رجل بثلاثة قلوب
للأم الجلال .. وللابنة الحنان
.. وللزوجة «الجنان» ومن بعدها الطوفان
كتب : إيمان عبدالرحمن -أسماء صقر -سماح موسى -محمد الشريف
عجيب أنت أيها الرجل في تعاملك مع المرأة فتارة تبجلها وتقدمها علي نفسك، وتارة تحنو وتقوم علي مصالحها بفروسية ونبل، وأحياناً تهاجمها وتنكر ذاتها وحقها في الحياة في ازدواجية يضطرب العقل ويحار في تفسيرها.
من الجاني؟ ومن زرع فيك هذا التناقض الذي يفسد عليك بوصلة مشاعرك؟! وأمام هذه الحيرة في البحث عن إجابة طرحنا سؤالاً علي نخبة من فئات المجتمع، وهو: لماذا يبجل الرجل أمه ويحتضن ابنته ويلفظ زوجته؟! لعلنا نجد في إجاباتهم تحليلاً كاشفاً ومفسراً للغز ازدواجية الرجل في تعامله مع المرأة
فى البداية ترى الكاتبة والناشطة عفاف السيد أن الرجل طوال الوقت يتعامل بازدواجية مع المرأة. وذلك نتيجة لتراكم ثقافى موغل فى التاريخ وليس اختراعاً جديداً، ويرجع أيضاً للمعتقدات الشعبية والعادات والتقاليد، فوجهة نظر الرجال لم تتطور عن المرأة أبداً ويغمضون أعينهم ويصمون آذانهم أمام هذه المسألة .
وتضيف السيد: إن الرجل رغم تعامله بقدسية مع والدته فإنه يشملها بنظرته العامة للمرأة، ونجد ذلك عندما يرفض الابن زواج والدته المترملة أو المطلقة ولا يعتبرها إنساناً كامل الأهلية، فى حين أنه لا يهتز إن تزوج والده زوجة أخرى، ونجد هذا التعامل أيضاً مع الزوجة والابنة بل والزميلة فى العمل.
وعن الحل ترى عفاف أن المرأة شريك أساسى فى المشكلة، فمن الذى ربى الرجل ؟! إنها والدته، وساند فى ذلك تراجع الخطاب الدينى الصحيح، لذلك الحل يبدأ من المرأة ومن خلال تنمية الخطاب النسوى لها أولاً، حتى ننتج أجيالاً بوعى نسوى، فالمشكلة تراكمية فى الأساس.
الشعور بالتملك
وترجع الكاتبة أمينة زيدان الازدواجية فى تعامل الرجل مع زوجته إلى شعوره أنها من ممتلكاته، فلو عنده سيارة يهتم بها أحيانا أكثر من اهتمامه بزوجته، لأنه يعتبرها جزءاً من البيت ولن أقول لفظ «خادمة» .
ولا ننسى أننا نعيش فى مجتمع ذكورى بجدارة يحاول فيه الرجل كبح دور المرأة ، وأحيانا يستثنى الأم من هذه النظرة لأنها تمثل الشكل الذى يحبه ويجله ويجيب له كل طلباته فيكسبها الإحترام والتقدير.
الخطاب الدينى
وتتساءل د.آمنة نصير -أستاذة الفلسفة الإسلامية - بجامعة الأزهر- لماذا يبجل الرجل أمه ويوقرها ويعامل ابنته معاملة طيبة، ويسئ إلى زوجته ؟ هل أصبح طبعاً فى الزوج المصرى أن يرى أن تلك المرأة صارت بعد زواجها منه عبدة بما دفعه من صداق ؟! ، أم أنه حريص على حصوله على ما يشاء منها وسلبها أدنى ما تشاء من معاملة حسنة، أم هناك غياب للوازع الدينى بخاصة لدى البعض ممن تفرد بالخطاب الدينى فى بعض المساجد الذى يرى أن المرأة سلعة ومتاع بالمنزل، أم أن هناك ضغينة يحرص الرجل على إخراجها فى زوجته ؟وهذا ما ظهر لى جلياً فى استطلاع للرأى حول قانون الخلع حيث قال أحد الرجال «أخاف أن أعامل زوجتى معاملة طيبة تفهمها على أنها ضعف منى».
