لماذا لا تشعر بالسعادة

 

كتبت : ايمان العمري

اقترب العام على الرحيل .. أذهب كعادتى كل عام لمحلات الهدايا لاختار الهدايا المناسبة التى سأقدمها للأهل ، والأصدقاء ... أظل أجوب محلات وسط البلد ، وفى النهاية أذهب لنفس الأماكن التى اشترى منها الهدايا كل عام... كم حاولت أن أبحث عن محلات مختلفة ، لكن دون جدوى.

أعود إلى منزلى حاملة العديد من الهدايا المختلفة ... أبدأ فى تفحصها ، وتقسيمها لأعطى لكل شخص الهدية التى تناسبه... أضع كل الهدايا أمامى على المائدة فى حجرة الصالون ، وأبدأ فى الاختيار.

أحاول هذا العام أن اختار لكل شخص هدية مميزة ، ومختلفة عما أقدمه فى كل عام... لنبدأ بأختى الكبيرة سأختار لها الحقيبة المصنوعة من الجلد الطبيعى .. اسمع صوت أختى تلومنى على إسرافى ، فمنذ رحيل والدينا ، وهى تعاملنى كواحدة من أبنائها خاصة فى النواحى المالية... أحيانا أتخيل أنها ستفعل كما كانت والدتنا تفعل ، وتعطنى ثمن الهدية خاصة أننى مهما حاولت معها، فهى لا تكف عن اتهامى بالإسراف ، وإن ذلك سيؤدى لعواقب وخيمة ، وتبرهن على صدق كلامها بالشكوى الدائمة من ارتفاع الأسعار، وأنه منذ عدة سنوات كانت العشرة جنيهات ليس لها قيمة ثم سرعان ما لحقت بها الخمسون جنيها لتنافسها بعد ذلك بشراسة المائة جنيه ، والله وحده هو الأعلم بما سيكون مصير الألف جنيه.

والغريب أنه بعد هذه المحاضرة الطويلة فى الاقتصاد أجدها كل عام ، وقد أحضرت لى هدية غالية الثمن ، وتعلل ما تقوم به بأن هذه هى حياتنا ، ومن الصعب أن نغير نمط سلوكنا أو أن نهبط بمستوى معيشتنا ... فترتفع الأسعار ، وتظل الشكوى.

آه... ما أجمل هذه اللوحة لتكن من نصيب جارتنا العجوز ، فهى تحب مثل هذه الرسومات الجميلة التى تدعو للأمل فى الغد ، كما أنها تذكرها بالأيام الخوالى التى لا تكف مطلقاً عن إخبارنا عنها ، فمنذ أن كنت طفلة صغيرة أطرق بابها لتعطينى الحلوى ، وحتى يومنا هذا ، وهى تحدثنى عن تلك الأيام ... كم كان بها من أحداث ، وحكايات ... ترى هل استطيع أن أحكى لأبناء العائلة الصغار مثل هذه الحكايات أم ترانى وقتها لن أجد فى جعبتى غير حكايات جارتنا لأرويها لهم... آه هناك شئ مهم آخر خاص بجارتنا يمكن أن أحكيه للصغار، وهو دعواتها الدائمة لى على مر السنين بأن يرزقنى الله بابن الحلال..

ما أن جاء ذكر ابن الحلال حتى ارتسم أمامى صورة لبنى صديقتى العزيزة ، وقصصها العاطفية الفاشلة دائما ، ومكالمتها اليومية لى تنعى فيها حظها العاثر ، وإنها تخلص دائما فى حبها ، وعملها ، وكل تعاملاتها ، ودائما لا تجد غير طعنات الغدر.. أحيانا كثيرة انشغل بعمل أى شئ ، وأبعد سماعة الهاتف عن أذنى فأنا أعرف مسبقا ما ستقوله لذا أفضل هدية لها هو كارت لهاتفها المحمول ، فهى تعشق الثرثرة فى الهاتف..

رغم كل ما سبق ، فلا أنكر أن الحديث معها أفضل بكثير من الحديث مع شيرين التى تحدثنى دائما وهى تلقى التعليمات لأولادها ، ولا تكف أبداً عن الشكوى من مستواهم الدراسى ، وعدم التزامهم ، وإنها لابد أن تذاكر لهم كل المواد حتى أنها أصبحت خبيرة بجميع المناهج ، وطبعاً تزداد جرعات الشكوى مع أهمية السنة الدراسية ، ولا أستطيع أن أنكر أن هذا العام له وضع خاص فابنها الكبير فى الصف الثانى الثانوى أى المرحلة الأولى من الثانوية العامة ، فعلى أن أتحمل جرعة مكثفة من الشكوى لا تنتهى.

فاجأتها ذات مرة بسؤالى.

- هى لسة قصة واإسلاماه مقررة على ثانية ثانوى؟!

وكم كانت دهشتى ، فهذه القصة مازالت مقررة منذ إن كان أولاد خالتى الكبار فى الصف الثانى الثانوى أى ما يزيد عن ثلاثين عاما..

آه إن أفضل هدية لشيرين هى دواء للصداع ، لكن لا بأس لأقدم لها «مج» كبير للشاى الذى تحتسيه دائما فهــو مشروبها المفضل.

بقى أستاذ عادل، رئيسى فى العمل الذى يتفاءل بنتيجة المكتب التى أقدمها له فى بداية العام ، ويحدد فيها مواعيد مباريات الدورى المهمة ، فالأستاذ عادل من كبار مشجعى نادى الزمالك ، لكن الأهلى يحصل دائماً على الدورى كل عام ، والأستاذ عادل لا يكف عن الحديث عن تحيز الحكام لصالح النادى الأهلى ، ومشاكل الإدارة فى نادى الزمالك .

رغم أن مجال عملنا بعيد كل البعد عن الكرة ، فحديث الأستاذ عادل عنها هو الوحيد الذى يملأه الحماس ، لكن الحماس عن العمل لا داعى لوصفه ، فقد تجاوزنا كل شئ ، وأصبح لدينا من الخبرات الكثيرة التى تجعلنا ننجز العمل الذى خلا من كل شئ ، وأى شئ .

آه لقد نسيتها منار صديقة الطفولة الأستاذة المساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى تتحدث طوال الوقت عن الانحياز الأمريكى لإسرائيل ، وتظل تدلل على رأيها طوال الوقت ، وكأن ذلك يحتاج إلى دليل .. أستاذة يا منار ... أستاذة .. ليكن طقم الأقلام من نصيبك.

بعد أن انتهيت من توزيع الهدايا وجدت أننى لم أتى بجديد هذا العام ، كما أننى لم أقدم لأصدقائى أى شئ مميز ... لكن لا بأس هذا نصيبهم معى.

فجأة وجدت صدرى يضيق ، وانتابتنى حالة من الحزن استدعت الدموع لتغزو مقلتى..

تعجبت من أمرى !! ماذا حدث ؟ ... ما الجديد الذى ملأنى بالحزن ؟! لماذا الدموع ؟!

حاولت الفرار من مشاعر الإحباط ، فأدرت مؤشر التليفزيون ، كان هناك أحد البرامج السياسية الذى يتحدث عن الجيش ، وشئ أشبه بحب الشعب ، وتأيده له .. شردت مع هذا الكلام ، وتخيلت نفسى ، وكأننى أشاهد فيلم «رد قلبى» وانتظرت أن يهتف المتحدث.

«الجيش للشعب ، والشعب للجيش» ، وكأننا فى عام 1952 ، ونحتفل بثورة 23 يوليو.

حاولت الابتسام من بلاهتى ، لكن الحزن الذى يحاصرنى أبى أن تنفرج شفتاى عن أى ابتسامة .. أسرعت بمغادرة المنزل ، وظللت أجوب الشوارع ، وأنا أسأل نفسى عن السبب وراء حالة الحزن التى انتابتنى .. ما الجديد الذى حدث فى حياتى ، وجعلنى أشعر بكل هذا الحزن؟!

تعجبت من أمرى ، ومن عدم شعورى بالسعادة ، وحدثت نفسى «طالما أن الأهلى يفوز دائماً بالدورى ، وأمريكا متحيزة لإسرائيل والأسعار تواصل ارتفاعها الجنونى ، والجيش للشعب ، والشعب للجيش ،

وا إسلاماه مازالت مقررة على الصف الثانى الثانوى ... طالما كل هذا .. فلماذا لا أشعر بالسعادة ؟؟؟!!!»

دلفت إلى أحد المحال ، واشتريت قالباً من الشيكولاتة ، والتهمته بشراهة ، وأنا ابتسم ساخرة

 

المصدر: مجلة حواء- ايمان العمري
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1326 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,277,310

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز