ما زلت أذكر فانوس رمضان القديم الذى اشتراه لى أبى وأنا فى الخامسة من عمرى، وسمح لى بالنزول إلى الشارع لمشاركة الأطفال استقبالهم للشهر الكريم، ومنذ العصر الفاطمي حتى اليوم اعتاد الأطفال أن يطوفوا الشوارع والأزقة ليلاً بصحبة المسحراتى حاملين الفوانيس في مواكب متلألئة بالفرح والبهجة تمر صاخبة في حواري وطرقات حي الحسين وغيره، وتغني بشكل جماعي أهازيج وأغاني شهر رمضان على الأضواء الملونة للفوانيس، وتقول المصادر التاريخية أن المصريين فى صدر الإسلام كانوا يستخدمون الفانوس فى الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب، وبعد هزيمة جوهر الصقلي للعباسيين دخل القاهرة في 17 من شعبان 358هـ = 6 يوليو 969م دون مقاومة تذكر ثم أعطى الأمان للمصريين، ولما رأى أن الظروف مهيأة لاستقبال الخليفة الفاطمى المعز لدين الله في القاهرة عاصمته الجديدة كتب إليه يدعوه للحضور وتسلم زمام الحكم، وصل الخليفة الفاطمى القاهرة ليلاً فى يوم السابع من رمضان، فخرج الأهالي لاستقباله، واحتشدت جموعهم على الطريق من الجيزة حتى قصره الشرقي الكبير في قلب حي الحسين وفي أيديهم الشموع الكبيرة والمباخر والمشاعل والفوانيس لإضاءة طريقه إلى قصره الجديد، وقد أصبح فانوس رمضان من المظاهر الراسخة فى وجدان الشعب المصرى فلا يمكن أن يمر شهر رمضان الكريم دون أن تشترى العائلات المصرية، على اختلاف طبقاتهم، فوانيس رمضان لأبنائها لما تضفيه من بهجة وفرحة بقدوم الشهر الكريم، الأمر الجديد أن شكل الفانوس أصبح يتغير فى كل عام وفقا للأوضاع السائدة، وحسب أكثر الأشخاص شهرة وشعبية لدى المواطنين، سواء في مجال الفن أو كرة القدم، مثل الرئيس عبد الفتاح السيسى ونجم كرة القدم حسن شحاته والمفتش كرومبو، وبوجي وطمطم، وأخيرا النجم المصري العالمى محمد صلاح، نجم ليفربول الإنجليزي ومنتخب مصر.
ومنذ سنوات اخترق حي الحسين فانوس إلكتروني مطور، بأنواع وأشكال متعددة، نافست الفانوس المصرى سداسي الأضلاع المصنوع من الصفيح وأسرع التجار المصريون لاقتناء وبيع الفوانيس المستوردة ذات الشريحة الذكية" التى يقبل على شرائها الأطفال وذويهم تحولت الشمعة إلى مصباح ليزر، وأصبح أحد الفوانيس يغني ويضحك ويؤذن ويصدح بالموشحات والأغاني الشبابية، وآخر يغني الأغنية الشهيرة "وحوي يا وحوي"، وثالث يغنى « كرومبو ركب موتوسيكل»، ورابع يرقص ويغنى رمضان جانا..
كيف سمحت الدولة باستيراد هذه الفوانيس رغم حاجتنا الملحة إلى العملة الصعبة التى تُهدر فى شرائها؟ ألا يوجد لدى الصين ما هو أهم من فوانيس رمضان لتبادله معنا تجاريا؟
أثرت الفوانيس الالكترونية كثيرًا على صناعة وتجارة الفوانيس خلال السنوات الماضية، إلا أن الفانوس المصري سرعان ما استعاد مكانته مرة أخرى "لما يتميز به من سعره المنخفض، وعمره الطويل"، في حين أن الفوانيس الصينية لا تستطيع البقاء لأكثر من عام، نظرًا لضعف مواد تصنيعها بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها.
لقد شعرت بالغيظ الممزوج بالخجل عندما غزت الأسواق المصرية منذ سنوات فوانيس متقنة الصنع مكتوب عليها "صنع فى الصين"! ولم أستوعب حتى هذه اللحظة لماذا تركنا للآخرين استغلال ذلك الفانوس الجميل الذى ولد ونشأ وترعرع فى بلادنا منذ عهد الفاطميين؟! الحمد لله أن الفانوس المصرى سرعان ما استعاد مكانته مرة أخرى.
ساحة النقاش