تحقيق: سمر عيد
الرصاصة قد تقتل شخصا ما، والصاروخ قد يدمر مدينة أو بلدة، لكن الكلمة قد تدمر شعوبا وأمما لأجيال متتالية، فالكلمة سلاح فتاك، وقد يستخدم هذا السلاح في صالحك فيدافع عنك وربما ينقذك يوما ما، أو ضدك فيودى بك إلى الهلاك أو يقتلك أحيانا، وتظهر خطورة الكلمة فى الشائعات التى تضر بلادا بأكملها سياسيا واقتصاديا، وقد تقلب الشعوب رأسا على عقب، لكن ماذا تفعل الشائعات الاجتماعية بنا؟ وما الأثر الذي تتركه لدى بعض الأشخاص في ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين ومدى تفاعلهم مع المجتمع مستقبلا؟ والأهم كيف تنشأ الشائعة الاجتماعية وتنتشر؟ ومن المستفيد منها؟
البداية مع س.س التى حدثتنا قائلة: تعرضت لشائعة في بداية حياتي كادت أن تمنعنى من الزواج تماما، فقد كنت أحب زميلا لي وأنا طالبة بالكلية، وفجأة وجدت أشخاصا يتهمونني أنني قد تزوجته بعقد عرفي، وهذا لم يحدث، وكل ما في الأمر أن ذاك الشخص تقدم لخطبتي إلا أن والدى لم يوافق لعدم توافر إمكانيات مادية لديه لإعالة أسرة، لكن شائعة الزواج العرفي قد تناقلها كل من يحيطون بي من زملاء وأصدقاء، وعندما تقدم لخطبتي شخص آخر أخبروه أنني متزوجة عرفيا من الشخص الذي كنت أعرفه، لكنه واجهني بذلك فأنكرت هذه الشائعة، وقلت له اذهب واسأله بنفسك، فأشاد الآخر بأخلاقي وسلوكي وتديني وأنكر ما يروج من أكاذيب حولى.
وإذا كان أهل القاهرة والمدن الكبرى لا يصدقون الشائعات بسهولة نظرا لكثرتها وانتشارها إلا أن المجتمعات الريفية والصعيدية تترك الشائعة في نفوس أهلها أثرا كبيرا، وقد يعايرون بها فيما بعد، وعن ذلك يقول م.ع: كادت الشائعات أن تجعلني أقتل أختي، ففي الصعيد أي خوض في الشرف والأعراض يدفع والد الفتاة أو أخوها إلى قتلها نظرا لأنها ستصبح وصمة تعاير به الأسرة كلها، وذات مرة سمعت من نساء ورجال بقريتنا أن أختي تحب شخصا ما وعلى علاقة به، فهممت أن أقتل أختي بالفعل لولا أن والدتي عرفت بمحض الصدفة أن ذاك الشخص الذي اتهموا أختي بعمل علاقة معه هو من أطلق هذه الشائعة حتى نوافق على زواجه منها ولا نطالبه بمهر كبير أو شبكة، فزوجت أختي من رجل آخر كي أنفي تلك الشائعة.
ويقول أ.ه: إن للرجل أيضا سمعة كالمرأة أو الفتاة، كنت متزوجا من قبل بسيدة كانت تحب تقليد الأخريات، وتود أن تعيش في مستوى أعلى من مستوانا المادي، فتطالبني بما يفوق إمكانياتي الأمر الذى كان سببا رئيسيا وراء انفصالنا، ورغم أنى أعطيتها كافة حقوقها الشرعية، لكنها ظلت حجر عثرة في طريقي كلما هممت بالارتباط بامرأة أخرى، فكلما تقدمت لخطبة امرأة أو فتاة أخرى ذهبت إليها وأخبرتها أنها طلقت مني لأنني رجل بخيل ولم أكن أنفق عليها حتى تخرب زيجتي.
متى تكون البيئة صالحة للشائعة
تؤكد د. منار عبد الفتاح، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري أن هناك بيئات صالحة لانتشار الشائعة، وتقول: المجتمع الذي لا يجد أفراده ما يشغلهم يجدون في الشائعة وسيلة للتسلية والمتعة والتشويق بخلاف المجتمعات الأخرى التي يكون أفرادها منشغلين بالعمل، وكلما كان المجتمع والبيئة محافظين ومتمسكين بالتقاليد والعادات كان من السهل انتشار الشائعة بها؛ نظرا لأن هناك من يجد تشويقا وإثارة في كسر "تابوهات" هذه البيئة، ومع الأسف يضخم الناس الشائعة ويضيفون كلاما وقصصا أخرى عليها حتى تصبح بالونة كبيرة لابد وأن يفجرها شخص ما حتى ولو بالرصاص حتى تنتهي، ومطلق الشائعة يكون عادة هدفه تدمير من يطلق عليه هذه الشائعة، ومن الملاحظ أن الشائعات السلبية تنتشر بسرعة أكثر من الإيجابية، ودعيني أخبرك أن وسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورا فعالا في نشر الشائعات وبصورة كبيرة، وقد وجد المغرضون السوشيال ميديا بيئة خصبة لنشر الشائعات على أوسع نطاق، ومع الأسف تؤثر الشائعة على من تطلق عليه إلى درجة تجعله يترك منزله أو محافظته أو بلده بأكملها أو يترك عمله، أو يطلق زوجته، وقد تصل لحد القتل والأخذ بالثأر في بعض المناطق، وقد يكون الهدف من الشائعة هدم شخص ما أو مجتمع بأكمله، لذا أدعو أي شخص تصله شائعة أن يتحقق منها، وأفضل طريقة للتصدي للشائعة هو تجاهلها حتى لا نعطى فرصة لتناقلها.
الانتشار السريع
يقول د. أشرف محمد نجيب، الأستاذ المساعد لعلم النفس المعرفي بكلية الآداب جامعة سوهاج: استخدم صانعو المحتوى وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات عن المشاهير وانتقادهم ليل نهار، والبعض اختلق وألف قضايا لا أساس لها من الصحة لمجرد الحصول على الشهرة، وتتجلى مشكلة وسائل التواصل الاجتماعي فى نشر الشائعات أنها تكون أكثر قسوة ولا تراعي مشاعر الآخرين نظرا لفقدان التواصل وجها لوجه.
أما د. عزة فتحي، أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس فترى أن المجتمعات العربية بيئة خصبة للشائعات نظرا لما لدى البعض من وقت فراغ لا يعرف كيف يستغله، وادعاء البعض الفضيلة، وتقول: قد يكون الهدف من الشائعة تشويه السمعة والانتقام الشخصى، وقد تهدف إلى هدم مجتمع بأكمله وتفكيكه وتكدير الأمن والسلم الاجتماعي، ومع الأسف تستهدف بعض الشائعات تحريض الرجال على النساء أو تحريض فئة من المجتمع على فئة أخرى، والهدف النيل من مجتمعاتنا العربية وشعوبنا حتى تنشغل بتفاهات ولا تسعى لتحقيق التنمية والعمل من أجل مستقبل أفضل.
ساحة النقاش