إحياء الطبقة المتوسطة والاعتذار إليها

هل من العدل أن يدفع العاملون فى القطاع الحكومى - بكل تخصصاتهم وأعمارهم - نصيبهم من الضرائب المفروضة عليهم بشكل دورى منتظم بينما أصحاب الدخول العالية من رجال الأعمال والمستثمرين يتهربون منها بطرق وأساليب متعددة؟ وهل من العدل أن تعتمد كل الحكومات السابقة والمتلاحقة على ما تأخذه من تلك الفئة محدودة الدخل لتنفق منه على الفئات معدومة الدخل؟ إنها هكذا تأخذ من الفقير لتعطى الأفقر منه أو تأخذ من الموظف أو العامل لتسد رمق العاطل، بينما العدالة الاجتماعية لا تعنى أن نعيش متساويين فى الفقر بل أن نحصل على فرص متكافئة للعمل والحياة الكريمة.

هل تستمر فى العطاء؟

إن هذه الفئة التى نتكلم عنها هى عصب الطبقة المتوسطة فى مجتمعنا، وقد تعلمنا من أساتذة علم الاجتماع السياسى أن تلك الطبقة العاملة المنتجة تعيش مأزقا ومعاناة من حيث ضعف مستوى الإنفاق وضعف مستوى الحراك الاجتماعى والتضرر من السياسات الاقتصادية التى تجاهلتها رغم أنها هى الأكثر طلبا على المنتجات المصرية بأنواعها لأنها من ناحية تملك قدرة شرائية نتيجة عملها واجتهادها ومن ناحية أخرى غير قادرة على أسعار المنتجات الأجنبية، وعلى ذلك فهى المورد الأصلى لضريبة المبيعات والرسوم والضرائب المشابهة، كما أن هذه الطبقة هى التى تدفع فاتورة رجال الأعمال وتعطيهم أرباحهم الناتجة عن صناعة أو تجارة.. ثم تدفع ما يقرب من نصف دخلها لتعليم أبنائها فى المدارس الخاصة أو فى الدروس الخصوصية، وغالباً لا تستفيد من خدمات الدولة فى أى مجال سواء فى الصحة أو التعليم أو دعم المواد الغذائية، بل الأدهى من ذلك أنها الطبقة الوحيدة التى يتم السيطرة على معدلات الزيادة فى دخلها.. فماذا سيكون موقفها بعد تنفيذ الإصلاحات المقترحة من رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار الكهرباء والغاز والماء ووضع رسوم وضرائب إضافية؟ هل ستستمر فى العطاء؟

فئات جديدة ومزايا متعددة

لقد حذر المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، في دراسة حديثة نشرت أواخر الشهر الماضى تحت عنوان "الحراك الهابط.. تداعيات تراجع دور الطبقة الوسطى على استقرار مصر"، من المردود السلبي لغياب دور الطبقة الوسطى على الاستقرار السياسي، وعلاقات الدولة والمجتمع معًا، فضلا عن زيادة الفجوة الطبقية بسبب تآكل تلك الطبقة الأساسية في المجتمع، وأرجعت الدراسة التي أعدها برنامج الدراسات المصرية بالمركز الإقليمى تلك الفجوة إلى عدة عوامل أبرزها تراجع دور التعليم وجودته في ظل ضعف الإنفاق الحكومي وخفوت مجانية التعليم، وحصول فئات جديدة على مزايا متعددة، منهم على سبيل المثال لاعبو كرة القدم ونجوم الفن وبعض الإعلاميين، والسياسات الاقتصادية التي ضاعفت معاناة الطبقة الوسطى، لا سيما مع تبني الدولة فلسفة آليات السوق الحرة، والاتجاه نحو الخصخصة الذي تبعه ارتفاع تكاليف المعيشة وأزمة البطالة وغياب القدوة، ثم ظهور خلل واضح في الهرم الاجتماعي بين أقلية تستأثر بالسلطة والثروة وأغلبية مهمشة، وربما يؤدي هذا الوضع إلى استمرار قابلية المجتمع للثورة، وعدم تحقيق الاستقرار السياسي على المدى المتوسط أو البعيد، وسيتسبب عدم الاستقرار هذا إلى تصاعد المؤشرات المرتبطة بتنامي العنف بأشكاله المتنوعة.. سواء كان قبليا أو سياسيا أو حتى أسريا في ظل تزايد ضغوط الحياة المعيشية.
ونوّهت الدراسة إلى ضرورة إعادة دور الطبقة الوسطى بمنظومة من الإصلاحات الاقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية، وينعكس مردودها على القطاع العريض من المجتمع المصري، وفي القلب منه شرائح الطبقة الوسطى، فضلًا عن إصلاح منظومة التعليم وربطه بسوق العمل واحتياجات ودعم مجانيته للفئات غير القادرة.. وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز دور الطبقة الوسطى كأساس للاستقرار المجتمعي والاستقرار السياسي ويعيد الاعتبار إلى قيم المواطنة والتسامح والتعايش وقبول الآخر، مما يحفظ السلام الاجتماعي ويصونه.
<!--

إن إحياء الطبقة المتوسطة فى البلاد يجب أن يكون على قمة المسئوليات القومية وعلى أولويات البرامج والمسئوليات الرئاسية لإعادتها إلى الحياة ورد اعتبارها والاعتذار لها عما سبق، لأن الطبقة المتوسطة مرشحة لأن تصنع التاريخ بحكم أنها تضم العلماء والكتَّاب.. الأدباء والمثقفين.. الموظفين والخبراء، وسوف يظل إحياؤها مسئولية كبرى أمام التاريخ.. والتزاما لا يقنع بالكلام ولا الشعارات ولن يقبل إلا بتحقيق النتائج الملموسة على أرض الواقع.

المصدر: امل مبروك _مجلة حواء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 563 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2014 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,808,611

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز