الإسلام يضمن لغير المسلمين الحياة
فى ظله آمنين مطمئنين
كتبت :أمل مبروك
التعامل مع أهل الكتاب ومنهم النصارى أباحه الشرع في عدة وجوه مثل: البيع والشراء - فيما أحل الله- فقد أخرج البخارى ومسلم : "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه"، كما أخرج البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم: زارعهم وساقاهم"، وأنه أكل من طعامهم". وكذا تجوز عيادة مرضاهم وحل مشاكلهم -إن طلبوا هم ذلك- وتبادل التهانى معهم فى الأعياد
لقد سبق الإسلام بمبادئه السامية تجاه البشرية كل الأديان والقوانين الوضعية، بحيث لا تعرف قوانينه التعصب المذموم، الذي يؤدي إلى الشحناء والبغضاء والفرقة، التي تمزق المجتمع الإنساني ، ومن ضمن من حفظ الإسلام لهم حقوقهم وأوجب حمايتهم، غير المسلمين من أهل الذمة الذين راعى إنسانيتهم وحقوقهم .. وفى هذا يقول فضيلة الدكتور نصر فريد واصل - مفتى الجمهورية الأسبق - إن الإسلام قد أمر بالعدل وحث عليه، حتى ولو كان الحكم لصالح الأعداء على الأهل والأصحاب فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون»
ومن تمام عناية الإسلام بغير المسلمين أنه عندما خيرهم بالتحاكم إلى شرائعهم، أكد على المساواة بينهم في حالة التحاكم إلى شريعتنا، يقول سبحانه وتعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين».
كما أوجب الإسلام الدفاع عن أهل الذمة وحمايتهم من الأعداء، إذ أن لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، بل يلزم الدفاع عنهم مما يؤذيهم والقتال دونهم وفك أسراهم من الأعداء .. وإذا كانت حماية غير المسلمين من المعتدين الخارجين لازمة فحمايتهم من الاعتداء الداخلي ألزم . ولذا نجد الصحابة رضوان الله عليهم راعوا مبدأ حماية الإسلام لأهل الذمة، والحفاظ على حقوقهم من الاعتداء عليها أو النيل منها بغير وجه حق، سواء أكان هذا الاعتداء من المسلمين أو من غيرهم، وتجلى ذلك في صور عديدة ولا أدل على ذلك من القصة المشهورة التي رواها أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء رجل من أهل مصر فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال: وما لك؟ قال أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل - أى عقد سباقا للخيول - فأقبلت فرسي - أى فازت بالسباق ، فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو فقال: فرسي ورب الكعبة. فلما دنا مني عرفته فقلت: فرسي ورب الكعبة، فقام إلي يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. وبلغ ذلك عمرا، فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانفلت منه، وهذا حين أتيتك. قال أنس رضي الله عنه : فوالله ما زاد عمر على أن قال: اجلس. وكتب إلى عمرو : إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل معك بابنك محمد. فدعا عمرو ابنه، فقال: أأحدثت حدثا؟ أجنيت جناية؟ قال: لا. قال: فما بال عمر يكتب فيك؟ فقدما على عمر. قال أنس رضي الله عنه: فوالله إنا عند عمر ، إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه فإذا هو خلف أبيه. فقال عمر: أين المصري؟ قال : ها أنا ذا . قال دونك الدرة - أى خذ العصا - فاضرب بها ابن الأكرمين . فضربه حتى أثخنه، ثم قال عمر: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ فجعل عمرو يعتذر ويقول إني لم أشعر بهذا. ثم التفت عمر إلى المصري فقال: انصرف راشدا، فإذا رابك ريب فاكتب لي.
أهل الذمة
ويضيف الداعية مظهر شاهين - خطيب وإمام مسجد عمر مكرم - أنه لم يكتف الإسلام بأن وضع الأسس والقواعد التي تكفل حماية غير المسلمين، بل إنه وضع عقوبات رادعة لمن يتعدى حدود الله عز وجل ويتجاوز حدود العهود بين المسلمين وغيرهم، وبمقتضى التشريع الإسلامي فإن المسلم الذي يقتل غير المسلم دون حق فإنه يقتل به، ومن سرق أحدا من أهل الكتاب فإنه يقام عليه الحد كمن سرق من المسلمين، كما ثبت ذلك من عموم الأدلة. . واستمع إلى هذا الحديث النبوي الشريف لترى مدى عناية الإسلام بالعهود وحفظها عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة ، وهو صلى الله عليه وسلم يقول «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» رواه البخاري وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا الأسلوب الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات لقوله تعالى : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ .
وقد رأينا كيف أباح الإسلام تناول الطعام مع أهل الكتاب ، كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة. وفي هذا قال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ . هذا في أهل الكتاب عامة. أما النصارى منهم خاصة، فقد وضعهم القرآن موضعا قريبا من قلوب المسلمين فقال: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَيَسْتَكْبِرُونَ
وهذه الوصايا المذكورة تشمل جميع أهل الكتاب حيث كانوا، غير أن المقيمين في ظل دولة الإسلام منهم لهم وضع خاص، وهم الذين يسمون في اصطلاح المسلمين باسم " أهل الذمة " والذمة معناها: العهد. وهي كلمة توحي بأن لهم عهد الله وعهد رسوله وعهد جماعة المسلمين أن يعيشوا في ظل الإسلام آمنين مطمئنين. وهؤلاء بالتعبير الحديث " مواطنون" في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شئون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون
ساحة النقاش