25% من القابعات خلف جدارن السجون من الغارمات!
د.رندا رزق: ساعدنا ما يقرب من 100 غارمة ممن نفذت الأحكام الصادرة ضدهن أو لم تنفذ بعد.
أم تستدين لزواج ابنتها وأخرى تشترى لها سرير لتقيم معها بعد طلاقها!
القانون: على الشركات الحكومية البيع بالتقسيط كبديل عن بائعي القطاع الخاص.
أمهات لسن ككل الأمهات، فقد قضى الدهر أن تحمل كل منهن بحمل قد لا يقوى الرجال على القيام به، في ظل ضيق اليد وقلة الحيلة ومسئولية لابد أن تضطلعن بها، فالزوج قد غاب والأبناء أمانة في العنق، ولا حل أمامهن سوى الاستدانة إما لزواج الابنة أو الابن أو للحصول على بعض من ضروريات الحياة.
إنهن الغارمات، كما يطلق عليهن القانون هذا اللقب، وكما تمثلن 25% من السجينات خلف قضبان السجن المعتادة، هذا بخلاف الأعداد التي قد لا تعد أو تعلم ممن تنتظرنه بالخارج تقيدهن قضبان الحياة نتيجة لديون بسيطة قد لا تتجاوز بضعة مئات أو آلاف من الجنيهات، فتعالوا نقترب من هذا العالم ونتعرف عليه أكثر..
ضيق الحال هو ما دفع أكثر من 25% من السجينات داخل السجون المصرية، هذا بجانب من تعانين من نفس المشكلة خارج قضبانه، إلى اللجوء لشراء بعض من السلع المعمرة والضرورية عن طريق القسط، معتمدات في هذا على التوقيع على شيكات أو صكوك على بياض أو متضاعفة الفائدة، بصورة قد تدفع البعض من ذوي النفوس الضعيفة إلى استغلالهن والتلويح لهن بعقوبة البقاء خلف قضبان السجن في حالة عدم السداد، ولأنهن ومنذ البداية بعيدات كل البعد عن عالم الجريمة بل وتعتبرن ضحايا، كانت مبادرة القوات المسلحة خلال فترة تولي الرئيس السيسي لرئاستها بسداد ديون 10 آلاف مواطنة، حماية لهن من هذا المصير، بعدها أصبحت قضيتهن من أبرز الملفات المطروحة للاهتمام والمعالجة على كافة الأصعدة، وهو ما دفع عدد من الجمعيات الأهلية المعنية بشئون المرأة لوضعها في مقدمة أولوياتها، ومنها جاءت مبادرة مؤسسة"حياة"_غير الهادفة للربح_ برئاسة د. رندا رزق، والتي نظمت بالتعاون مع مجلة حواء، لمساندة ودعم هؤلاء الأمهات الغارمات، وتقول عنها د.رندا: لقد بدأنا العمل كمؤسسة في مشروع دعم ومساندة هؤلاء السيدات منذ شهر رمضان الماضي، من خلال فكرة بسيطة ترتكز على توظيف رغبة البعض في إخراج أموال الزكاة لدعم فئات معدمة وتستحق المساعدة، لمساندة هؤلاء النساء المظلومات، وبالفعل بدأنا في البحث عن بعض الحالات أو استقبالها، من عدة مصادر، فبعض الحالات كانت تأتي إلينا والبعض الآخر كانت ترشحه بعض الحالات نفسها لنا، أو يصلنا كمؤسسة من خلال رسالة أو فاكس أو من بعض الجهات والأفراد، هذا بجانب ما تمدنا به وزارة الداخلية في بعض الأحيان من حالات، وفي كل كنا نبدأ في الاستعلام عن الحالة ونتعرف على قيمة الدين وأسماء الدائنين، ونبدأ أيضا في الاتصال بهم، ونجري بحثاً شاملاً اجتماعياً وقانونياً عن الأمر، بعدها نبدأ مرحلة التفاوض مع الدائنين تمهيدا لصرف المبلغ المطلوب والمتفق عليه مع الدائن ثم إجراء مصالحة، وقد كنا في البداية نعنى بمن هن خارج قضبان السجن ثم تطور الأمر بالتعاون مع وزارة الداخلية لدعم ومساندة من صدرت ضدهن أحكام بالفعل وتم سجنهن، واستطعن حتى الآن مساعدة ما يقرب من 100 سيدة، سواء نفذت الأحكام الصادرة ضدهن أو صدرت ولم تنفذ بعد، وفي مرحلة تالية سنعنى بمساعدتهن على إكمال رحلة الحياة من خلال دعمهن في تأسيس بعض المشروعات الصغيرة.
أنا وابنتي
وفي داخل عالم هؤلاء الغارمات دنيا أخرى تغلفها ديون محدودة بأرقام قد لا تعد أو تحسب وفقا للغة العصر الحالي ولكنها قد تشكل قيدا وربما سجنا بالنسبة لهن، فالحاجة مديحة عبد الشافي كادت أن تسجن فقط من أجل ألف جنيه!
وتقول: أنا أم بسيطة أقيم بالقاهرة ولا عمل لدي، وزوجي كان يعمل حدادا، بعد وفاته لم يترك شيئاً لنا، وتركني أنا وابنتي التي استطعت أن أعلمها حتى حصلت على بكالوريوس نظم ومعلومات ولكنها لا تعمل وبالتالي فلا دخل لنا، وحين بلغت ابنتي سن الزواج تقدم لها رجل يكبرها بكثير، ومتزوج ولكني وافقت عليه حتى يؤمن لها حياتها، واشتريت لها كل ما تحتاجه بالتقسيط، ولم أنجح في سداد كل الأقساط، فقد تبقى علي مبلغ ألف جنيه، وكدت أن أسجن.
وهو نفس ما مرت به الحاجة عزيزة كاظم كيلاني، فقد دفعها استعداد ابنتها التي لا تعمل رغم حصولها على دبلوم في التجارة، للزواج مع مرض زوجها، إلى الاقتراض من أكثر من جهة، سواء جمعيات أهلية أو أفراد، إلى أن اقتربت من أسوار السجن نتيجة لفشلها في دفع ثمن غسالة كهربائية لا يصل ثمنها لألف جنيه!
وكما تقول: كان لابد وأن أساعد ابنتي حتى تتزوج خاصة وأنها مريضة ولا تعمل نتيجة لهذا رغم تعليمها وحصولها على دبلوم التجارة، وبالفعل تزوجت ولكن زوجها رجل ليس لديه إمكانيات مادية ومحدود الحال، لذا حاولت أن أسدد ما علي من أقساط تداينت بها لشراء مستلزمات زواجها، ولكن تبقى على قسط شراء غسالة هذا بجانب أتعاب محامي لقضيتي.
بلا مسكن أو معاش!
ومشكلة الحاجة راوية حامد عبد العال، تعد أكثر صعوبة، وربما تستحق المساعدة أكثر من مكافأة صاحبتها بالسجن، وكما تقول: توفى زوجي دون أن يترك لي ولأبنائي الأطفال أي شيء، حتى معاشه مازالت تواجهني مشكلات عدة في الحصول عليه، أما مسكني فأنا أقيم وأولادي في مسكن مؤقت بمنطقة الإمام الشافعي، وأصرف حاليا من مساعدات أهل الخير لنا، ولكنى اضطررت لشراء موقد ومطبخ لحاجتي لهما في طهي طعام أولادي وأصبح علي دين يقدر بـ 1100 جنيه، تعثرت في سداده، مما قد يعرضني للسجن.
سجن وكفالة
أما إيمان مهنى، وتعمل حاليا عاملة بالمنازل، فقد خرجت بكفالة من السجن، بعد أن تعثرت في دفع 800 جنيه كقسط لشراء غسالة ومطبخ، وكما تقول: زوجي يعمل نجاراً وحبس في قضية تصنيع سلاح بعصا خشبية، فتحملت مسئولية ثلاثة أبناء بمفردي، وتركت عملي بإحدى شركات تصنيع الملابس الرياضية، ونزلت للعمل بالمنازل حتى أوفر دخلاً يكفي أولادي، ولكني لم أتمكن من دفع قسط غسالة ومطبخ قمت بشرائهما وتقدم البائع بشكوى ضدي، وأصبح على أن أدخل السجن وأترك أولادي بمفردهم بعد سجن زوجي!
سرير لابنتي
وبنفس الصورة كادت الحاجة سماح حسنين أن تسجن فقط من أجل سرير وغسالة اشترتهم بعد أن تركت ابنتها بيت زوجها وأقامت لديها، وتقول: أنا أم مطلقة أعيش من معاش والدي، وأبنائي كلهم تزوجوا وتركوني، منذ فترة تركت ابنتي بيت زوجها وقدمت للإقامة معي ولكني لم أكن أملك شيئاً تستطيع النوم عليه، فاشتريت لها سريراً وأيضا غسالة ولم أستطع أن أسدد الأقساط، فأقام البائع قضية ضددي ولا أعرف ماذا أفعل؟
حلول
وأسال المستشار محمد نور الدين، الخبير القانوني والقضائي، عن الحلول التي يمكن بها مواجهة مشكلات الغارمات إنقاذا لهن من الوقوع تحت طائلة القانون، فيقول: هناك أكثر من طريقة قانونية يمكننا بها مواجهة هذه المشكلة من جذورها، منها أن يكون هناك دورات توعوية تنظمها الجهات الأهلية المعنية بقضايا المرأة لهؤلاء النساء وغيرهن، بضرورة كتابة مبلغ الدين محال النزاع بصورة واضحة، وكذلك اسم الدائن وتاريخ السداد في الإيصال أو الشيك، حتى لا يتم التلاعب بالقيمة المادية المذكورة به، وبالتالي مقاضاة الدائنة حين تعجز عن السداد بمبلغ غير حقيقي، مع لفت أنظارهن إلى إبرام عقد بيع تضم إليه إيصالات الأمانة حتى يصبح الحق المدانين به حقاً مدنياً وليس جنائياً، وأخيرا يمكن للشركات والجهات الحكومية أن تتولى فقط البيع بالتقسيط لهؤلاء السيدات حماية لهن من تلاعب بعض بائعي القطاع الخاص.
برواز
حكاية رتيبة
قد تشعر بمرارة حقيقية حينما تعلم أن الحاجة رتيبة عيسى عريان، صاحبة أشهر القصص كغارمة والتي صدر لها عفو رئاسي، وساعدتها فيما بعد بعض الجهات والأفراد كمؤسسة "حياة" في سداد ديونها والحصول على مسكن دائم لها ثم تأثيثه، قد سجنت وعمرها يقترب من السبعين عاما كما سجن أبناؤها وبناتها الذين لعبوا دوراً كضامن لها، في قضايا شرائها لمستلزمات الزواج لبناتها، فقط لأنها قامت بإمضاء إيصالات أمانة على بياض لإحدى الشركات فتحولت حياتها وحياة أبنائها جميعا لمأساة لولا أن أعفى عنها، ولكنها تحولت لعلامة خطر لفتت الأنظار لهذه القضية الشائكة.
المصدر:
سمر الدسوقي
عدسة: سامح كامل
نشرت فى 14 أكتوبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,808,322
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش