تنتابنى حالة من فرحة عارمة عندما أرى إحدى الأمهات أثناء سيرها مع أبنائها وهى تربت على كتفى أحدهم وتُقبل الأصغر ليكف عن البكاء أثناء وجودها معهم بمترو الأنفاق "الذى أدعى أننى من رواده الدائمين" فأشعر بمحاولاتها لبث شعور الحماية والطمأنينة بداخلهم الذى يكون بالحوار المتبادل الذى تميزه الابتسامة مع التوجيه والتوضيح لهم بهدوء ماهية الأدوار المنوطة بكل منهم خلال يومهم الدراسى أو التمسك بالسلوكيات الحميدة للطريق بالإضافة إلى رحابة صدرها فى إجابتها على كل ما أثاروه من تساؤلات حول كيفية استجابتها لمتطلباتهم عند العودة إلى المنزل مجدداً.. فقد استمتعت بلغة الحوار الراقية من قبل الأم التى وجدتها على درجة من الوعى غير مسبوق فيما يخص طرق التربية الحديثة وتستخدمها مع أبنائها فلم تفارقها ابتسامتها فى حوارها المتبادل معهم بالإضافة إلى إنصاتها باهتمام لكل ما تسمعه منهم هو ما جعلها تدير الحوار بشكل إيجابى، مما جعل الأبناء يسلكون نفس سلوك هذه الأم "الرائعة " فيستمعون إلى بعضهم البعض فهى بذلك تنمى بداخلهم ثقافة احترام الآخر عندما يتحدث.. أثار انتباهى كذلك أن كل طفل يحمل حقيبته بنفسه فلا تقوم بحملها هى مثل ما أراه فى الأغلب الأعم من الأمهات الأخريات فهى بذلك تغرس بداخلهم حزمة من قيم إنسانية وشخصية ومجتمعية منها الاعتماد على النفس والاستقلالية والتعاون والمشاركة تحمل المسئولية. كذلك التخلص من قيم بالية باتت متأصلة فى كيان كثيرين ممن حولنا ممن كانت أمهم وبالاً عليهم.
يشاء القدر أنى رأيت نموذجاً آخر لأم تجحد نعمة الله عليها فى أن مَن عليها بنعمة الأمومة التى حُرم منها كثيرون.. إذ لم ترد إرادته حسب قوله تعالى" يهب من يشاء ذكورا ويهب من يشاء إناثاً ويجعل من يشاء عقيماً وهو على كل شىء قدير" صدق الله العظيم.. فقد فوجئت أثناء سيرى مصادفة أمام إحدى المدارس الخاصة فى نهاية الامتحانات بوالدة أحد الأطفال الذى لم يتجاوز التاسعة من عمره وكانت تبدو أنيقة فى مظهرها الخارجى"الملابس- المكياج" ولكنها أصابتنى بالغثيان عندما شاهدتها تصفعه على وجهه بكل ما لديها من قوة كما وجهت له "ركلات" كلامية فتقول" ضربتك على وشك علشان لما أصحابك يشوفوا إيدى معلمة عليك كده يعرفوا إنك مش راجل، وعلشان تحرم تعمل كده تانى فهمت!!! وأقول لهذه الأم وأمثالها"ماذا لو اتحرمتى".
فلم يشغل بالى ما الذى فعله هذا الطفل لكى ينال ما ناله من إهانات متتالية لكرامته، لكن تبادر إلى ذهنى سؤالاً وهو ما الذى يمكن أن يخبأه القدر لهذا الطفل من مستقبل إذا استمرت هذه السيدة أماً له؟ وهل لهذا "البعبع" الآدمى المتمثل خداعاً فى صورة امرأة أن يتحلى بنعمة الأمومة التى حرمت منها صاحبات القلوب الجميلة الرحيمة لعدم الإنجاب أو أنهم لم يتزوجن.
إضافة أنه لا عجب إذن يا ساده عندما يذهب كل منا عندما يريد إنهاء أوراقه فى أحد المصالح الحكومية فنرى موظفاً عبوس الوجه.. مرسوم على جبهته (1111)، ملىء بالعقد النفسية، قاسى الردود، فقد ألتمس له العذر على مقابلته لى بهذا الأسلوب، فما تلقاه من أساليب غير سوية فى التربية مع سبق الإصرار والترصد من أحد والديه أو الوالدين معاً جعلته يحاول إهانة كل من يتعامل معه دون قصد لذا فهؤلاء الأشخاص بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسى وسوف أسعى لأكون أول المبادرين بمعرفة كيفية ذلك..
فقط أؤكد أن السلوك من نواتج التربية. د. إيمان دويدار
ساحة النقاش