"إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد".. بيت شعر ذائع الصيت فى قصيدة طويلة لشاعر عباسى قديم أطلق عليه البعض لقب شاعر الحكمة.. هو "المتنبى"، الذى استطاع فى هذه القصيدة الوصول إلى واحدة من مكنونات النفس البشرية المنتشرة بيننا هذه الأيام بشدة، وبطبيعة الحال فإنه ليس عيبا أن تكون كريما ولكن العيب كل العيب أن يكون الكذب واللؤم والنفاق هي طباع من تمنحه كرمك، لأنه لن يقدره حق قدره.
الطبيعى هو أن الإنسان مخلوق اجتماعى لا يستطيع أن يعيش وحده ولا يمكنه الاستغناء عن الناس طالما أنه على قيد الحياة، ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما أنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه، لذا إذا أحسنت إلى أحدهم ولم تجد منه إلا نكرانا فهذا دليل على خسة النفس وحقارتها، إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل، أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردا، وعندما تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلا إلى النار – والعياذ بالله – فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".
والحكيم هو من يتعامل مع الناس وفق قواعد مرنة ويخاطبهم على قدر عقولهم ولا يتوقع من الناس أجمعين شكرا أو إحسانا، فإن رضا الناس غاية لا تدرك، ويكفي المرء إحساسه وإيمانه بقدراته، أما من ينتظر أن يقيمه الآخرون فلا شك أنه سوف يعاني كثيرا، وليتنا جميعا نعلم أن قيمة الإنسان فيما يصنع وليس فيما يتحدث به الآخرون الذين لا يفهمون أن الإساءة للإنسان الكريم لا تدميه، بل ترفعه عاليا إذ أنها تعرف قدر وقيمة الخير والعطاء وغيرهما من طباع إيجابية وبناءة تكمن فيه ولا شيء يثنيه عنها.
ساحة النقاش