الذى يتم حفره وشمه أو وسمه - به على فخذه الأيمن ، وأن هناك اعتزازا شديدا بالإبل، فهى ليست مجرد شريك حياة وعمل، بل هى جزء من الثــروة لهذه العائلة أو تلك.

 

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 785 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,072,834

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز