مازال فى أعماق المرأة الشرقية الإحساس بأنها فريسة، وأن هناك صياد ويتربص بها ويتبعها، ويتحين الفرصة للانقضاض عليها وافتراسها، والمرأة العربية معذورة فى هذا الإحساس ففى العصر الجاهلي كان ذلك الصياد هو الأب الذي كان يدفن ابنته الوليدة حية فى التراب حتى لا يجبره دائنوه على أن يسدد ديونه من عرق جسدها "إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59 سورة النحل . جاء الإسلام لينقذ بنات العرب من تلك العادة المتوحشة، ورغم ذلك استمرت المطاردة مع الفتيات اللاتي أفلتن من الوأد، فكانت القابلة وعجائز القرية هن الصياد الذي ينقض علي الفتاة ليجتث من جسدها قطعة حية بدعوى تطهيرها من رجس الشيطان، و ذلك بحرمانها من المتعة الحسية بالختان، و تستمر لعبة الفريسة مع الفتاة عندما تكبر ويتم الزفاف بأسلوب وحشي ومؤلم لا يمت بصلة للحب الذي عاشت تحلم به سنوات مراهقتها، أما عملية الافتراس الكبرى فتستمر طوال حياتها ويكون الصياد هو المجتمع كله الذي يطاردها بالأوامر والنواهي وينظر إليها كرمز للخطيئة الأولى التى بسببها طرد آدم وحواء من الجنة، فيفرض عليها الحماية ويقيد حريتها، وفى القرن العشرين تحررت المرأة قليلا وخرجت إلى العمل لكى تحسن أحوالها الاقتصادية وأحوال أسرتها، فإذا بها تواجه من يتذمرون من ذلك ويطاردونها باتهامات ملفقة ويجعلوا من خروجها للعمل سببا لكل ما يعانى منه المجتمع من أزمات!
عقدة الفريسة مازالت كامنة فى أعماق المرأة الشرقية مهما دلت المظاهر على تحررها، وكل يوم يقدم لها المجتمع الشرقي دليلا على أن ذلك الصياد مازال حيا، ومازال يتربص بها ويسعى للانقضاض على حقوقها المشروعة ومكاسبها التى نالتها بعد نضال طويل، وقد ظلت النساء العربيات محرومات من ممارسة حق التصويت والانتخاب فى بلاد عربية كثيرة، وحتى فى البلاد التى تتمتع فيها المرأة بهذه الحقوق نجد أنها لا تمثل سوى الشكل وإنما الممارسة الفعلية والمشاركة الحقة مقصورة على الرجال.
من البديهي إذا أن يعبر أدب بعض الأقلام النسائية عن عقدة الفريسة هذه، ويظل يدور ويلف حول هذا المحور، ووجود الأدب الذى يطلق عليه "الأدب النسائي" أكبر دليل على استمرار المطاردة ما بين المرأة وصياديها، وقد عبرت كاتبات عربيات كثيرات عن ثورتهن على هذا الوضع، وعن رغبة المرأة فى التحرر والإفلات من قبضة صياديها، وقليلات هن من تخطين مرحلة الرفض والتعبير عن السخط إلى مرحلة شهرزاد، أى الفتاة الحكيمة التى تحاول بحكاياتها أن تنقذ بنات جنسها من ظلم الملك شهريار، الزوج المجروح الساعي إلى الانتقام، والواقع أن حكاية شهرزاد وشهريار التى تأسست عليها "ألف ليلة وليلة" هي أبلغ دليل على وجود عقدة الفريسة وعقدة شهريار عند المرأة والرجل الشرقي، فشهريار انتقم لخيانة زوجته بقتلها وقتل العبد الأسود الذى وجدها فى أحضانه، ولكن ذلك لم يكفيه فقرر أن ينتقم من كل بنات جنسها! وتستمر عملية الانتقام كل ليلة بسبب ديكتاتورية شهريار وضعف شعبه وسلبية واستسلام الفتيات فى عصره فيتزوج شهريار عذراء جميلة ثم يأمر بقطع رأسها فى الفجر! وإلى الأسبوع القادم بإذن الله ..
ساحة النقاش