الدين الصحيح
ولدى الشيخ محمد سعد موسى» عضو لجنة الفتوى بالأزهر- يقين بأنه لو كان لدى الانسان وعى بكيفية عبادته لربه ، والمساحة التى أعطاها الله إياها فى العبادة، لسلم بضرورة الإحسان للزوجة بجانب تقدير الأم والابنة - فكما جعل الله مساحة لعبادته فى طاعة الأم وحسن تربية الابنة، وصلة الرحم كذلك جعل حسن معاشرة الزوجة عبادة وأمر بها فقال «وعاشروهن بالمعروف» وبذلك يتحمل كل من الزوجين الآخر، وينصح له اذا أخطأ وليعلم الزوج بأن أمه زوجة لرجل، وكذلك ابنته واخته وعمته فما لا يرضاه لهن من معاملة سيئة فليتجنبها مع زوجته فإنه كما يزرع يحصد.
غياب التفاهم
وتؤكد د.ليلى البيلى عضوة مجلس إدارة الغرفة التجارية ورئيسة مجلس لجنة المرأة بها أن المرأة يجب أن تحترم فى جميع الأحوال سواء زوجة أو أماً أو ابنة أو أختاً فإنها تمثل نصف المجتمع وتربى الأجيال وتنجب الولد والبنت ومسئولة عن تنشئة الجيل سواء رجالاً أو نساء.
وتشير إلى غياب التفاهم والتقارب فى النواحى الثقافية والاجتماعية قبل الزواج الذى ينعكس بعد الزواج، وعاطفة الرجل تجاه الأم والابنة قوية لاعتباره أن أمه هى الأساس فى وجوده، والابنة امتداد له، كما أن الجيل الجديد من البنات ينظر للزواج كمعركة بين ندين فهى ليست أقل من الرجل والتربية بالنسبة للولد مختلفة عن البنت فهو «سى السيد» له السيطرة على أخته حتى لو كان أصغر منها سناً، وبالتالى يطبق ذلك بعد زواجه على زوجته فهذا يجعله ينظر للمرأة على أنها تابع له.
فرض السيطرة
وتشير د. عواطف والى -عضوة الاتحاد النسائى المصرى- إلى أن الأم ليست لها سيطرة على الابن، أما الزوجة فتحاول أن تسيطر على زوجها وخاصة عندما تنجب، فهى ترى أن لها الحق فى السيطرة على الأسرة وأمورها.
كما أن الابن لا ينفق على الأم بخلاف الزوجة. وأخيرا ترى أن الأم تحب أولادها بالغريزة الطبيعية والفطرة، أما الزوجة فتحب الزوج نظراً للمصالح المشتركة بينهما.
ابحث عن الأم
ولا تتفق لمياء لطفى الناشطة بمؤسسة المرأة الجديدة- مع الفكرة التى تقول أن الرجل أحيانا يتعامل مع الزوجة بطريقة تختلف عن معاملته الأم والابنة والأخت فيكون بخيلاً معها بخلاً عاطفياً، وتقول: لا أظن ذلك، فالرجل المتصالح مع ذاته يستطيع التعامل مع الفرد المختلف معه باحترام سنجده يتعامل مع السيدات بهذا المنطق سواء كانت أمه أو أخته أو زوجته، ومع العكس إذا تعامل الرجل بمنطق أنه الأقوى والمسئول وكلمته هى النافذة، فسنجده يطبق هذا الأسلوب فى التعامل مع كل السيدات حتى مع والدته.
وأرى أن المرأة هى المسئولة عن ذلك لأنها هى الأم التى تربى ابنها، فأحيانا نجدها سعيدة عندما يضرب الأخ أخته لأنها تأخرت مثلاِ، وعندما يحتاج لماء لا تجد غضاضة أن تأمر الابنة أن تترك طعامها لتحضر لأخيها الماء، لذلك هى المسئولة عن تصرفات ابنها مع كل الناس عندما يكبر، وللعلم فإن الإبن الذى تربى بهذا الأسلوب سيعامل الأم معاملة سيئة كما ربته أن يتعامل مع أخته، وكذلك أى أمرأة سواء كانت زميلة أو ابنة ولن يستثنى أحد لأن ذلك سيكون سلوكاً عاماً طريقة تربية وفكر.
أبواب الجنة
- ولكن كيف يرى أهل الشرع هذه الازدواجية التى يتعامل بها الرجل مع المرأة؟ يقول عبدالحميد الأطراش- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً وأمين عام الدعوة بالأزهر الشريف- لابد أن يبجل الرجل والدته، فقد كرم الله المرأة بصفة عامة وأعطاها مكانة كبيرة حيث الأمر لا يخلو إما أن تكون هذه المرأة زوجة أو أما أو بنتاً أو أختاً وأوصى الله تبارك وتعالى بالأم بل بالوالدين حيث قال فى محكم آياته «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين
إحساناً» وقال «ووصينا الإنسان بوالديه حسنا» صدق الله العظيم .
وقال النبى«ص» : من أصبح وأمسى مرضياً لوالديه أصبح وأمسى وله بابان فى الجنة، ومن أصبح وأمسى مغضبا لوالديه أصبح وأمسى وله بابان فى النارقيل وإن ظلماه يا رسول الله.. قال وإن ظلمها وإن ظلماه وإن ظلماه (ثلاث مرات) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كنا نرى الفرق بين الأم والزوجة، فللزوجة مكانتها الخاصة وللأم مكانتها، وينبغى ألا يطغى حب إحداهما على الآخرى، فحب الأم يختلف عن حب الزوجة، فالأم تعتبر عند ولدها ضيفة والنبى«ص» أمرنا بإكرام الضيف والزوجة عند زوجها أمانة، وينبغى أن يحافظ على هذه الأمانة لأن المحافظة عليها من الإيمان.
صلة الرحم
أما د. عايدة سيدهم -وكيلة كلية تربية عامة بجامعة الزقازيق فتقول: قد يأتى الرجل على حقوق الزوجة وقد يهملها أحياناً فى حين يكرم والدته ويبجلها، وهذا يرجع إلى صلة الرحم التى تعد رابطة قوية بين الابن ووالدته أكثر من الرجل وزوجته، فقد اعتاد الرجل من والدته على المثالية وتفضيل مصلحتهم (الأبناء) على مصلحتها الخاصة، ويغار الرجل من زوجته لأنها أفضل منه علميا واقتصادياً ولذلك تحدث الفجوة بين الزوجين التى تولد الخلافات المستمرة، ولذلك يهمل الزوج زوجته ولا يعطيها حقوقها كزوجة.
للأم مكانة خاصة
ويرفض د. ممدوح وهبة -رئيس الجمعية المصرية لصحة الأسرة الفكرة قائلاً: للأم وضع خاص جداً ولا ينكر أحد فضلها لا المجتمع أو الأجيال السابقة أو القادمة، أما الزوجة فهى شريكة الحياة أى متساوية وقرينة الزوج مثل الصديق، فقد يختلف معها الزوج فى بعض الأحيان، وقد يحدث بينهما بعض المشاحنات والإختلافات، فهى جزء من الزوج فأحيانا يتناساها وقد يشعرها ببرود المشاعر والتجاهل، ولكنه يعتبرها الملاذ له عند الشدائد، فقد يقسو عليها. ولابد عليها أن تتحمله وتدرك أنه يقدرها ويحترمها، ولكن ظروف العشرة والحياة هى التى أدت به إلى هذا الفعل.. فتقبلها لهذا يعتمد على طبيعة الزوجة وحبها له فقد تكون زوجة متسلطة أو نكدية فلا تتحمله أبداً وتسوء علاقته بها وبأهلها، وقد تكون زوجة حنونة محبة لزوجها، فتتحمله وتشاطره حزنه وتقف بحانبه وقت الأزمات، وقد يصل بها فى كثير من الأحيان أن تجعل علاقته بأهله سوية يسودها الحب وتشجعه دائماً على التواصل مع أسرته وأهله خاصة كسب ود والدته، وبهذا تكسب عند الرجل مكانة أكبر وأكبر مما كان يكنها لها..
العدل
وتقول كريمة الحفناوى- أمينة عام حزب الاشتراكى المصرى- لابد أن يفهم الرجل دائماً أنه كما أوصاه الله بوالدته أوصاه بزوجته خيراً، فالزوجة دائماً تساند زوجها سواء فى الضراء أو السراء دون أن تكل وتتعب فى سبيل إرضاءه والحفاظ عليه وكذا لا أحد ينكر فضل الأم ومنزلتها العظيمة التى يعجز اللسان عن الكلام عنها، فمهما فعلنا وقلنا لا نوفيها حقها.
أما إذا خير الرجل بين زوجته ووالدته، فلابد أن يعدل بينهما لأنه مسئول عنهما، ولكل واحدة فضل ومكانة عظيمة.
لابد من إرضائه
ويرى د. حمدى عمر -وكيل كلية الحقوق لشئون البيئة والمجتمع وأستاذ القانون الدستورى بجامعة الزقازيق- أن الرجل يرتبط بوالدته أكثر من زوجته خاصة إذا لم يكن لديه أبناء. مضيفاً: أن ذلك لا يعنى أن الزوجة مهدور حقها عند الزوج بل يكرمها كما أوصاه الله بها.
فقد يظهر حب الرجل لوالدته وتفضيله لها عن زوجته، لأننا كمجتمع شرقى له عاداته وتقاليده، فإذا استطاع الزوج أن يحترم زوجته ويوقرها احترمته ووفرته هى الأخرى.
قهر المرأة
ويخطئ د. محمد وهدان- أستاذ بجامعة الأزهر - من يقول بقهر المرأة أو معاملتها معاملة سيئة، مستنداً فى ذلك إلى تكريم الإسلام للمرأة فى كثير من آيات القرآن واحاديث الرسول (ص) فقد كرمها الإسلام، وأوصى ببرها والإحسان اليها، وكرمها ابنة بحسن تربيتها وتعليمها، وكرمها زوجة وجعل لها من الحقوق مثل ما للرجل.
وكما أوصى النبى«ص» قولاً أوصى فعلاً كى يقتدى به المسلمون فهو خير المتسامحين فقد فعلت معه السيدة عائشة ما لو فعلته امرأة مع زوجها لسكان سبباً فى طلاقها. حيث قالت: أنت الذى تزعم بأنك نبى الله فقال (ص) أو فى ذلك شك يا عويش.
ولما هم أبوبكر أن يضربها قال (ص) دعها يا أبا بكر فإنها امرأة غيراء، وإن المرأة الغيراء لا تبصر أسفل الجبل من أعلاه.
وتفاديا لهذه المشاكل على الرجل أن يعطى كل ذى حق حقه كحب الابنة وحب الزوجة، والرجل الصالح هو من تسود المودة والرحمة معاملته مع زوجته.
المشكلات الاجتماعية
ويرى د. محمد أبوليلة - أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجلزية بجامعة الأزهر- أن الأسباب الكامنة وراء تدنى معاملة بعض الأزواج لزوجاتهم كثيرة منها- المشكلات الاجتماعية التى تواجه الزوجين وعدم التكافؤ المادى والعلمى والمكانة العملية بين الزوجين، بالإضافة إلى الانفتاح التكنولوجى الذى يعد سلاحاً ذا حدين الذى يستخدمه بعض الأزواج فى الاتصال بالفتيات من خلال غرفة المحادثة على الإنترنت كل هذه الأسباب وراء عزوف الرجل عن زوجته، تأتى هذه الأسباب بعد غياب الوازع الدينى لدى الطرفين وانفراد أحدهما بالحياة دون الآخر.
وأمر الإسلام بحسن معاملة الزوجة ليس كما يعامل أمه أو ابنته بل لكل منهن تقدير واحترام، أما الزوجة فلها معاملة خاصة نظراً لأن الإسلام عد الزوج والزوجة نفساً واحدة، فقال تعالى«من نفس واحدة وجعل بينكم مودة ورحمة».
ويدعو أبوليلة مجتمع الأزواج والزوجات بالتأسى برسول الإسلام فى معاملاته مع أهله فإن فيها النجاة والتجنب للمشاكل الزوجية القائمة
ساحة النقاش