من واقع المصريين

يدفعنا للتساؤل :

طولة البال راحت فين؟

 

كتبت :ايمان الدربي

إن مجرد السير في الشارع يؤكد للملاحظ أن شيئاً ما تغير في سلوك الناس فقد غابت قيم الرحمة والصبر والتسامح وبدا للجميع أن المصريين تلونوا بألوان عديدة بعضها غريب علي بيئتهم التي لم تعرف يوماً إلا الوحدة والانسجام .

هل هي حالة مؤقتة يعيشها المجتمع نتيجة لتحول اجتماعي يغذيه ما نعيشه بعد الثورة أم هو تغير في شفرات اجتماعية تأثرت بظروف معيشية قاسية جعلت التمسك بالماضي عبئاً ثقيلاً علي صاحبه لينجرف مع التيار القوي الذي يسعي إلي تصنيف المصريين وتقسيمهم؟

طرحنا هذه القضية علي أهل الاختصاص لعلهم يقدمون لنا تشخيصاً دقيقاً عن ملامح الشخصية المصرية وما أصابها من تغير ll

لتكن البداية عن المعنى اللغوى التعصب والتطرف تحديداً : التعصب من العصبية وهو أن يدعو الرجل إلى الالتفاف حول عصبته ونصرتهم والتخرب معهم .

وقد لا يقتصر التعصب على الالتفاف حول من يحبه المتعصبون ومناصرته ظالماً أو مظلوماً بل يتعدى إلى كراهية من يتم الاختلاف معه أو ينتقده ، والتعصب المصحوب بكراهية الغير يطلق عليه «الشوفونية» والتعصب قد يكون مذهبياً أو طائفياً أو وطنياً أو حزبيا ، وعندما يشتد التعصب يتجه إلى الأطراف ومعنى أن يتطرف المرء فى تعصبه هو أن يأخد ذلك التعصب إلى أقصى طرفه أى إلى نهايته العظمى .

د. وليد فتحى هنداوى - استاذ الطب النفسى - تحدث عن أسباب التطرف وعدم الحيادية فى الشخصية المصرية مؤكداً أنه عندما تمارس الحرية ويتم الازدياد فيها يؤدى هذا إلى شخصية وردود أفعال متزنة والعكس صحيح، مثلاً فى السلوك الحيوانى وجد أن الأسد فى الغابة تكون معاركه مزينة بالمروءة بمعنى ألا يأتى الفريسة من الخلف وأنه إذا انتصر عليها لا يقتلها ولا يسفك دمها هذا الأسد ذاته لو وضع فى قفص قد ينقض على مدربه ويأكل يده حتى لو لم يكن جوعاناً ، وإنما الكبت والضغط النفسى وعدم الحرية حاجز يفصله عن العالم الخارجى .

وحتى من الناحية الفسيولوجية لو عاش فرد فى ظلمة فترات يجعله هذا يتخبط يميناً ويساراً إذا تم اضاءة النور أو قد يصاب بالعمى المؤقت أو الدائم.

الضغط والكبت

l إذن ما يحدث للشخصية المصرية الآن نتيجة للقهر والضغط والكبت ؟

- ما يحدث بالفعل هو نتيجة للقهر والكبت وعدم القدرة على التعبير وسنوات القهر وعدم الحريات ، فتجدين تطرفاً وتخبطاً أو عدم حيادية فيلتف البعض حول شخص ما أو رمز معين ويعطونه كل التأييد الذى يبلغ إلى حد التطرف بحيث إنه لو تجرأ أى شخص من خارج العصبة على انتقاد رمز من تلك الرموز فإنه يتحول تلقائياً إلى عدو مبين سواء كان هذا الرمز دينياً أو سياسياً مرتدياً رداء الدين .

l التمرد والسلوك غير المتزن والتطرف وعدم الحيادية .. صفات مختلفة هل الشعب المصرى سيكولوجياً لديه هذه الصفات وهل يمارسها على مر العصور ؟

- لا أريد أن أتحدث عن أشياء وقد تبدو مرفوضة وإنما أول فتنة وتمرد «فتنة سيدنا عثمان» كانت بدايتها من مصر وإنما هناك أمور كثيرة جعلت الشعب المصرى يعانى كثيرا أهمها كما ذكرت عدم وجود مناخ ديمقراطى يتيح الفرصة للتعبير الحر وعلى مستوى المجتمع أو الأسرة فى التنشئة الاجتماعية للأبناء لا تتيح لهم فرصة التعبير ولا ممارسة الهوايات أو الدخول فى الأنشطة واعتقد أن من أكبر الكبائر التربوية لدينا خلق شخصية لديها تطرف وعدم حيادية .

تطرف كامن

l أى أن الشخصية المصرية يكون لديها «تطرف كامن» نتيجة لما تمر به، ظهر ذلك بعد الثورة ؟

- بالفعل الشخصية المصرية يتم تنشئتها اجتماعياً فى مناخ سياسى مغلق فى ظل منظومة دراسية جافة عقيمة لا تشبع احتياجات الطالب ولا تتيح له فرصة للتعبير عن قدراته الذاتية واكتشاف مواهبه ، وعدم وجود أنشطة طلابية تساعد على إنماء ذاته وتجعله يستطيع التعبير الشخصى مثل البرلمان الصغير أو الاتحادات الطلابية فى الجامعة . كل هذا يجعل داخل تلك الشخصية تطرفاً كامناً كما تقولين ومخزوناً من السلوك غير السوى .

وبعد الثورة وخروج تيارات معينة من تحت ثقل الكبت والاضطهاد وممارستها لحريتها المفقودة بدأ يظهر التعصب والتطرف .

نظرية المؤامرة

l هل التطرف والتعصب أحيانا يكون مصحوباً بعقد نفسية ما ؟

- من الممكن أن التطرف يكون ناتجاً عن مجموعة من العقد النفسية منها الشعور بالدونية أو حتى تضخم الذات، أو يختلط الشعور بالعظمة مع الشعور بالاضطهاد مع التأكيد من هؤلاء الأشخاص دائماً على نظرية المؤامرة .

وللعلم هذا الشخص المتطرف أحيانا يستحق الشفقة والتعامل بشكل معين حتى لا تثيرى تطرفه بشكل أكبر .

فهذا المتطرف الذى يشعر بالدونية وأنه أقل ممن حوله يحاول دائماً بتطرفه وتمسكه برأيه ودعمه لجهة ما أن يخفى هذا الشعور بالدونية .

وكذلك هذا المتطرف الذى يعانى من تضخم الذات أحيانا يتخذ هذا التطرف ستاراً يؤكد به تضخمه وشعوره بالعظمة .

المصري القديم

l والسؤال الآن هل تلك الصفة متأصلة فى جذور الشخصية المصرية وهل أجدادنا الفراعنة مثلا كانوا يحملونها؟

- د. وسيم السيسى الطبيب وعالم المصريات تحدث معى بإسهاب مؤكداً أن المصرى القديم كان مؤدباً .. قابلاً للرأى الآخر .. رقيق التعامل مع الإنسان والحيوان وكان يتسم برجاحة العقل والقدرة على تبادل الحوار مع الآخر .

وفى الحضارة الفرعونية كان المصرى يعرض على محكمة العدل ويسأل 42 سؤالاً منهم.. هل تسببت فى دموع إنسان ؟ هل عذبت نباتاً بأن نسيت سقيه ؟ أو كنت سبباً فى شقاء حيوان ؟

l إذن لماذا هذا التغير فى الشخصية المصرية رغم أنها مارست الزراعة وثقافة الزراعة هى التوحد والحب وقبول الآخر؟

- ما حدث أنه رغم أن الشخصية المصرية قامت على الزراعة حول نهر النيل وثقافتها كما تقولين التسامح وقبول الآخر «أنا وأنت نزرع سويا» «أنا وأنت لصد الفيضان» ولكن ما حدث على مر العصور هو خروجنا للرزق فى الخليج لنستورد ثقافة مختلفة عنا ثقافة «إما أنا أو أنت» .

فى تلك المجتمعات لأفراد كانوا يعيشون فى مجتمعات ندرة تلك الثقافة التى لا تقبل الآخر فهو دائما على صواب والآخر على خطأ .

رغم أنهم الآن أصبحوا أكثر رقيا وتمديناً بالإضافة لذلك الحروب الكثيرة التى مررنا بها وتركت بصماتها على حياتنا الاقتصادية والثقافية والعلمية بالسلب، بالإضافة للجهل واختفاء الحياة الأدبية والصالونات الفكرية الراقية التى تخلق قادة الرأى والفكر والمجتمع .

كل هذا جعل الشخصية المصرية لا تقبل الآخر وتحكم بتطرف وعدم حيادية فى الغالب فى علاقتها به 

 

المصدر: مجلة حواء- ايمان الدربي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,691,154

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز