"خليك فى البيت واحمى نفسك".. كان الشعار الأكثر تداولا خلال الأشهر الأولى لظهور فيروس كورونا، ورغم أن الهدف لم يتخطَ الحد من انتشار المرض إلا أن الرياح قد تأتى بما لا تشتهى السفن حيث ساهم بقاء الرجال فى المنازل خلال ساعات الحظر إلى تزايد حدة المشكلات الزوجية والتى وصلت فى أحيان عديدة إلى الانفصال ما جعل البعض يرفع شعار "كورونا خراب البيت".
تحقيقنا يبحث الخلافات الزوجية التي قد تصل إلى حد الطلاق، وأسباب انتشارها في زمن الكورونا، وكيفية تجاوزها.
فى البداية تقول سهير محمد: في بداية الأزمة ومع تطبيق الحظر وعدم خروج زوجي من المنزل إلا للضرورة كدت أطير فرحا، فكنت وزوجي نتبادل الحديث ونقضى وقتا طويلا معا وكأننا نعيش أيام الخطوبة من جديد، لكن سرعان ما تحولت فرحتى إلى نكد بسبب تدخله المستمر فى شئون المنزل بل كان يعترض على مكالماتى الهاتفية مع أهلى أو صديقاتى ما أشعرنى أنني محاصرة داخل منزلي، وبدأت المشاجرات بيننا حتى قررنا الانفصال.
أما سماح فقد كانت كورونا سببا فى اكتشافها خيانة زوجها حيث دفعتها تصرفات زوجها الغريبة وقضائه معظم الوقت على وسائل التواصل الاجتماعى لإلى مراقبته لتكتشف علاقته بامرأة أخرى، وعند مواجهتها له بالحقيقة كان الصدام الذى انتقلت على إثره إلى منزل أهلها وتقدمت بدعوى خلع بعد أن رفض الانفصال فى هدوء.
ويقول سامح، مهندس: علاقتى بزوجتى شهدت اضطرابا كبيرا خلال أزمة كورونا بسبب بقائى بالمنزل لفترات طويلة والذى ساعدنى فى اكتشاف شخصيتها السطحية التى انخدعت فيها خلال فترة الخطوبة، حتى الطعام الذى كنت أعتقد أنها تعده بالمنزل اكتشفت أنها تشتريه من إحدى السيدات التى تبيع الأطعمة المنزلية، ما دفعنى للتفكير فى الانفصال عنها.
وعلى النقيض يؤكد أحد الإعلاميين أن الفترة الماضية جعلته يستعيد علاقته بزوجته ويشعر بما تبذله من أجله وأولاده، ويقول: شعرت بالخجل من نفسي فكنت أتحامل عليها دون أن أشعر وكانت تتحملني، وفي الحقيقة وجودي بجانبها وقت الكورونا جعلني أراها بشكل مختلف والتمس لها كل الأعذار فكنت أعاتبها على صوتها العالي وتعنيفها لي لكنني اكتشفت أن الضغوط والمسئولية التي تتحملها وراء ذلك، لذا قررت أن تكون هذه الفترة نقطة تحول لحياتي معها وبدأت أغير من طريقتي معها بل وأشاركها المهام وألتمس لها الأعذار، وهكذا استعدت زوجتي وبيتي وحياتي وحبي.
خلل فى العلاقات
تعلق د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع، على تأثير كورونا على العلاقات الزوجية قائلة: تزايد أعداد الطلاق خلال أزمة كورونا لها أسباب مجتمعية ذات أبعاد اقتصادية وعملية أهمها العامل الثقافي والعادات والتقاليد والقيم وأسلوب التعامل، فدائما تكمن مشكلة الطلاق في سوء الاختيار، فإذا كان الشخص المقبل على الزواج لا يعي مفهوم ذلك الرباط الذى أسماه الله ميثاقا غليظا وأن كل فرد سواء كان رجلا أو امرأة يهب نفسه لإسعاد الآخر ستكون هناك مشكلة حقيقية، فمنظومة الأسرة تبني على ثلاثة محاور الأول القيم الأسرية، والعلاقات، ودور كل طرف داخل المنظومة والذى ينتج عنها أسرة مستقرة قادرة على تجاوز أى خلاف، بالإضافة إلى بعض المعايير التى تلعب دورا كبيرا فى الاستقرار الأسرى ومنها التكافؤ الاجتماعي والثقافي والمهني والتعليمي بين الزوجين.
وتتابع: مع ظهور كورونا وبقاء الأزواج لأوقات طويلة بالمنزل ظهر الخلل في العلاقات رغم أنه كان موجودا من قبل إلا أن مسئوليات الحياة وتسارع وتيرتها جعل الطرفين يغفلان عنه وساعد فى ذلك تراجع الظروف الاقتصادية للكثير من الأزواج وما صاحبه من ضغوط عصبية ونفسية عليهم، فضلا عن اكتشاف كل من الزوجين عيوب الآخر والتى لم يتمكن من معرفتها بسبب ساعات العمل التى يقضيها كل منهما بعيدا عن الآخر.
ضغوط نفسية
يقول د. هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي: عندما يتعرض الإنسان لضغط مستمر يصبح لديه رغبة في أن يتخلص منه فيلجأ للدفاعات الخاصة ويحاول الهروب من تلك الضغوط وعندما تزداد عليه ويشعر أنه لا يوجد مخرج من المعاناة التي يعيشها ولا يعرف كيف يتصرف أو يعود لحياته السابقة التي كان يمارسها يعرضه ذلك لأعراض كثيرة منها القلق والاكتئاب والانفعال على الآخرين ويصبح صوته أعلى من المعتاد ومن الممكن مثلا أن يصدق الشائعات بسرعة وتصبح ردود أفعاله غير طبيعية فتحدث له انفجارات غير مبررة وإذا ازدادت الأعراض صاحبها إحساس بعدم الأمان والتخبط بين الأفراد، وخلال أزمة كورونا وجد كل من الزوجين رغبة في رفع صوته بلا مبرر نتيجة إحساسهما بالاختناق، فلم يعتد كل منهما الجلوس مع الآخر لفترات طويلة وهو ما تسبب فى الخلافات بينهما والتي قد تصل للطلاق لذلك علينا جميعا أن نعي جيدا الظروف التي يمر بها كل الأطراف والتعامل بحذر قدر المستطاع حتى نخرج من هذه الأزمة.
الحفاظ على الخصوصية
يرى إيهاب ماجد، خبير التنمية البشرية أن أكبر التحديات التي قابلت الأزواج أثناء تفشي فيروس كورونا طريقة نظر كل منهما لما يدور حوله، فكل منهما له عدسات مختلفة للأمر، فأحدهما قد يرى أن كورونا نهاية العالم والآخر قد يرى أن هناك جهودا رائعة حيال معالجة الوباء، وبالتأكيد هذا الاختلاف يخلق نقاشا وخلافات في العلاقة، ويقول: على الرغم أن قضاء معظم الوقت مع الأسرة كانت أحد إيجابيات كورونا إلا أنها مثلت مشكلة لبعض الأزواج كفقدهم إحساسهم بمساحة الخصوصية التى كان يشعر بها فى العمل أو المرأة فى المنزل بمفردها، لذا على كل من الزوجين أن يعطى لشريكه بعض الوقت الخاص ليمارس هواياته التى اعتادها، مع مراعاة توطيد العلاقة بينه وشريكه من خلال تبادل الحديث ومشاركة الاهتمامات.
ساحة النقاش