دروس وعبر
رحلة الحبيب الي الرحاب الاقدس
كتب : محمد الشريف
جاء حادث الإسراء والمعراج مكافأة ربانية لحبيبه محمد صلي الله عليه وسلم علي ما لاقاه من آلام وآحزان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب بعد أن فقد الناصر، ذلك العم الكافل، الطود الأشم، الأسد الحامي والحصن الواقي، ووفاة خديجة، ومن هي خديجة؟ إنها الملاذ بعد الله، الأنيس بعد ذكره، من كانت تؤمنه إذا خاف، وتؤنسه إذا استوحش، تريحه بعزوبة حديثها إذا تعب، تسدد بصائب رأيها إذا قلق أو اضطرب.
بعد هذه الآلام كافأ الحبيب فرفعه إليه وقربه وآدناه، وخلع عليه من حلل الرضا ما أنساه كل ما كان قد لاقاه من حزن وألم، وما قد يلاقيه في سبيل إبلاغ رسالته ونشر دعوته.
فكيف يحيي المسلمون تلك الليلة، وهل كان الإسراء والمعراج بالروح دون الجسد أم بهما معاً
حول تلك الحادثة كان اللقاء مع أ.د محمد وهدان - الأستاذ بجامعة الأزهر -
فتحدث قائلا: عن فضل شهر رجب الذي جاء فيه تلك الرحلة.
شهر رجب من الأشهر الحرم الذى يثيب فيها الله عباده بالخير الجزيل والثواب العميم، وكلمة رجب من الترجيب أى التعظيم.
وشهر رجب له أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ومنها رجب الأصب، لأن الله يصب فيه الخير صباً، ورجب الأصم لأنه لا يسمع فيه صوت القتال، والمطهر لأنه شهر طاهر .. ورجب المقشقش لأنه يجمع الذنوب ويغفرها .. وقد عظم الله تعالى شهر رجب وحباه على باقى الأشهر بليلة من أفضل الليالى وهى ليلة الإسراء والمعراج.
والاحتفال بهذه الليلة واجب على كل مسلم بل هو فرض عين أن يحتفل المسلم بمثل هذه الأيام، لأنها تدفعه إلى ذكر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -الذى إذا ما ذكر استوجب الصلاة عليه، والدافع إلى المطلوب مطلوب شرعاً.
ولكن على المسلم أن يحتفل بجنس ما فرضه الله عليه من أعمال صالحة، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فى أفعاله وسننه، وأن يعيد قراءة حادث الإسراء والمعراج ليستخرج منه أسسا تفيده فى تعامله وأمور دينه ودنياه.
وقد كان الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم تكريماً وتعظيماً لشخصه بعد أن مكث 12 عاماً فى قريش يدعوهم إلى عبادة الله، إلا أنهم آذوه وتفننوا فى ألوان العذاب لأصحابه، وكأن لسان الحال يقول سبحانه «إذا كان أهل الأرض أذوك وعادوك وضاقت بك الأرض ولم يوفوك حقك من التقدير والتكريم فتعال إلى عالم الملكوت الأعلى لترى مكانتك عند الله سبحانه وتعالى».
المعراج بالروح والجسد
أما عن مسألة إذا كان الإسراء والمعراج بالجسد والروح أم بالروح فقط فيقول د. وهدان : حسم القرآن الكريم هذه المسألة حيث قال سبحانه: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً ..» وقوله بعبده دليل على أن الرحلة كانت بالروح والجسد لأن العبد يتكون من الإثنين معاً، كما أن قيمة الإعجاز فى أن يقطع تلك المسافة التى كانت تقطعها قريش فى شهر ذهاباً وآخر إياباً بالجسد والروح، أما إذا كان الإسراء بالروح فهو وارد أن يذهب الإنسان لأى مكان فى منامه بروحه.
فلو قال صلى الله عليه وسلم أسرى بى فى المنام إلى المسجد الأقصى لما وجد فى ذلك صعوبة ولا أنكر عليه ذلك قومه.
بين التكليف والتخفيف
تعد تلك الرحلة التى أسرى فيها بالحبيب من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلى، ثم إلى سدرة المنتهى والبيت المعمور ولقاؤه المباشر دون حجب ونظره إلى وجه ربه الكريم، من المعجزات التى أيد بها المولى - عز وجل - نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم.
ومن المعروف أن الإنسان يستعد لكل رحلة بما يؤهله للقيام بها، إلا أن رحلة الحبيب تختلف عن غيرها، فهى رحلة إلهية يعرج به من سماء إلى أخرى، فكيف كان استعداد رسول الله لتلك الرحلة؟ وماهى الفرائض التى فرضها المولى على أمة الإسلام فى تلك الليلة؟..
سؤال طرحناه على أ.د عبد الغفار هلال - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -
فقال: حبى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الرحلة وفضله بها على جميع الأنبياء ورفعه إلى الرحاب الأقدس بعد التهيئة الخاصة والاستعداد الأمثل لهذا الحدث الجلل ما بين الحجر والحطب، حيث أجريت له عملية شق الصدر فأخرج القلب وغسل بماء زمزم المبارك، ثم أتى بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة فحشى القلب بذلك الإيمان وتلك الحكمة ثم أعيد كما كان، ومن هنا فتبين أن لكل مرحلة استعداد، فلولا التأهب والاستعداد للقاء الله ما وصل حبيبه ومصطفاه محمد إلى ما وصل إليه موسى - عليه السلام - قال لربه «رب أرنى أنظر إليك» فأبى الله تعالى وقال له «لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى» وكان السبب فى ذلك عدم استعداد موسى لرؤية المولى جل وعلا.
ثم أتى بدابة وهى البراق، فركبه إلى بيت المقدس، فربطه فى حلقه فى باب المسجد، ودخل وصلى فيه ثم وضع له معراج ما بين الأرض والسماء الدنيا فعرج ومعه جبريل عليه السلام.
فاستفتح جبريل فسئل عمن معه، فأخبر محمد .. فسئل وهل أذن له ؟ فقال: نعم، فقالوا: نعم المجئ جاء، وهكذا سماء بعد سماء حتى انتهى إلى السماء السابعة، وقد لاقاهما فى كل سماء مقربوها من الملائكة والأنبياء، فوجد فى الأولى آدم عليه السلام وفى الثانية يحيى وعيسى عليهما السلام، ثم يوسف وإدريس وهارون وموسى وأخيراً فى السابعة إبراهيم خليل الرحمن.
وكان - صلى الله عليه وسلم يلقى فى كل سماء من الترحيب ما تقر به عينه وينشرح له صدره ويطيب به نفسه، أخل، ثم أتى بإناء من خمر وآخر من لبن فأخذ اللبن فقيل له: هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك» ثم رفع له سدرة المنتهى وغشيها من نور الرب جل جلاله ما غشيها ورأى فى هذا المكان جبريل وله ستمائة جناح، ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض.
وهذا ما دل عليه قوله تعالى «ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى إذ يغش الصدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى» ونظر النبى إلى المكان الذى حدد له النظر إليه فلم يتجاوزه، وفى ذلك غاية الأدب منه صلى الله عليه وسلم.
وبعد السماء السابعة قال جبريل: يا محمد هذا مقامى، لو تقدمت لاحترقت أما أنت لو تقدمت لأخترقته، تقدم النبى صلى الله عليه وسلم ثم رفع له البيت المعمور فإذا هو داخله سبعون ألف ملك، ثم رفعه ربه وأدناه إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام، وهنا قربه ربه وناجاه، فقال صلى الله عليه وسلم التحيات لله والطيبات فقال المولى: السلام عليك أيها النبى، فقال صلى الله عليه وسلم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقالت الملائكة: اللهم صلى على سيدنا محمد على آل سيدنا محمد إلى آخر التحيات.
وفرض الله على نبيه محمد الصلوات وكانت خمسين صلاة فى اليوم واللية ولما رجع عائداً مر بموسى فسأله فأخبره، فطلب منه أن يعود إلى ربه ليسأله التخفيف لأنه جرب بنى إسرائيل ولم يجد لهم عزماً فخشى أن يحصل لأمة محمد ما حصل لأمته، فعاد الحبيب إلى ربه - جل جلاله - يسأله التخفيف فيخفف، ثم يعود إلى موسى فيقول له: سل ربك التخفيف فإن أمتك ضعيفة ولا تطيق، فيعود إلى ربه حتى أصبحت خمس صلوات، فطلب موسى منه أن يرجع فأبى النبى - صلى الله عليه وسلم وقال: استحييت من ربى - فسمع منادياً أنى قد فرضت فرائضى «خمس فى العمل وخمسون فى الأجر والثواب».
ونزل الحبيب صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل عليه السلام إلى بيت المقدس، فنزلت الأنبياء يشَّيعون الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم الصبح بالمسجد الأقصى، وركب البراق حيث تركه مربوطاً بحلقة الباب وعاد إلى مكة فى صبيحة تلك الليلة.
ومن هنا تأتى أهمية الصلاة لما لها من أثر عظيم وأمر جليل فى صلاح الأمة وانصلاح حالها، فلم يكلف المولى بها نبيه عن طريق الوحى بل رفعه إليه ليكون التكليف مباشراً، وصلى الله على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
ساحة النقاش