حسبنا الله ونعم الوكيل

كتب: محمد الحمامصى

أحيانا كثيرة يتمنى المرء أن يخرج عن حدود اللياقة والأدب ونظافة وعفة اللسان والخلق القويم، فيسب أو يلعن أو أن يأتي بألفاظ أو حركات أو إشارات قبيحة سافلة ومنحطة، وذلك عندما يسمع أو يقرأ بعض تصريحات المسئولين والشيوخ والكتاب والمثقفين والإعلاميين من أنصار جماعات وتيارات الإسلام السياسي في مصر، هذه التصريحات التي أولا تنتقص من العقل وتسفهه وتنال من وعيه وتطعن الوجدان وتتجاهل حسه، وثانيا تنحرف بآيات الله وأحاديث رسوله وتؤولها زورا وبهتانا لتحقيق أهواء ومصالح شخصية سلطوية دونية، وثالثا تحط من مبادئ ومفاهيم المقومات والثوابت الأخلاقية والوطنية والسياسية المتعارف عليها في العقل والوجدان الجمعيين للأمة، ورابعا تنم عن جهل فاضح بتاريخ مصر القديم والحديث وطبيعة التركيبة الاجتماعية لشعبها والمكونات الثقافية والحضارية، وخامسا تكشف عمى العقل والوجدان بالدين قرآنا وحديثا شريفا ومذاهب وتفسيرات وتواريخ.

لقد بدأ الشعب المصري يمل هذا الهوس الجنوني في استخدام الدين مطية لتحقيق مآرب شهوانية في الاستحواذ والاستيلاء على السلطة والبقاء فيها، وينفر من التفسيرات والتأويلات الدينية التي تخرج من شيوخ ودعاة الفضائيات والجوامع والمساجد والزوايا، ويرون أنها أشبه بزجاجات العطور المغشوشة التي تمتلئ بها الأرصفة والأكشاك في الشوارع والحواري والأزقة، فهي تفسيرات وتأويلات مغشوشة ليست من الدين وإن حملت رائحة الدين.

ليس معقولا أن يعيش المرء في كابوس الإدعاءات الكاذبة باسم الله ورسوله، باسم الإسلام، دعوات لتكبيل وقمع المجتمع وهدم المؤسسات الدينية مثل الأزهر الشريف، ودعوات للتكفير وإهدار الدم واستباحة الأعراض والتقاتل والاستيلاء على المقدرات وهدم الثوابت الوطنية، وتفسيرات مختلة تنال من الإسلام ورسوله العظيم كتلك التي خرجت تقول أن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم كان يسب، أو أن السيدة خديجة رضوان الله عليها سقت والدها خمرا حتى يقبل بزواجها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ما علاقة الله ورسوله بالشهوة العبثية غير الأخلاقية لفلان أو فلان أو فلان للسلطة أو للمال أو الأضواء، ما علاقة الله ورسوله بالمشروعات التسلطية الشهوانية الدنيوية؟.

تصريحات خرجت وتخرج علينا ليل نهار مقروءة ومسموعة ومرئية، تقض المضاجع وتشوش العقول وتخرب الوجدان يتساوى في ترديدها مسئولون وغير مسئولين ينتمون إلى هذه الجماعة أو تلك أو ذلك الحزب ذي الأيديولوجية الدينية أو ذاك، ولا أريد أن أسمي أحدا حتى لا ألوث فكر ووجدان القارئ. لكني أتساءل ما علاقة الله وشرعه بالسب والقذف وانتهاك الأعراض؟ ما علاقة الله وشرعه بالكذب على الناس والكذب على الله ورسوله وشرعه؟ ما علاقة الله ورسوله بتأليه فلان أو أو ربانية جماعة أو ما شابه؟ إلا إذا كان هؤلاء يتلقون وحيا لكن ليس من الله أو تنزل عليهم آيات ليست من الله، ما علاقة الله وشرعه بمصابين بمس شيطاني يصور لهم وساوس تجعل من الباطل حقا ينبغي إتباعه.

ما الذي يمكن أن يعلق به المرء على مثل هذه التصريحات التي تتجرأ على الله ورسوله وشرعه وتتواصل ببجاحة دون خوف من الله أو خجل منه جل وعلا؟ أو احترام للعلم والعلماء الأجلاء في التفسير والفقه والحديث؟ وتصيب أي إنسان سوي بالمرارة والإحباط والاكتئاب، وتدفع إلى اليأس في أي أمل للخروج بالبلاد مما أصابها من انهيار قيمي وأخلاقي في كافة المجالات.

إن خطورة الاستخدام السلطوي لاسم الله وشرعه تتمثل في أنه أدي إلى حالة من الاستسلام إلى جاهلية وتخلف وظلام هذه الجماعات والتيارات وسط قطاعات كبيرة من الشعب المصري، خاصة أن 50 % من هذا الشعب يرزح تحت وطأة الجهل والأمية والفقر والمرض، وكون أهداف ومخططات هذه الجماعات والتيارات تتخلص في الانقضاض على السلطة والاستحواذ على الأمة، فإنها تعمد إلى استعباد الشعب وسوقه كقطيع من الغنم باسم الله ورسوله، حتى لقد وصل الأمر إلى أن تتلقى هذه القطاعات الشعبية خاصة في الصعيد والأرياف والأحياء الشعبية بالمدن الكبرى أقوال شيوخ مثل محمد حسان وأبو إسحاق الحويني ومحمد بديع ومحمد عبد المقصود وحازم أبو إسماعيل وغيرهم كآيات منزلات من السماء، لا يقبل مناقشتها أو الاختلاف معها بل يكفر من يطعن فيها.

يقولون أنهم يسعون لنصرة الله وشرعه، وفي حقيقة الأمر هم يسعون إلى استعباد الشعب وتقويض دين الله بالإساءة إليه ودفع الناس إلى التشكك بما جاء به، فماذا يمكن أن تعتقد النسبة العاقلة والواعية العارفة من الشعب؟ وماذا يمكن أن تعتقد الشعوب الأخرى الأكثر فهما ووعيا وثقافة وهي تتابع ما جرى ويجري؟ ماذا تظن عندما تسمع من ينتهك الأعراض؟ وماذا تقول عندما تسمع دعوات قمع وقتل واستحلال دم المخالفين في الرأي؟ وماذا تعتقد عندما تري وتسمع كل هذا النفاق والكذب والخيانة؟ وكل ذلك باسم الإسلام، حتما سوف تتساءل: هل هذا هو ما جاء به الإسلام؟ هل هؤلاء يدينون بدين الإسلام؟.

إن تاريخ الإسلام القديم والحديث لم يشهد حتى على جانب أعدائه وليس أبنائه أن أصبح وسيلة للسخرية والاستهزاء والتهكم والتنكيت داخليا وخارجيا كما يحدث الآن، بفضل العته والجهل والتخلف الذي يبثه شيوخ ودعاة وأنصار وقيادات جماعات وتيارات الإسلام السياسي، لقد جعلوا من الإسلام والمسلمين مادة لصناعة الضحك.

إن جماعات وتيارات الإسلام السياسي الآن تقدم لأعداء الإسلام أعظم ما يمكن أن تقدمه لها من نيل من الإسلام وتشويه لرسالته، ولسوف يستخدم هؤلاء الأعداء حصيلة واسعة ومتنوعة توفرت في زمن قياسي من المقالات والفيديوهات والتسجيلات والأحداث والوقائع للطعن في الإسلام والمسلمين 

 

المصدر: مجله حواء- محمد الحمامصى

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,699,424

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز