كتب :طاهر البهي
أصدق الرئيس محمد مرسى - تماماًَ - عندما أعلن بقوة لم نشهدها خلال عقود مضت، أنه «لن يكون هناك فساد فى عهدى»..
أصدقه لأن الفساد فيما أعلم، لا ينمو ولا يترعرع، إلا فى وجود مناخ عام يحرض عليه ويساعد على نموه، فالفساد كما يقول تاريخ مصر الأسود خلال السنوات الثلاثين الماضية، يحتاج إلى «حضَّانة» ترعاه وتقوى أنيابه ومخالبه وحوافره، وتحمى رءوس الظلم والقهر والاستبداد.
أصدق - تماماً - الرئيس محمد مرسى، فى أن هذا المناخ قد انقشع إلى غير رجعة، وولى زمانه وأوانه، أصدقه لأن عقارب الساعة لن تعود، وسوف يعلم ويرى الظالمون، أى منقلب ينقلبون.
لست منافقاً ولا مشعوذاً يطلق البخور فى حضرة الحكام والسلاطين، كما أننى لست مطلعاً ولا عالماً ببواطن الأمور، ولكنى كاتباً حالماً، أحلم بمصر جديدة، نظيفة من الظلم والعدوان بغير حق، وكنت مبشراً منذ الحرف الأول الذى سطرته فى صفحة الرأى، بأن هذا العهد لابد وأن يعود؛ فدراسة التاريخ وقراءة وجوه المصريين كانت دوماً تقول إن هذا الشعب بلغ مداه فى الصبر وقوة الاحتمال، وأن الغضب قادم لا محالة مهما اطمأن فريق الحكام الطغاة إلى قوتهم الزائفة، وجبروتهم الغبى، الذى جعلهم يعتقدون أنهم بمنأى عن العذاب، فيما كانت مشانق المصريين تنصب لهم وهم لا يرون ولا يوعون.
العهد الجديد أتى، فيما لا يستوعب الظالمون، السارقون، الدروس. فمنى بعضهم - وربما كثير منهم - أنفسهم، ونفخ الشيطان فى أمانيهم، فتمادى بعضهم فى نفس أسلوب البغى والعدوان والتخريب، على أمل أن تعود بهم الفوضى إلى كراسيهم المقامة على أعمدة من جماجم المصريين، وازدانت بطلاء دماء الأبرياء والشهداء الكرام البررة.. ولهم نؤكد أن الشعب المصرى ثار وانتفض من أجل كرامته، من أجل عزته، من أجل مصر نفسها، ولن يستكين المصريون بعد اليوم.
أصدق الرئيس مرسى، وأشهد على صدق توجهه، مستنداً إلى خطوات قطار عهده خلال ما مضى من أيام وساعات.
لا ألوم بعض الرفقاء ممن يتعجلون بتحسين أوضاعهم، ولا بمطالبهم الفئوية، ولن أطالب أحداً بالكف عن التظاهر، لأننى لست مصرياً وطنياً بأفضل منهم، فهم قد انتظروا وتفاءلوا طوال ثلاثين عاماً - أو يزيد - ولم يتوقف القطار الذي كان يستقله النظام السابق عند قراهم وعشوائياتهم، ليحقق أبسط مطالبهم الإنسانية والاجتماعية، انتظروا ثلاثين عاماً - أو يزيد - دون أن ينظر حكامهم إليهم، والآن هم يخشون إطالة مدة التجاهل، بعد أن فقدوا الثقة فى كل ما ينطق به حكامهم.
وفى رواية كاتبنا المبدع يوسف القعيد «زيارة السيد الرئيس»، خرج أهالى القرية البسطاء إلى محطة قطار القرية، بعد أن أعلن أن الرئيس - أى رئيس - سوف يمر عليهم هو وضيوفه الكبار - وأنه سوف يلقى عليهم تحية السلام.. راحوا بأحلامهم ومطالبهم وأمانيهم، وشوقهم إلى نظرة من كبيرهم، واحتشدوا بآلاف الأعلام والصور - نفس بساطة المصرى وحُسن نيته على مدار العصور - وقفوا الساعات الطوال، وسط أنباء عن قرب موعد القطار الذى يحمل الرئيس، ولكن هاهم تصيبهم خيبة الأمل، عندما يمر القطار بأقصى سرعة، دون أن يتمكنوا من أن يلقوا نظرة على رئيسهم!
ولكن.. قطار الرئيس مرسى مختلف، ونهجه أكثر رقياً وإنسانية واحتراماً لشعبه.. الرئيس مرسى انتقل بفريقه المعاون إلى عدة محافظات حتى اليوم، وقام بأداء الصلاة فى عدد كبير من مساجد مصر، جنباً إلى جنب مع أبناء شعبه، بالجلباب والطاقية الصوف والبدلة والـ: تى شيرت.. أى كل طوائف الشعب.. جاءنى ابن صديق يطلعنى على «فيديو» له وهو يصافح الرئيس فى أحد مساجد القاهرة الجديدة، وتكرر المشهد مع صديق يعمل قهوجياً فى مقهى فى حى السيدة زينب..
الرئيس كتفه بجوار أكتافهم، ويكاد يبكى - وقد فعلها - أمام بساطة مطالبه. الرئيس الذى أصدقه، يقود قطاراً يستقله كل الشعب، ولا تغيب عنه مطالبهم، وهو «مباغت» فى تحركاته وزياراته الداخلية والخارجية..
ولذلك أصدق أن العهد الجديد سوف يحمل سيفاً يبتر به الفساد، وباليد الأخرى سنبلة قمح لكى نشاركه «اللقمة»، ونستظل بأمن البلاد
ساحة النقاش