<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->

اصطفت الجنود في الساحة الكبرى أمام القصر، يتقدم كل كتيبة ضباطها وحامل علمها. وأقبل الكهنة يطلقون البخور ويرتلون الدعاء والشكر للآلهة على ما هيأت لجيوش "آشور" من فتح ونصر. وأحتشدت الجماهير في ملابس العيد تهتف للجيش وللملكة العظيمة " سميراميس" التي قادت جيشها فأكتسحت به البلاد غربا حتى وطئت سنابك خيلها وادي النيل.

إنه يوم النصر الأكبر. وقد قررت الملكة أن تستعرض الجيش بمناسبة عودته الظافرة

وسمعت الجماهير المحتشدة هتاف الأبواق ودق الطبول أيذانا بوصول الملكة، فارتفعت الأصوات بالهتاف والتهليل. وظهرت " سميراميس" على صهوة جوادها، وقد أرتدت ملابس الحرب، فتعلقت بها الأبصار وهفت إليها القلوب. وأخذت " سميراميس" تمر بجوادها بين الصفوف ثم أنثنت وواجهت حشود الشعب والجيش. وهتف أحد المحتشدين كالمسحور:

-         ما أجملها..!

وقال آخر:

-         إنها آلهة الحرب بعينها

فقال جاره:

-         بل هي مينرفا آلهة الحكمة أو الزهرة ربة الجمال والحب!

فقال الأول:

-         إنها سليلة الآلهة على كل حال.

ورفعت سميراميس ذراعيها أيذانا بالصمت فخيم على الساحة الكبرى سكون رهيب. وأنطلق صوت سميراميس جهوريا رخيما وهي تقول:

-         يا جنود آشور الشجعان، يا رجال جيشي الظافر.. أيها الأبطال.. إني فخورة بكم، فقد فتحت سيوفكم الباترة الطريق إلى بلاد فارس، وأرمينية، ومصر، وأثوبيا، وأصبحت هذه البلاد المنيعة تدين بالطاعة لحكم آشور. يا رجال جيشي.. كيف أعبر لكم عن شكري؟ ليتني استطيع أن أجمعكم كلكم في رجل واحد كي أضمه إلى صدري وأطبع على شفتيه قبلة الحب الذي أحفظه لكم جميعا..!

وهنا ثارت الحماسة في نفوس الجنود، فأستلوا سيوفهم وأخذوا يدقون بها دروعهم وهم يصيحون في نشوة محمومة:

-         سميراميس.. سميراميس..!

ورفعت سميراميس يدها مرة أخرى فهدات نورة الجنود ثم قالت:

-         هاتوا رأية اجليش كي أطبع عليها قبلة حبي فيكون فيها لكل جندي نصيب!

فتقدم إليها قائد الجيش، وركع أمامها، ثم رفع إليها العلم، فقبلته سميراميس وإعادته إليه، ثم قالت:

-         أيها الأبطال.. يا بناة دولتي، لقد أديتم واجبكم، وتحملتم مشقة تستحقون معها نصيبا من الراحة بين أهليكم وذويكم، فأغمدوا سيوفكم، وأنصرفوا إلى أحبائكم، فعلينا اليوم وقد كسبنا الحرب، أن نبني في ظلال السلم ما يخلد ذكر آشور على مر الدهور.

لم يكن للناس حديث في ذلك اليوم غير الملكة الجميلة التي عادت إليهم ظافرة من الحرب. وكانت أحاديث الناس تختلف بإختلاف عقلياتهم وحظهم من العلم والفهم. فإذا تحدث عنها بعض العامة قالوا إن سميراميس أبنه ربة من الأرباب هجرتها عند مولدها على صخرة في صحراء سوريا، فحنت عليها الحمائم، وكانت تغمس منقارها في اللبن وتطير فتسكبه في فم الطفلة، حتى عثر عليها أحد الرعاة فتبناها. ولما بلغت الطفلة الخامسة عشرة من عمرها كانت آية في الجمال، فرأها " مينونيس" حاكم " نينوي" وهو يتفقد رعية الملك " نينوس" في سوريا فشغف بها وتزوجها.

ويتحدث عنها الجنود فيذكرون كيف خرجت مع زوجها عندما ذهب لمساعدة مليكه في الحرب، وكيف وصل الجيش إلى أسوار "بكتريا" وحاصرها وطال الحصار. وكيف أقتحمت " سميراميس" قلعة العدو مع فصيلة من الجنود، فمكنت الجيش من دخول المدينة. وعلم الملك " نينوس" بما فعلته فأعجب بها وأخذها من زوجها فتزوجها، وعوضه عنها إحدى بناته. ولما مات " نينوس" وثبت إلى العرش من بعده. وفي ذلك المساء جلس قائد الجيش يتحدث إلى الكاهن الأعظم.

قال القائد:

-         ما رأيك في استعراض الجيش اليوم؟

قال الكاهن:

-         جيش عظيم جدير بملكته العظيمة

-         إن مائة ألف مقاتل يندفعون خلفها في حماسة عجيبة، فلو أرادت لخاضت بهم البحر أو دكت رواسي الجبال.

-         أجل.. إن عبقرية سميراميس إنها تثير في نفوسهم حبها، فكأنها تدفع إلى الحرب جيشا من العشاق والمغرمين!

-         وهي تعرف هذا الشعور في جنودها فتعمل على أن يظل مشتعلا في الجوانح. ألم تسمع إليها تقول " أنا معبودة الجنود وحبيبة الجحافل"؟ إن كل جندي يعتبرها مليكته وقائده وحبيبته!

-         لقد سمعت عن قصتها مع الجندي المحتضر فهل شاهدت ما حدث؟

-         لقد حدث ذلك أمامي. كانت تتفقد الجنود بعد معركة عنيفة، فشاهدت جنديا جريحا يصرخ من الألم، ولما رأها هتف باسمها، فمالت عليه، فأبتسم الجندي وأضاءت أساريره، فقبلته سميراميس، فصعد آخر أنفاسه على شفتيها وأسلم الروح.وعند ذلك حدث أمر عجيب. كان على مقربة منها جريح آخر يشاهد ما فعلت، فطعن قلبه بخنجره ليحظى منها بقبلة مماثلة، دفع حياته ثمنا لها..!

جلست سميراميس وحدها في شرفة قصرها تتأمل نجوم السماء، كأنما تبحث عن نجمها بين تلك النجوم، وكانت تصل إليها من بعيدا أصداء الاحتفالات التي يقيمها الشعب إبتهاجا بالنصر. وغرقت سميراميس في لجة من التفكير، وأخذت تستعرض بذاكرتها مشاهد حياتها الحافلة. إنها ترى نفسها وقد وثبت إلى عرش " آشور" بعد وفاة زوجها الملك.

وإنها لتحس بهذا الطموح الذي ملأ نفسها ودفعها إلى العمل لتكون ملكة عظيمة يكسف مجدها مجد من سبقها من ملوك الآشوريين. وإنها لتذكر كيف رسمت خطتها التي قامت على أساسين، إحدهما الفتح والغزو في الخارج، والثاني التعمير والبناء في الداخل. لقد قررت أن تجعل من " بابل" مدينة عظيمة، فشيدت الأبنية الضخمة، والهياكل العظيمة، وبنت حولها سورا عظيما، وحصرت نهر الفرات بين رصيفين، وأنشأت الحدائق المعلقة التي زرعتها على أبراج شاهقة، ورفعت إليها الماء من نهر الفرات.

وها هي ذي اليوم تفكر في شيء جديد. إنها تريد أن تقييم برجا عظيما يرتفع إلى السحاب، يخلد ذكر بابل على مر العصور. وتريد أن تقدم شكرها إلى الآلهة ببناء معبد هائل، تنصب فيه التماثيل من الذهب الخالص ولم يكد يستقر عزمها على ذلك، حتى دعت إليها رجال دولتها، وأصدرت أمرها بالعمل فورا في بناء برج بابل، ومعبد " بلوس"

وعندما تم العمل بعد سنوات، أمرت بأن ينقش على جدران المعبد هذه الكلمات:

-         " لقد صورتني الطبيعة إمرأة، ولكن أعمالي فاقت أعمال أشجع الرجال. فحكمت إمبراطورية نينوس الممتدة الأطراف. ولم ير قبلي آشوري البحر الكبير، ولكني أبصر اليوم أربعة بحار تعترف شواطئها بسلطاني. وأكرهت الأنهار العظيمة على أن تصب طبق إرادتي، وسيرت ماءها لإخصاب الأراضي التي كانت قبلي قاحلة بغير سكان. وأقمت البروج المنيعة، ومهدت طرقا لم يكن يرتادها من قبل إلا وحوش الغاب. وفي وسط هذه الأعمال العظيمة وجدت أيضا مجالا لسروري ولهوي".

مضت أعوام أخلدت فيها سميراميس إلى الدعة والهدوء، حتى بدأت تشعر بالضجر والضيق، ففكرت في أن تشغل نفسها بغزو جديد. وأتجهت بأنظارها إلى العالم الذي يحيط بها فلم تجد غير الهند منافسا لها، فقررت غزوها لإخضاعها لسلطانها. وقال لها قوادها إن الهنود يستخدمون الفيلة في القتال. ففكرت في التغلب على هذه العقبة بالحيلة والخداع، وأمرت بذبح آلاف من الثيران السمراء، ونزع جلودها لتكسي بها آلاف من الجمال، حتى تبدو على هيئة الفيلة، فتلقي الرعب في قلوب الأعداء. وأعدت سميراميس ألفي قارب لتعبر بها أنهار الهند، وفكت أجزاءها وأمرت بحملها على ظهور الإبل.

وأتمت استعدادها ثم زحفت بجيشها إلى الهند. وخرج ملك الهند لملاقاتها في جيش عظيم. وأرسل إليها رسولا يسألها: من أنت حتى تواتيك الجرأة على مهاجمتي؟ فأجابت الرسول قائلة:

-         " أذهب إلى سيدك، وقل له أنني سأخبره بنفسي من أكون، ولماذا جئت إلى هنا"

والتقى الجمعان، وكانت الجولة الأولى في صالح ملكة بابل وآشور. فقد ذعر الهنود عندما شاهدوا ذلك العدد الضخم من الفيلة الكاذبة، فتقهقر ملك الهند بجيشه متظاهرا بالهرب، واستدرج جيش سميراميس وراءه. ولم يلبث أن أكتشف حقيقة أفيالها الزائفة، فكر عليها بأفياله الحقيقية، فكانت تخطف الرجال عن خيولهم وتدوسهم بأقدامهم. وفر جنود سميراميس يطلبون النجاة من هذا البلاء الذي لا قبل لهم بدفعه، وأصابها سهم بجرح بالغ، فأسرعت بالعودة مع فلول جيشها المقهور. ولم يلاحقها ملك الهند، لأن الكهان حذروه من ذلك، فعقد معها الصلح وعادت إلى بلادها.

لم تستطع سميراميس أن تواجه الشعب بعد هزيمتها في الهند، وزهدت نفسها الحكم والسلطان، فتنازلت عن العرش لأبنها، واعتزلت الناس وأختفت عن الأنظار.

وسرت بين البسطاء من العامة أسطورة عجيبة، تقول أن سميراميس قد تحولت إلى حمامة بيضاء، وطارت من القصر مع سرب من الحمام الذي كان يرضعها في طفولتها. وصدق العامة هذه الأسطورة فرفعوا سميراميس إلى مرتبة الآلهة وقدسوا الحمام منذ ذلك الحين. وكانوا إذا مر فوق رؤوسهم سرب من الحمام الأبيض، خروا ساجدين وهم يهتفون في خشوع:

- سميراميس.. سميراميس.

 

المصدر: أنور أحمد - مجلة حواء
  • Currently 94/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 990 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,390,664

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز