أبى الذى لا أفهمه

كتب :أدهم نور



 في عملي وفي أسرتي وحتى بين أصدقائي أهتم دائما برصد مشكلات الآخرين، وهي عادة معي منذ الصغر جعلتني أفهم بشكل أعمق نفوس البشر. هذه الميزة التي حباني الله بها هي ما جعلتني أشعر أن ثمة مشكلة يعاني منها زميل جديد في عملي وهو شاب مكافح جدا يعمل في عمل إداري بسيط. أعتبره أخي الصغير وأشعر أنه إنسان راقي المشاعر جدا، لم تلوثه الحياة، لذلك دائما ما يلجأ لي إذا ما اعترضه شيء لا يمكنه استيعابه >>

 جاءني يوم الخميس مكفهراً وعلمت منه مشكلته، فهو ابن وحيد على ثلاث بنات وهو أكبرهن، يحب والديه كثيرا ويحاول أن يكون دائما ابنا بارا، في يوم عيد الأم كان قد أعد لأمه مفاجأة عمرها، فقد كان كل أملها في الحياة أن تحج إلى بيت الله، والده كان قد حج من قبل مع فوج تابع لوظيفته ولم يتمكن وقتها من اصطحاب زوجته، وصديقي هذا الذي احكي لكم عنه لا ينسى وقت الإعداد لهذا الأمر أن أمه نصحت والده بأن يذهب ولا يعبأ بأنها لن تكون معه فالمسألة نصيب وسيوافيها نصيبها عندما يأذن الله، يذكر أيضا أنها يومها انتحت جانبا لتبكي، وقد رآها دون ان تراه، وعندما ناداها والده كفكفت دموعها سريعا ورسمت ابتسامة عريضة ومثلت الفرحة أمام الجميع. من يومها والولد يصر أن يوفر لأمه نفقات الحج، لكنه لم يستطع وعندما التحق بالعمل حصل على قرض ووفر بعض المال وتكتم الأمر ليفاجئها بالعمرة في عيد الأم. وفي يوم عيد الأم أعلن المفاجأة فلم تتمالك أمه نفسها من الفرحة، لدرجة أنه خاف أن يتوقف قلبها من شدة تأثرها، المشكلة ليست هنا، المشكلة في رد فعل أبيه، يقول لي أنه فوجئ برد فعل عجيب افشل عليه فرحته بهديته لأمه، ففي غمرة فرح أمه وجد وجوما عجيبا على وجه أبيه، بل إن هذا الأب عقب بعبارات عجيبة، لقد قال له: طالما أنت معاك فلوس ليه بتاخد مني؟ قال له أيضا "يعني هي أمك هتقدر بصحتها دي تسافر وحدها؟" وقال ما هو أكثر: عمرة إيه؟ كنت صبرت لما نطلعها الحج، العمرة ماتغنيش عن الحج.

 ويضيف صديقي أن الأم وقتها توقفت فرحتها وارتبكت قليلا، وذهبت خلف والده الذي ترك الصالة، ودخل غرفته. صديقي الصغير تضايق من تصرف والده مما جعله ينسحب من المنزل ويخرج للشارع بعدما ضاق صدره من هذه العبارات. للأسف لم يفهم نفسية الرجل رغم انه رجل! فالزوج يتصور انه هو الحصن والملاذ لزوجته، ولا يتصور أن يلبي احد طلباتها التي ترقى لمستوى الأمنيات إلا هو، الأب أيضا لا يريد أن يشعر أنه أقل من ابنه، لقد عجز عن تحقيق حلم زوجته وشريكة عمره ان يوفر لها نفقات الحج لأنه لا يملك، ثم يفاجأ ان ابنه الصغير يحقق لها الأمنية، والأدهى من ذلك يجدها سعيدة كل هذه السعادة مما يوجع مشاعره أكثر لأنه عجز. رجال كثيرون يأخذون الأمر ببساطة لكن بداخل أنفسهم يشعرون بالخزي لكن يسيطرون على مشاعرهم حتى لا يعترفوا أمام الجميع بهذا العجز، لكن والد صديقي لم يستطع الكتمان. استطعت أن أفهمه واستوعب الأمر لكنني نصحته أن يفتح الموضوع بأي شكل بحيث يجد مناسبة مواتية ليقول لوالده" هذا من خيرك يا ابي فلو لم تعلمني وتحرم نفسك من اجلنا ماذا كان يمكنني أن أصنع؟ أنا امتدادك وأي شئ لفعله إنما هو منك أنت" لابد عندما نتعامل مع آبائنا وأمهاتنا ان نفهم كيف يشعرون وكيف يفكرون، ولابد أنا كرجل أن أضع نفسي مكان والدي واختبر رد فعلي لو كنت في موضعه ماذا كنت سأفعل وكيف كنت سأشعر. إنها مسألة تحتاج مهارة في تعاملنا مع الآخرين، وهي حكاية جعلتني أدرك أن المشكلة ليست في أن النساء لا يفهمن الرجال بل هناك من الرجال من لا يفهمون كيف يفكر الرجل؟

المصدر: مجلة حواء -أدهم نور
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2544 مشاهدة
نشرت فى 21 مارس 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,797,737

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز